تتعدد مفاهيم الإدارة تبعاً لطرق فهمها وممارستها من قبل الأشخاص؛ أو تبعاً لاختلاف الأهداف والوظائف، ففي الوقت الذي قد يراها البعض أنها علم، يراها آخر أنها فن وممارسة، والفرق جوهري بين العلم والفن، فإن العلم يقوم على توافر القوانين والقواعد والأسس والمناهج التي تطبق في مجال القيادة والعمل، بينما الفن يقوم على التجربة والذوق وردود الأفعال الإنسانية الشخصية والجماعية.. ولعلّ التعريف الذي جمع بين العلم والفن هو ما جاء في موسوعة العالم المعاصر -لاروس- وهو كما يلي: فن وعلم إدارة المؤسسة، ويتألف ذلك من قيادة الأفكار و البشر لتحقيق نتائج مؤكدة.. وهو تعريف يجمع بين ضوابط العلم ولا يغفل عن الطبائع الأولية للبشرية وممارساتهم اليومية التي تختمر بالتجارب والاختبارات والمشاعر، لكننا إذا تأملنا في قيمة الإنسان وكرامته ودوره العظيم في تكوين الحياة السعيدة وإنجاز المهام الصعبة بما يمتلكه من عقل ثاقب وصبر وجد ومثابرة وإرادة

كما إذا تأملنا في دوره الكبير في خلق التعاسة والشقاء وجر الحياة إلى الويلات تلو الويلات وتجاوبه السريع مع المتغيرات والطوارئ بما قد يعيشه من قلق واهتزاز وضعف في الشخصية والإرادة أو التفكير..

إذا تأملنا فيما يمتلكه الإنسان من عناصر قوة وضعف وانتصار وهزيمة وسعادة وشقاء، فقد نجد أن الإدارة الحقيقية هي تلك التي تقوم على تنمية البشر وتطوير قدراتهم وتهذيب ملكاتهم في مسيرة الحياة الشخصية والعامة، كما أن القيادة الحقيقية تتلخص في السيطرة على الأرواح والقلوب وتبديل الإنسان الميكانيكي أو الآلي الذي ينجز أعماله حسب الوظيفة التي يتقاضى في مقابلها أجراً أو حسب الخوف على فوات المصالح أو الوقوع في الأضرار -كما هو الغالب في الأعمال الإدارية على أي مستوى وصعيد- وتبديله إلى مفكر عظيم، وطاقة جبارة طامحة إلى السمو والرقي بروح الشعور والمسؤولية بدوافعها الذاتية وأهدافها الكبرى وتطلعاتها العالية وهذا ما يطمح إليه الجميع ويسعى لتحقيقه. وهنا يكمن أحد أهم مرتكزات دعوات السماء وتوجيهها إلى البشر.. حيث تتلخص الرسالات السماوية بفكرة واحدة مشتركة هي: صناعة الإنسان وصياغة ضميره وشخصيته بما يليق بكرامته وسمو عقله وعلو مكانته بين المخلوقات ليكون القدوة والأسوة والمثال الذي يحقق الغرض من الخلق والتكوين، هذا في المؤسسة الكبرى من التكوين والتشريع.. وكذلك الحال في المؤسسات الصغرى سواء كانت في مدارها الأوسع كالحكومات والأنظمة أو المدار الأضيق في المؤسسات والوزارات والدوائر.. حتى ينتهي إلى الأسرة التي هي أصغر المؤسسات تكويناً وأعظمها رسالة وهدفاً. ومن هنا وجدنا أن أفضل أسلوب يجمع بين ضوابط الإدارة وقيم الإنسان هو (إدارة المؤسسات بالقيم الإنسانية) وذلك لتضاؤل سائر القيم الأخرى -كالثروة والسلطة- أمام قيمة الإنسان وهدفيته ورساليته..

