توجيه الطفل لحسن التعامل مع الحيوان
شملت رحمة الإسلام الحيوان، فجاءت النصوص والتوجيهات النبوية الكريمة بالمحافظة على حق الحيوان وحمايته من بطش الإنسان. يقول عليه الصلاة والسلام في المرأة التي حبست الهرة دون أكل: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)). وهذا هو العدل المطلق الذي ُيقرب الأب مفاهيمه إلى ولده ويوجهه بعدم الإساءة إلى الحيوانات التي يملكها في البيت، بل يحسن إليها، فإن أساء خوفه من الله وأشعره أن الله سائله عن ذلك.
وفي التحريش بين البهائم قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((نهى رسول الله r عن التحريش بين البهائم))، وهذا الفعل كثيراً ما يقع من الأولاد لما فيه من الإثارة والاستمتاع، فيثيرون الخرفان بعضهم على بعض ليتناطحوا، أو يثيرون القطط لتتقاتل، أو غيرها من الحيوانات. وبهذا النهي يؤدب الأب أولاده وينهاهم عن ذلك، ويشغلهم بغيرهذا النوع من اللعب المذموم، كأن يشغلهم بالنظر إلى عجائب خلق هذه الحيوانات، فيلفتهم إلى طريقة أكلها، وشربها للماء، وكيف تحنو الأم على صغارها وترعاهم، ويأمرهم أن ينشغلوا برعايتها فيهيئوا لها الطعام والشراب، وينظفوا الحظيرة، فينشغلوا بذلك عن الإساءة إليها، ويتدربوا على الإحسان إليها، ورحمتها.
ومن باب الإساءة للحيوان، خاصة الطيور منها اتخاذها هدفاً للصيد، دون الانتفاع بأكلها، وهذا من الأعمال المنهي عنها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من قتل عصفوراً بغير حقه سأله الله عنه يوم القيامة. قيل: وما حقه ؟ قال: أن تذبحه فتأكله)). والأولاد يميلون عادة إلى ألعاب الصيد ويحبونها، ولا شك أن الصيد الحي أحب إلى الولد البارع من التصويب على هدف غير حي، وعلى الأب في هذا الجانب أن ينكر على الأولاد ذلك إن صدر منهم، ويحاول أن يقنعهم باللعب بالأهداف الثابتة دون الأهداف الحية إلا أن يشترط عليهم الانتفاع بما يصيدونه من طيور وغيرها، فإن وافقوا أخذهم إلى المناطق المخصصة لصيد الطيور ملاحظاً أن يكون خارج الحرم لعدم جواز الصيد فيه، وللأب في عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قدوة في إنكار ذلك على الصبيان، فقد روى سعيد بن جبير أنه كان معه في الطريق فإذا بصبيان يرمون دجاجة فقال ابن عمر: ((من فعل هذا ؟ فتفرقوا. فقال: إن رسول الله r لعن من مثَّل بالحيوان)).
وقد ورد عن رسول الله r في هذا الموضوع النهي عن أقل من القتل والإيذاء البدني، فقد نهى حتى أن يساء إلى الحيوان باللعن أو الشتم، ولم يقتصر عليه الصلاة والسلام على نوع من الحيوان، بل شمل توجيهه هذا حتى الحشرات التي لا يؤبه بها ولا يلتفت إليها، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً لعن برغوثاً عند النبي r، فقال: ((لا تلعنه فإنه أيقظ نبياً من الأنبياء للصلاة)). وهكذا لا يترك عليه الصلاة والسلام مجالاً للإساءة حتى للحشرات ليضع للمسلم دستوراً ينظم حياته كلها، ويعرف من خلاله علاقاته بما حوله من مخلوقات الله U.
وهذا النوع من التعامل الراقي الرفيع مع الدواب يكسب الولد أدباً وشعوراً وإحساساً في نفسه وعقله وكأنه يقول لنفسه: "إذا كانت هذه المعاملة الحسنة مشروعة ومطلوبة مع الحيوان فكيف ببني الإنسان؟ بل وكيف بالوالدين، والعلماء، والأساتذة؟"، فيكتسب الولد من هذا التدريب على التأدب في معاملة الحيوان شعوراً مرهفاً نحو التعامل مع المسلمين.
آداب اقتناء الطفل للحيوانات
يميل الأطفال إلى مداعبة الحيوانات الأليفة حيث تجذب انتباههم، وتمتلك مشاعرهم عند مشاهدتها، والطفل في الفترة من ثلاث إلى أربع سنوات يدرك ويفهم مداعبة الحيوانات، ويحب ملاحظتها ومراقبتها في أكلها وشربها ونومها. وفي هذه الفترة من عمر الطفل يمكن للأب أن يقتني لولده بعض الحيوانات الأليفة مثل الدجاج، والغنم أو الخرفان، والحمام، وغيرها، فإن لم يتمكن من ذلك لعدم توفر المكان عنده، أو لقلَّة ذات اليد، اقتصر على بعض الطيور الجميلة توضع في قفص داخل المنزل أو في غرفة الطفل، فإن حبس الطيور مع الاهتمام بها جائز، كما يمكنه اقتناء القطة، فإن اقتناءها سهل ميسر، ولا تكلف الأب شيئاً من المال، كما أنها طاهرة غير نجسة وهي - كما جاء في الحديث - تعتبر من متاع البيت.