ومن الواضح أن الإدارة بواسطة القيم لا تستلزم إلغاء الجوانب الإدارية الأخرى كالإدارة بواسطة المال أو المناصب أو الإدارة بواسطة القوة؛ بل قد يجعلها وسائل أو طرقاً حكيمة - في بعض الأحيان - للإدارة بالقيم الإنسانية الفاضلة؛ لأن الإدارة بالقيم تتقوم بالعلم ثم الفن ثم الضمير والخلق العالي.. لذلك فأنها في الوقت الذي تعمل بالرحمة والمحبة والاتحاد والتماسك الروحي وتحفز الإنسان لإنجاز الأدوار بقناعاته وإرادته، لا تنسى الحدود والضوابط العلمية القائمة على الحاجات والقدرات والتخطيطات لقيادة العمل إلى الأفضل، كما لا تهمل التجارب والاختبارات الإنسانية في الفعل ورد الفعل في ساعات الرضا والغضب والقوة والضعف لضمان السلامة في الإنجاز مع حصد جيد للأرباح أو تخفيض من مستوى الأزمات والخسائر. ومن هنا قد نقول: (إن الإدارة بالقيم هي فوق المعايير الثابتة التي يحددها علم الإدارة الذي يدرس في الجامعات والمعاهد أو الذي تقوم عليه هياكل الدول والمؤسسات - في الغالب - كما أنها أوسع مجالاً من غيرها لأنها تضم تحت جناحيها إيجابيات سائر الطرق الإدارية، وتزيد عليها باهتمامها بالإنسان وتربيته وتهذيبه وتحويله من آلة إلى عقل ومن خاضع مستسلم للقرارات إلى مفكر حر يعمل بقناعته وبما يمليه عليه المنطق السليم ومعايير الصواب في العمل، من قبيل الشورى واحترام الرأي الآخر والتجاوب مع المشاعر الإنسانية النبيلة، وهذا هو الذي يجمع في طياته أهداف الأنبياء (ع).. ومن سار على نهجهم في الهدف والطموح من القادة والزعماء والإداريين في مختلف الأصعدة والمجالات..

ومن هنا نعرف أن إدارة الأعمال من المهام الصعبة والشريفة وستكون أصعب وأشرف إذا اندمج فيها الإنسان وتحولت إلى إدارة الإنسان الذي بواسطته تدار الأعمال والأدوار على أفضل شكل وأغنى مضمون.. فإنّا بهذا الأسلوب نكون قد حولنا المدير إلى معلم والعامل إلى مؤمن مجاهد والعمل إلى ساحة طاعة وواحة رحمة وبركة تفوح بالقيم الإنسانية النبيلة التي تجعل من الحياة واحة حرة ملؤها السعادة وزاخرة بالمزيد من الإنجازات الكبرى على سبيل التقدم والرفاه..

من الإدارة إلى القيادة:

الفرق كبير بين إدارة المؤسسة وقيادتها؛ فالإدارة تعني تسيير المؤسسة بأفرادها وأنظمتها بموجب تعليمات وأوامر أو قرارات صادرة من المدير في الغالب، ولها نظام عمل محدد مسبقاً يمشي عليه العاملون.. وبالتالي فإن الإدارة قد تتضمن أحياناً الروتين، والانغلاق، والفوقية، والصرامة، وغير ذلك من مظاهر الضبط والتقنية، وبالتالي فهي تتمركز على الأبدان والطاقات العضلية والمكننة في الإنجاز - في الغالب-.

بينما القيادة تختلف عن ذلك لأنها تعني: إدارة البنية الهيكلية المتكاملة للمؤسسة والتفاعل بين أقسامها وعناصرها روحياً وعاطفياً وفكرياً لتحقيق الأهداف المرسومة، آخذة بالاعتبار واقعها والبيئة المحيطة بها ورضى أفرادها العاملين فيها، وأولئك الذين يقفون خارجها من الذين ينظرون إليها بعين الاعتبار والتقدير.. أو المنافسين الذين يسابقونها في ميادين العمل.. وبالتالي فهي تتمركز على الفكر والطاقة الروحية للأفراد والنظام الأسري في الارتباطات والتعاون والمحبة المتبادلة بين الجميع.. ومن الواضح أن أي تجمع بشري يحتاج من أجل دوام سير عمله وبقائه آمناً وسعيداً إلى قيادة، أكثر من حاجته إلى الإدارة، لأن طموحات الإنسان قد لا يلبيها المدير بل يلبيها القائد الذي يسير بالأعمال وينشطها ويطورها باستمرار.. من هنا ينبغي أن نفكر دائماً في أن نجعل من مؤسساتنا غرف قيادة وتوجيه وترشيد لا دوائر ولا إدارات.. حتى تكون في القمة وتحظى باحترام الجميع وتستطيع أن تدعي لنفسها أنها حققت شيئاً في الحياة الإنسانية..

مكونات القيادة الإدارية:

وهي عبارة عن جملة من العناصر من شأنها أن تجعل من المدير قائداً له من التأثير الفكري والروحي والإداري أكثر من غيره بحيث يستجيب له الأفراد طوعاً وعن قناعة قبل المسؤولية والمنصب والحق والواجب.

وأبرز المكونات القيادية ما يلي:

(1) السلطة: ونعني بها المكانة وحق القيادة والقدرة على التأثير، وبعبارة موجزة هي قدرة إعطاء الأوامر والتوجيهات إلى المرؤوسين للتأثير عليهم -حسب اختلاف المفاهيم الإدارية- فإن الإدارة الوظيفية تعتمد في تأثيرها على الآخرين على القرارات والأوامر الصادرة من فوق وحب الثواب وتجنب العقاب المتحفزة في كل فرد. بينما الإدارة الرائدة تعتمد على التوجيه والترشيد والقناعات الناشئة عن تحاور الرؤساء ومشاورة العاملين في القرارات من فوق، والشعور بالمحبة والمسؤولية والهدفية التي تعتمل في نفوس الأفراد. وكيف كان؛ فإن القيادة الإدارية تقوم على جملة من الأسس لا تتحقق من دونها وهي كالتالي:

أ- الدور الوظيفي أو الاجتماعي الذي يحتله المدير.
ب- المعرفة والخبروية والحكمة التي يحملها المدير بين طيات نفسه ولمسات يده.

ج- قوة الشخصية وخصال العظمة والنفوذ الذي يتمتع به. وقد يرى البعض أن المال والقدرة على الدفع هي نقطة جوهرية أخرى في القدرة على التأثير وهذا قد يصح في بعض الأحيان، إلا أنه لا يشكل لنا قيادة إدارية يستجيب لها الأفراد طواعية وعن رغبة وقناعة - في الغالب-، كما لا يحقق لنا أعمالاً متماسكة ودائمة وآثاراً باقية.. ولذا حصرنا الخصوصيات القيادية بالثلاثة المذكورة لأنها الأقوى تأثيراً بالفعل والتي تصنع الشخصية القيادية بمعناها الفاعل والمؤثر ولعل الرسم البياني التالي يوضح الأمر أكثر.

ولعلّ من المناسب الخوض ببعض التفاصيل المرتبطة بالخصوصيات المذكورة:

الأولى: السلطة القائمة على الدور الوظيفي أو الاجتماعي:
وهي سلطة نابعة من قوة الدور الذي يؤديه المدير، وفي الدوائر الرسمية تنشأ غالباً من مركز العمل الوظيفي القائم على الترتيب الهرمي في السلطات، ويعتبر المركز الوظيفي هو الذي يمنح السلطة ويعطي الدور الفاعل للقائد المدير، بخلاف المؤسسات الاجتماعية والثقافية في الغالب، فإنها تنشأ من مدى وأهمية الدور الذي يؤديه المدير؛ فقد نجد من هو أقل مركزاً يملك تأثيراً أكبر ممن هو أقوى منه، وممارسة هذه السلطة تنشأ من حق الرئيس في مخاطبة مرؤوسيه بما يلي:
- ما يجب عمله، أي تحديد الوظيفة.
- في أي وقت ينفّذ والى أي وقت ينتهي، أي تعيين المبتدأ والمنتهى.
- بأية طريقة ينجز، أي كيفية التنفيذ.

و أنت ترى أن كل شيء في هذه الإدارة يعود إلى المدير.. وهنا تكمن النقطة الجوهرية بين المدير الناجح أو الفاشل، من الآخر الذي هو على درجات أكبر من النجاح؛ ففي الوقت الذي يحصر الأول السلطات والقرارات بيده ولا يشرك فيها أحداً من مرؤوسيه وأصحابه، يوزع الثاني الأدوار ويشرك الآخرين بقراره ويعدهم مشاورين له ومساعدين حقيقيين، لا آلات صماء عليها الطاعة وحسب؛ لذلك فإن النجاح في الأول ينحصر بقوة شخصية المدير ومدى أهمية وشدة مراقبته للأعمال، وبالتالي فإن الفخر يعود إليه أولاً وآخراً في الانتصارات كما أن الفشل رهين آرائه وقراراته.. هذا ويمارس المدير الوظيفي سلطاته -في الغالب- حسب المراحل التالية:

التفكير والتخطيط - إعطاء الأوامر - تعيين الوظائف وكيفية الإنجاز - مراقبة التنفيذ بشكل متواصل - وربما فرض عقوبات إذا لم تنفذ الأدوار بشكل جيد وكذا المثوبات في الإنجاز الجيد. بينما الثاني يجعل من العاملين فريقاً ومن العمل ماكنة يشترك في تحريكها الجميع والكل له دور في تفعيلها وتنشيطها كما يحظى ببعض السلطة، كما وله قسط من الفخر والنجاح.. وطريقة ممارسة السلطة يوضحها الرسم التالي:

وأكثر ما يتجلى هذا الأسلوب في المؤسسات الاجتماعية الناجحة، وتتجلى أهميته ودوره الكبير في تحقيق الانتصارات في أوقات الأزمات والمشاكل أو التعرض لصدمات كبرى، كما هو ملحوظ في المؤسسات التي تقوم بإنقاذ شعب من الاستبداد أو مقاومة غزو خارجي أو انتشال الناس من الفتن الداخلية. وتعمل بعض الحكومات المنفتحة على إقامة جبهات مشتركة تضم المعارضة والسلطة لمواجهة الأخطار أو التخطيط للبناء، كما هو ملحوظ في العديد من الدول الحرة، بينما نجد الأمر معكوساً في الدول المستبدة التي لا يعطي الحاكم فيها حق الرأي والتخطيط والتنفيذ لغيره، فيعرض بلده وشعبه إلى الدمار والتراجع في مختلف المجالات.. وهذا كما ينطبق على الحكومات والأنظمة، ينطبق أيضاً على سائر المنظمات والمؤسسات، صغيرة أو كبيرة وفي أي صعيد ومعترك..