ووجود الحيوانات الأليفة في البيت يعتبر وسيلة جيدة لتعليم الأولاد المسؤولية تجاه الأحياء، كما أنها تعلم الولد السلوك الاجتماعي من خلال علاقاتها ببعضها البعض، فتكون مساعدة للولد على عملية التطبيع الاجتماعي.
ولا بأس أن يعطي الأب أولاده الحرية في تكوين علاقات مع هذه الحيوانات الأليفة كأن يطلقوا عليها الأسماء اللطيفة ليميزوا بين بعضها البعض فإن هذا جائز؛ بل ربما يكون سنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يسمي دوابه فناقته القصواء، وحماره عفير، وأفراسه اللحيف والظرب واللزاز والمرتجز، وبغلته دلدل، فلا مانع من أن يوجه الأب أولاده لهذا النوع من التعامل مع الحيوانات الأليفة، خاصة إن وجد من بعض أولاده خجلاً وعدم الميل لمخالطة الناس، فإن هذا الصنف من الأولاد يميلون عادة ويحبون التعامل مع الحيوانات الأليفة لسهولة ذلك التعامل على نفوسهم أكثر من التعامل مع الأصدقاء والمعارف.
وإن عجز الأب عن اقتناء بعض الحيوانات في البيت لأي سبب من الأسباب، فإن أفضل الحلول أن يأخذ الأولاد من وقت لآخر إلى البادية خارج المدينة حيث يرى الولد الأغنام والمواشي المختلفة كالبقر والجمال وغيرها، ويقضي معها بعض الوقت، يراقب سيرها وجلوسها، وأكلها وشربها، ويتعلم أسماء تلك الحيوانات ويميِّز بينها.
والأب في هذه المناسبات الجيدة لا يقتصر مع أولاده على مجرد المشاهدة دون الاعتبار بل يوجههم إلى عظم خلق الله وإبداعه في هذه الدواب، وأنها نعمة من عنده سبحانه وتعالى، نأكل من لحومها، ونشرب من ألبانها، ونركب بعضها، وبذلك يخرج الأولاد من يومهم ذاك بمتعة جيدة بالإضافة إلى المعلومات الجديدة، والزاد الروحي في التعريف بنعم الله U.
وإذا توفر لدى الأب في مدينته حديقة للحيوان فإنها من الحلول الجيدة أيضاً بالنسبة للآباء، الذين لا يمكنهم اقتناء الحيوانات في البيت، فيأخذهم الأب في بعض أوقات الإجازات إلى إحدى حدائق الحيوان هذه، ويطلعهم على مختلف الحيوانات، يعرفهم بأسمائها، وأماكن وجودها، مبيناً قدرة الله وعجائب خلقه التي تتجلى في هذه الدواب.
وقد يواجه الأب ميل الأولاد لاقتناء بعض الحيوانات المحرم أو المكروه اقتناؤها وهذه القضية وهذا الميل لا يحدث في العادة إلا إذا أهمل الأب توضيح هذه المسائل لهم منذ الصغر، فالولد الذي علم حرمة اقتناء الكلب، وكراهية لمسه، وأنه نجس، لا يمكن أن يطلب من أبيه أن يشتري له كلباً، ولو فكر الولد في هذه القضية ورغب في تقليد بعض الأولاد في الأسر التي لا تلتزم منهج الإسلام، فإن دور الأب هنا هو توضيح هذه المسألة، وأن شراء الكلب غير جائز، وأنه نجس ويحمل بعض الأمراض الخطيرة، إلى جانب أن اقتناءه لغير حاجة ينقص من عمل الرجل كثيراً من الأجر الذي يكتسبه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط، إلا كلب حرث أو ماشية))، ولا ينبغي للأب أن يلين مع الأولاد في هذه القضية، بل تكون وقفته صارمة مع الإقناع بالحكمة.
وقضية أخيرة يراعيها الأب مع ولده إذا تكونت بينه وبين حيوان من حيوانات البيت الأليفة علاقة قوية، وحب واهتمام، كتعلق الولد بحب الخروف مثلاً. فإن ذبح هذا الخروف أمام الولد، وتقديمه للأكل يسبب للولد إحباطاً نفسياً، وإحساساً بالألم، وربما جره ذلك إلى كره أكل اللحم بالكلية لشدة ما يجده في نفسه من حزن، فتتكون في نفسه عقدة تُنفِّره من لحم الخرفان. لهذا يراعي الأب هذه المسألة فإن احتاج لذبح الخروف الذي تعلق به الولد مهد لذلك، وذبحه بعيداً عن نظر الولد وعلمه، ولو تركه له لكان ذلك أفضل. وعلى الأب أن يفهم أولاده من أول الأمر أن هذه الحيوانات من الأغنام والخرفان خلقت لتُذبح وليُستفاد من لحمها، ولم تخلق للهو بها، والاستئناس بطول بقائها، فتتكون لدى الولد قابلية نفسية، وتصور مبدئي عن احتمال حدوث شيء من الأذى لحيوانه الأليف، فلا يكون الوقع على نفسه وشعوره شديداً كالولد الذي لم يشعر بذلك أصلاً.