الثانية: السلطة القائمة على الخبرة والمعرفة:
وهي سلطة الخبير أو العارف المحنك، ويسميها البعض سلطة المعرفة والحكمة؛ لأنها تقوم على حق أن يكون صاحب السلطة مستشاراً أو خاضعاً لفضيلة المعرفة التي يمتلكها، وهي في الحقيقة سلطة العلم؛ فإن من الواضح أن العلم وتجاربه يفرض نفسه على ميادين الحياة كما يهيمن بسلطته على عقول البشر وأرواحهم. وكل إنسان بطبعه الأولي يستسلم أمام العالِم العارف في مجاله. ومن هنا نشأت النظرية الإدارية القائمة على التخصص واعتبرت أن الأنظمة والقوانين والمعرفة هي التي تمنح القائد الإداري سلطاته والقدرة على التأثير.. وتعد السلطة المعرفية من أهم المعايير التي تقود المؤسسات إلى النجاح؛ لذا ينبغي توفرها في جناحي العمل؛ أي المدراء والعاملين.. وهي ضرورية جداً لسير الهيكل العام في المؤسسة، لأنها تشكل - مبدئياً - الاستعداد لتقويم الأفراد تبعاً لخبرتهم وكفاءتهم سواء كانوا رؤساء أو منفذين؛ لذلك فإنها تقوم على القناعة والاستجابة المنطقية للقرار، أو التوجيه الناشئ من أهله الذين يمتلكون خبرة في مجالهم. وبالتالي فإن الطابع الرئيس لهذه السلطة هو العقلانية لأنها مبنية على الاعتقاد بحقائق العلم وشرعية الرئيس العارف بمعاييره وطرقه. ولعل من الأمثلة التي توضح ما نريده، ما يلي:

- الطبيب في المستشفى والمهندس في المعمل والضابط في المعسكر. وهنا تكمن أهمية التربية والتعليم في المؤسسات التي تطمح إلى النجاح؛ إذ لا يكفي أن يكون المدير مضطلعاً بمهامه ما لم يصنع لنفسه جيلاً من المضطلعين في مختلف المجالات، ليقود مؤسسته بطريقة علمية ويضمن لها البقاء والاستمرار والنجاح لوجود ما يكفي من الطاقات الخبيرة في الإنجاز.. وهذا لا يتحقق إلا بوضع خطة للتربية والعمل عليها جنباً إلى جنب سائر الأعمال والوظائف، ثم اعضادها بخطوات عملية في هذا السبيل كتفويض الأدوار وتوزيع السلطات وفسح المجال للآخرين في المشاركة في الرأي والقرار.

الثالثة: السلطة القائمة على قوة الشخصية:
وتقوم هذه السلطة على التأثير القوي للمدير على مرؤوسيه.. وهو لا يتم إلا إذا تمكن المدير من أن يحتل موقعاً خاصاً في قلوب أفراده لما يتميز به من مؤهلات كثيرة يسلم الجميع بأنها رجحت كفته على غيره مثل:
- القدرة على الحكم (الرؤية الصائبة والقدرة على اتخاذ القرار).
- الحس المرهف.
- الأخلاق النبيلة.
- العدالة في التعامل.
- الإخلاص والنزاهة.
- المحبة والرعاية العاطفية (المداراة).
- التفاني للعمل (رعاية المصالح العامة) وللآخرين (المشاركة في آلامهم وآمالهم).
- المنطقية في التفكير والتنفيذ (الخبرة والتخطيط).

وغير ذلك من صفات نفسية وعقلية وإدارية كبيرة تجعل الآخرين يستجيبون له بشكل عفوي وعن قناعة واختيار... ومن الواضح أن هذه الخصوصيات من السهل التحدث عنها، إلا أنها في ميدان العمل من أعقد الأمور وأصعبها، لما تتطلبه من المجاهدة والجلد وكبح جماح النفس، لذلك لا تتوفر إلا في عظماء البشر وهم القلائل.. وهي قيادة يسميها البعض بأنها ملهمة لأنها تمتلك سيطرة تقوم على التفاني والإخلاص، وجعل المدير المتصف بها بطلاً جماعياً، أو قدوة وأمثولة له طابع مقدس أو محترم وتقوم على قدراته النفسية الكبيرة أو إنجازاته البطولية الرائعة.. وعلى الرغم من توافر هذا النوع من القيادة في العديد من المؤسسات خصوصاً الاجتماعية منها، إلا أنها تعاني من أزمات حقيقية في جهات ثلاث هي كالتالي:

الأولى: إن ردود الأفعال الناجمة عن الفشل في هكذا زعامات تعود قوية وقاصمة لظهر المؤسسات والأفراد معاً؛ لما تشكله من إحباطات إذا تحطمت الصورة المقدسة للمدير الفذ في أنظار أصدقائه.

الثانية:
إن أكثر ما تلائم هذه النظرية، المؤسسات العاملة في العالم المتخلّف -المستبد- فإن طبيعة الاستبداد، تجعل من المدير قائداً تعطيه صفة الإلهام والرمزية، وتجعله في وضع مقدس لا يقبل النيل أو المس، بل يسعى الجميع لنيل الزلفى منه وكسب وده ورضاه، ومن الواضح أن هذا لا يتم إلا عبر التبجيل والتعظيم الكاذبين.. وبالتالي فإن خطورة هذا النوع من الإدارة تكمن في أنه قد ينتهي بالمدير إلى الصنمية المطلقة، وبالأفراد إلى جملة من المتزلفين، وتصبح معايير التقديم والتفاضل، هي الولاء لا العلمية والكفاءة، وأخيراً يصبح العمل آلة وجسراً لطموحات المدير ورغباته الخاصة، إذا لم يحسب لها حسابها منذ بادئ الأمر.

الثالثة: إنها قيادة قد لا تتكرر ولا تستمر فيمن يأتي بعدها -كما إذا تقاعد المدير أو مرض أو انتقل أو مات أو ما شابه ذلك- لذا فإن المهمة الشاقة تكمن في العمل على تكريس الصفات المثالية في الأفراد، وتكثير القادة المثاليين في المؤسسة، وهذا لا يتم إلا إذا خضنا عمليات تربوية شاقة ومتواصلة؛ أو حولنا القيادة إلى جماعة أو هيئة أو فريق يقوي بعضه بعضاً ويكمل دوره بالاستشارات والحوارات المفتوحة والعلاقات اللامركزية بين الأفراد. ومن هنا فكر جمع من المتخصصين في علم الإدارة بطرح طريقة جديدة يراها أنها تناسب تغييرات العصر وتحولاته وقدموا رأياً آخراً لسلطة المدير واعتبروها تقوم على ثلاثة محاور هي:
أ) الإدارة بالمعلومات؛ أي جمع وتحليل ونشر المعلومات الواردة من داخل وخارج المؤسسة والمعلومات الرسمية وغير الرسمية والمعلومات المكتوبة والشفاهية.
ب) الإدارة بالبشر؛ كممارسة الزعامة وخلق العلاقات الإنسانية وشبكات فرق العمل.
ج) الإدارة بتنفيذ العمل؛ والتي تطبق من خلال تنفيذ المهام والأعمال والنشاطات بشدة التركيز والمتابعة والنجاح في الأداء، ويعتبر المدير مثالياً عندما يتصرف جامعاً بين هذه المحاور الثلاثة.

سلطـة حمـل الرايـة:

(2) المسؤولية: وهي ما يعبر عنها بحمل الراية، أو الشخص الذي يضع النقاط على الحروف، ويعلق الجرس في عنق الأسد.. وهي تعني أن يتحمل المدير أو الأفراد الآخرون قراراً في وظيفة ما تعهدوا بها والتزموا بإنجازها وطوعوا أنفسهم للقبول بكل ما يترتب عليها من فوائد وأضرار.. فإن كثيراً من الأعمال تبقى دون إنجاز بسبب فقدان المدير، كما أن الكثير من المدراء يفشلون لأنهم لم يحملوا الراية -كما ينبغي- أو لم يلتزموا بشرائطها.. وفي مقابل ذلك نجد بروز العديد من الكفاءات الجديدة بلا تعيين أو تنصيب لأنهم تحملوا الهم ورفعوا اللواء وساروا إلى الأمام.. وفي المؤسسات قد تتوافق المسؤوليات مع انسجام العامل مع جو العمل، وينجم عن هذا الانسجام نتيجتان:

إحداهما إيجابية:
بجهة أن التقدير والتكريم والتحفيز هو الذي يقابل به النجاح.

وثانيهما سلبية: من جهة أن الشخص يعرض نفسه للعقاب أو اللوم إذا لم يكمل العمل المطلوب إنجازه، أو لم يقم بكل شرائطه التي كان يفترض أن يهيئها لإنجاح الإنجاز. ومن هنا نعرف أن الالتزام والتعهد هو أحد أهم مكونات القيادة الإدارية، ولدى تفويض الأدوار أو تخويل المدراء، ينبغي أن نفكر أولاً بالفرد الملتزم بقراره، أو ذلك الذي يحمل اللواء ويمشي إلى تحقيق الأهداف، وفي الغالب فإن الذين يرفعون الرايات عالية ينتزعون اعتراف الآخرين بهم ولو بلا مناصب أو أدوار مخولة إليهم من فوق.. لأن العمل والجد والمثابرة بذاتها قيمة تفرض نفسها على الجميع؛ فكيف إذا اجتمعت قيمة الهمة والعمل مع مشروعية التفويض في توزيع الأدوار أو تفويض السلطة؟ من هنا أصبحت المبادرة والاهتمام مكاناً (لممارسة الإدارة) والتي تتخذ وفقها المسؤوليات في الغالب.

طباع القادة وأمزجتهم: مهما بلغ الإنسان من قوة الفكر ورجاحة العقل، فإنه يبقى للطبع والمزاج الأثر في حركاته وسكناته، وقد ورد في الحديث الشريف: (غلب الطبع الأدب) لذا قد لا ينفك الإنسان من بعض عاداته وهو يمارس أدواره الوظيفية، وفي حديث آخر العادات قاهرات فمن اعتاد شيئاً في سره وخلواته فضحه في علانيته وعند الملأ، لذا ينبغي أن نعوّد أنفسنا على خصال الخير ونطبعها بطابع الكمال، لتظهر على مواقفنا وأعمالنا، ومن هنا يرى بعض علماء لنفس أن للمزاج الشخصي للأفراد الدور الكبير في تشكيل طريقة ممارستهم للسلطة أو تعاطيهم مع الأمور، سواء كانوا في القمة أم في القاعدة، ومن هنا تعتبر طباع القادة وأمزجتهم من أهم المكونات الأساسية للقيادة، وقد أجريت دراسات وافية على سلوكيات الرؤساء في العمل وصنفت نمطيات القادة إلى أكثر من تصنيف، أهمها اثنان:

الأول: ينظر إلى المدراء من حيث المحصلة النهائية التي ينتجونها في أعمالهم، لذا يعتمد هذا التصنيف على تحليل شخصية المدير وصفاته النفسية والكفاءات العامة والضرورية التي يتمتع بها حين ممارسة السلطة، ولذلك صنف المدراء إلى أصناف متعددة حسب مزاياهم وكفاءاتهم وهي كالتالي:

1- الواقعي:
أي العملي أو الحدسي المتسلط الذي يهتم بالنتائج المباشرة.
2- المثالي: أي المنهجي أو النظري الذي يتعارض مع الواقعي ويتبع مثالاً له.
3- الانتهازي: أي الذي يستخدم الواقعية أو المثالية تبعاً للحالة أو الموقف والفائدة.
4- التصالحي: أي الاستشاري الذي يسعى لإقامة التوازن في المؤسسة.

الثاني: حيث ينظر إلى المدير من حيث طباعه الخاصة في مركز القيادة وقد ميز هذا التصنيف بين أشكال خمسة من القيادات وهي كما يلي:

1- المحتكر: وهو المنفذ الذي يعرف كل شيء بحركية كبيرة، لكنه لا يريد تفويض شيء من مهامه أو صلاحياته للآخرين، كما لا يأخذ في حسبانه البيئة المحيطة أو استمرار المؤسسة (طبيعة الوحدة والتفرد).

2- القنّاص: وهو الذي يعرف ما يتوجب عليه فعله بعد تحليل البيئة بشكل مباشر، لكنه يهدف إلى فعل ذلك من خلال مدة قصيرة (العجول).

3- المجدد في التنظيم: وهو الذي يعرف التنسيق مع الآخرين انطلاقاً من مركزه، لكنه مهدد بالأحادية (المنظم).

4- الحكيم: الذي يحسب لكل شيء حسابه ويعتبر المحرك الذي يسحر في فترات الأزمة، وإذا لم يفوض أدواره ويكثر من معاونيه ومستشاريه فإنه يبتلى بالفردية أيضاً.

5- المتلاعب: وهو المحرك، يتعامل مع الأمور حسب المصلحة التي يتوخاها، لذلك فهو في وقت السلم مسالم ويجمع الآخرين على السلم، وفي زمن الحرب يجمعهم على الحرب وفي كلتا المرحلتين يتبع المصلحة التي قد يأتي بها السلم وقد تأتي بها الحرب.

(4) خصائص المرؤوسين:
وتأتي في الرتبة الرابعة من مكونات الإدارة خصائص العاملين وصفاتهم الشخصية أيضاً؛ إذ في الغالب تنقسم الفئات العاملة إلى فئتين لكل واحدة منهما خصوصيتها وطريقتها.

الأولى: هم الموظفون،
ونعني بهم الأشخاص المحرومين من الطموح ويرفضون المبادرات في الغالب ولا يحبون أعمالهم، كما لهم أهداف شخصية مختلفة عن أهداف المؤسسة، ويبحثون عن الأمان والسلامة في عملهم، لأن المهم عندهم إنجاز الوظيفة بقدر ما توفر لهم السلامة المعيشية وتجنب الأضرار والمساءلة.

الثانية: هم الهادفون؛
ونعني بهم الأشخاص الذين يقبلون بذل الجهود ويسعون إلى تحقيق طموحاتهم وتصوراتهم، وهم أكثر فاعلية ونشاطاً، كما هم أكثر تفانياً وتضحية ومعايشة لآلام المؤسسة وآمالها.. هذا ويمكن أن توجد فئة ثالثة تكون وسطاً بين الفئتين الأولى والثانية.. إذ قد تنشأ مجموعة من الأفراد يجمعون بعض صفات الوظيفيين مع حماسة الهادفين، ولعل هذه الفئة هي الأكثر حضوراً في المؤسسات، إذ قلما نجد فرداً يتمحض في خصوصيات إحدى الفئتين.. نعم قد يبدو عليه طابع إحداهما أكثر من الأخرى، وبالتالي يطبعه بسماتها بلحاظ الصفات البارزة أو الغالبة فيه، إلا أنه تبقى للمسات الفئة الأخرى تأثيرها على تصرفاته. ولعل الشكل التالي يوضح خصوصيات كل فئة حسب طبيعة ومزاج الفرد -حسب الغالب-:

الطبيعة
الوظيفيون
الهادفون

أ- الأندفاع للعمل
حسب الأجر
نحقيق الذات أو الهدف

ب- أسلوب التعامل

دفع العقوبة, بمقدار الدور المخول إليه, في إنجاز المسؤولية.. يحتاج إلى مدير ومرشد أو مراقب
مسؤول, مستقل وتشاركي, رقابته ذاتية

ج- الاستعداد للتطوير والتنمية

مقاوم, أو فاتر لا مبالي, باهت
مندفع, وطامح متألم, يشعر بالمرارة

وقريب من ذلك في رد الفعل الإيجابي.. كما أن الفئة الوسطى بين هاتين الفئتين هي التي قد تجمع بعض صفات هذه وتلك من الفئتين، وهكذا باقي سمات الطبيعة وآثارها. هذه هي المكونات الأساسية التي ينبغي ملاحظتها في القيادة، والذي يتتبع أعمال المؤسسات التي تقوم على القدرات البشرية، يجد أنها في الغالب تضم هذه العناصر الأربعة وتتميز المؤسسات الناجحة عن الأخريات بقدرتها على التعامل الإيجابي مع هذه العناصر.. خصوصاً إذا جهد المدراء على اتباع سياسة التحفيز والدفع المستمر للأفراد لإنجاز الأعمال بقناعة وطموح.

تأثير التحفيز في الأفراد:
إن تحفيز الأفراد يرجع إلى سببين في الغالب:
الأول: أسلوب الإدارة الحكيم.
الثاني: دوافع الأفراد الذاتية.

فإن الملحوظ أن الحاجات غير المشبعة في الأفراد تقودهم في الكثير من الأحيان إلى العمل، بل يرى البعض أن الحاجات هي الدافع الأكبر عند الأفراد لإنجاز العمل.. وإن صحت هذه المقولة فإنها توصلت إلى الطريق الأسهل لتحفيز الأفراد وشدهم إلى الأداء والإنجاز المستمرين؛ إذ هناك حاجات لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها بحال من الأحوال لذا تعتبر أولية وهناك حاجات تأتي بالرتبة الثانية إلا أنها في المجموع المكوّر لها تشكل السلّم الهرمي لحاجات الإنسان وحوافزه للعمل والمثابرة لتحقيق النجاحات.

 

وطبعاً تختلف الحاجات حسب أنواع الأدوار والمهام التي ينجزها الأفراد، فإن الأفراد في ضمن فريق رياضي، يهمهم إشباع حاجة المحبوبية والتقدير وتحقيق البطولات، بينما يبحث العمال في المعامل عن إشباع حاجات السلامة والأمان المهني والضمان الاجتماعي والترقيات، إلا أن النقطة الجوهرية التي يزدحم الجميع عليها هي الحاجة غير المشبعة، وهذه سر من أسرار ديمومة الحياة الإنسانية؛ إذ لولا النقص لم يكن هناك سعي للكمال وحينئذٍ تموت الآمال والطموحات وتتجمد مسيرة الحياة.

ولعلّ قول الشاعر:
أعلل النفس بالآمــال أرقبــها    ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

ومما يجب علينا أن نهتم بجمع العمل مع سد الحاجات ورفع النواقص لدى الأفراد، حتى نضمن حماسهم واندفاعهم للإنجاز الذي هو في محصلته النهائية إنجاز أكبر للمؤسسة ونجاح باهر لطموحاتها. والتقصير أو القصور في هذا المجال يهدد المؤسسة بالتراجع، كما يعرض أفرادها وكوادرها إلى ترك العمل، أو الانتقال إلى مشروع أضمن.. وتكمن شروط الإنجاز الناجح في التالي:
1- الثقة بين الإدارة والعاملين.
2- ظروف العمل الملائمة.
3- تجنب التراكم في الأفراد دون دور محدد ومعروف.
4- إبعاد الشعور بالحرمان لدى الأفراد بسبب عدم استخدام مؤهلات نجاحهم أو التقصير في إشباع حاجاتهم.
5- الإدارة الجماعية لإنجاز الآمال وإظهار التحدي وتحقيق الذات.

وهنا نلفت الانتباه إلى ضرورة التوافق بين أسلوب القيادة، مع تحفيز الأفراد وطبائعهم الشخصية بالقياس إلى طبيعة الأعمال التي يراد تنفيذها إذ ينبغي أن يتطابق كل ذلك مع طموحات القائد وطبيعته أيضاً، إذ بعض القادة يحبذون التعامل مع الفئة الأولى، وبعضهم يحبذون الفئة الثانية، إلا أن الحد الوسط هو الأقدر على الانسجام مع طبائع القادة وأمزجتهم، لأنه بجمعه لميزة كل فئة من الفئتين، يتمكن من التوافق أكثر مع سائر القادة. والحاصل الذي نريد أن نستنتجه مما تقدم هو أنه ينبغي أن يتم اختيار أسلوب الإدارة في المؤسسات حسب القوى الثلاث في التأثير وهي:
- التأثير القيادي.
- تأثير المرؤوسين.
- تأثير المحيط.

وتتجلى مظاهر الأول في:
- منظومة القيم التي يؤمن بها أو يدعو إليها.
- وثقته بمرؤوسيه والعاملين معه.
- والأسلوب الإداري المفضل لديه في التعامل مع الآخرين.
- وتسامحه وتشدده.
- وإعداده وتأهيله.

كما يتجلى الثاني في:
- استعدادهم لتحمل المسؤوليات.
- ومدى رعاية مصالحهم في القرارات المتخذة.
- واندماجهم النفسي في المؤسسة.
- ومرونتهم ومدى استجابتهم للفكرة أو القرار... أو تكيفهم مع الطوارئ.
- واندماج أهدافهم في أهداف المؤسسة، فإن الشخص طالما هو حر ومفكر، فإنه يحدد سلوكه تبعاً لمصالحه، وقياساً إلى ما تقدمه المؤسسة له، فإذا اعتبر العامل الموظف أن العمل لا يقدم له أجراً كافياً، فإنه لا يبذل الجهد الكثير، كما أن العامل الهادف لا يقدم المزيد إذا شعر أن اندفاعه وطموحه لا يلقى تجاوباً طردياً.

بينما يتجلى الثالث في:
- القيم والعادات السائدة في المؤسسة.
- وطبيعة القرارات المتخذة.. وتفاعل الناس معها.
- واعتبار العمل مع فريق أو جماعة أو بشكل منفرد.
- وجمود أو تعثر المؤسسة بسبب الظروف الخارجية.

ومن الواضح أن الأفراد يبحثون عن أهداف جديدة حينما يواجهون ظروفاً صعبة، أو يجزئون أهدافهم من أجل تحقيقها.. وبما أن البيئة تتغير، فإن الاستراتيجيات الشخصية قد تتحول أو تتغير أيضاً، ولكي تبقى الاستراتيجية مستمرة فلا بد من تلبية حاجة التسوية المستمرة بين التغييرات في البيئة وبين المطالب الهامة لدى الأفراد، وتكمن أهمية وحكمة الإدارة هنا في إيجاد حالة التوازن بين الأمرين لكي تقوى على مواجهة الظروف القاسية بطاقات أفرادها وطموحاتهم التي ينبغي أن تمثل طاقات المؤسسة وطموحاتها أيضاً.

المصدر: نقلا عن د/ فاضل الصفار ، مجلة النبأ .
  • Currently 62/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 3381 مشاهدة
نشرت فى 30 يونيو 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,718,343

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters