مجلس الدولة وأقسامه

 

تمهيد:

 

يمثل مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة عن جهة القضاء العادي، تختص بنظر المنازعات الإدارية التي تثور بين الإدارة العامة التابعة للسلطة التنفيذية وبين الأفراد.

 

 

وبإصدار القانون الحالي المنظم للمجلس وهو القانون رقم 47 لسنة 1972م، فالأول مرة يقرر المشرع المصري هذا القانون أن مجلس الدولة يعتبر القاضي العام في سائر المنازعات الإدارية، مع ملاحظة أن هذا التطور جاء تطبيقاً لما قرره دستور جمهورية مصر العربية لعام 1971م في المادة 172.

 

 

إن القضاء الإداري ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء العادي، بل هو في الغالب من الأمر قضاء إنشائي يقوم بدور يفوق دور المشرع في ابتداع وخلق قواعد القانون الإداري بصفته فرعاً من فروع القانون العام، وقيامه بهذا الدور هو نتيجة قلة التشريعات الإدارية الرسمية وعدم قدرة المشرع في كثير من الحالات عن ملاحقة تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 

 

ويقوم القضاء الإداري (مجلس الدولة) بمهمة الرقابة على الإدارة في تصرفاتها وقراراتها حتى تضمن احترام سيادة القانون والمشروعية من جانب السلطة التنفيذية، ويقوم القضاء الإداري بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون والتعويض عنها إن سببت ضرراً للأفراد وهي ضمان احترام حقوق الأفراد وحرياتهم التي قررتها النصوص الدستورية والقانونية وغيرها من قواعد القانون بمعناه الواسع. تلك الغاية للرقابة القضائية على أعمال الإدارة تتضح أكثر إذا علمنا أن هذه الرقابة لا تتحقق إلا بناء على طعون ودعاوى ذوي المصلحة من الأفراد الذين يلجأون لمجلس الدولة لإدانة القرارات الغير المشروعة التي أضرت بحقوقهم أو مست حرياتهم[1].

 

 

 

أقسام مجلس الدولة المصري:

 

صدر قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972م- المعمول به حالياً- على ان مجلس الدولة يتكون من الأقسام التالية: القسم القضائي، قسم الفتوى، قسم التشريع.

 

 

 

القسم القضائي بمجلس الدولة:

 

يؤلف القسم القضائي بالمجلس من: المحكمة الإدارية العليا، محكمة القضاء الإداري، المحاكم الإدارية، المحاكم التأديبية، هيئة مفوضي الدولة (المادة 3 ).

 

 

 

أولاً: المحكمة الإدارية العليا:

 

نصت المادة الرابعة على أن مقر هذه المحكمة العليا هو مدينة القاهرة، ويرأسها رئيس مجلس الدولة نفسه، وهي تصدر أحكامها من دوائر تتشكل كل منها من خمسة مستشارين. وتتضمن المحكمة أيضاً دائرة أو أكثر لفحص الطعون تتشكل من ثلاثة مستشارين. فالنزاع أو الطعن يجب أن يعرض أولاً على دائرة فحص الطعون، ولا يحال إلى دائرة التي ستقوم بالفصل فيه إلا إذا أجازته دائرة فحص الطعون.

 

 

فالمحكمة الإدارية العليا لا تختص بنظر منازعات مبتدأه كأصل عام، وإنما هي محكمة طعون عليها، فهي تختص بالفصل في الطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم التأديبية في أحوال معينة.

 

 

والمشرع المصري بإنشائه المحكمة الإدارية العليا أراد لها أن تكون المحكمة التي على قمة القضاء الإداري في مصر. وهي بهذه الصفة تتولى التعقيب على أحكام المحاكم الأدنى في حدود معينة الأمر الذي يضمن وحدة الحلول القانونية للمنازعات الإدارية، ويضمن بوجه خاص توحيد وتأصيل مبادئ القانون الإداري.

 

 

وطبقاً لقانون مجلس الدولة، تجتمع المحكمة الإدارية العليا بهيئة جمعية عمومية للنظر في المسائل المتصلة بنظامها وأمورها الداخلية وتوزيع الأعمال بين أعضائها أو بين دوائرها. وتتكون هذه الجمعية العمومية للمحكمة من جميع مستشاريها العاملين بها. وتدعى إليها هيئة المفوضين ويكون لممثلها صوت معدود في المداولة. والجمعية تدعى للانعقاد بناء على طلب رئيسها أو ثلاثة من أعضائها أو بناء على طلب رئيس هيئة المفوضين. ولا يكون انعقادها صحيحاً إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها. وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة لأصوات الحاضرين، وإذا تساوت يرجح الجانب الذي فيه الرئيس[2].

 

 

 

هيئة الأحد عشر مستشاراً بالمحكمة الإدارية العليا:

 

نصت المادة 54 مكرراً من القانون رقم 136 لسنة 1984 المعدل لقانون مجلس الدولة على تشكيل هيئة بواسطة الجمعية العامة للمحكمة الإدارية العليا في كل عام قضائي من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم من نوابه. وتتم إحالة أي من الطعون إلى هذه الهيئة العليا في حالة ما إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا أن هناك أحكاماً متعارضة سابقة بمناسبة نظرها لأحد الطعون، وكذلك في حال ما إذا أرادت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة. فيكون حكم هيئة الأحد عشر مستشاراً هو الفيصل[3].

 

 

ثانياً: محكمة القضاء الإداري:

 

نصت المادة الرابعة من قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47 لسنة 1972 على أن مقر محكمة القضاء الإداري في مدينة القاهرة. ويرأسها نائب رئيس المجلس لهذه المحكمة. وهي تصدر أحكامها من دوائر تشكل كل منها من ثلاثة مستشارين. ويحدد اختصاص كل دائرة من دوائر محكمة القضاء الإداري بقرار من رئيس مجلس الدولة.

 

 

وقد أجاز القانون إنشاء دوائر لمحكمة القضاء الإداري خارج القاهرة في المحافظات الأخرى، ويكون ذلك بقرار من رئيس مجلس الدولة. وإذا شمل اختصاص الدائرة أكثر من محافظة جاز لها - بقرار من رئيس مجلس الدولة - أن تعقد جلساتها في عاصمة أي من المحافظات الداخلة في دائرة اختصاصها. وتطبيقها لذلك صدر قرار من رئيس مجلس الدولة بإنشاء دائرة لمحكمة القضاء الإداري بمدينة الاسكندرية على أن يشمل اختصاصها الاقليمي محافظات الاسكندرية والبحيرة ومرسى مطروح. كما صدر قرار رئيس المجلس بإنشاء دائرة أخرى للمحكمة بالمنصورة، يشمل اختصاصها محافظات الدقهلية ودمياط والشرقية والاسماعيلية وبور سعيد.

 

 

وتجتمع محكمة القضاء الإداري - مثل المحكمة الإدارية العليا - بهيئة جمعية عمومية للنظر في المسائل المتعلقة بنظامها وأمورها الداخلية وتوزيع الأعمال بين أعضائها أو بين دوائرها. وتتكون هذه المجموعة العمومية من جميع مستشاري المحكمة العاملين بها. وتدعى إليها هيئة المفوضين ويكون لممثلها صوت معدود في المداولة. والجمعية تدعى للانعقاد بناء على طلب رئيس مجلس الدولة أو رئيس المحكمة أو ثلاثة من أعضائها، أو بناء على طلب رئيس هيئة المفوضين. ولا يكون انعقادها صحيحاً الا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها. ويجوز لرئيس المجلس أن يحضر الجمعية العمومية وحينئذ تكون له الرئاسة، وتصدر قرارات الجمعية بالأغلبية المطلقة لأصوات الحاضرين، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس[4].

 

 

 

ثالثاً: المحاكم الإدارية:

 

نصت المادة الخامسة من قانون المجلس على أن يكون مقر المحاكم الإدارية في القاهرة والاسكندرية، ويجوز محاكم انشاء محاكم ادارية في المحافظات الأخرى بقرار من رئيس مجلس الدولة. وتحدد دائرة اختصاص كل محكمة بقرار من رئيس مجلس الدولة، وإذا شمل اختصاص المحكمة أكثر من محافظة جاز لها أن تنعقد في عاصمة أي محافظة من المحافظات الداخلة في اختصاصها وذلك أيضاً بقار من رئيس مجلس الدولة. وتطبيقاً لهذه القواعد أصدر رئيس مجلس الدولة عدة قرارات بمقتضاها تم إنشاء محاكم ادارية موزعة على الأقاليم المختلفة في مصر.

 

 

ويقوم بالإشراف على المحاكم الإدارية أحد نواب رئيس مجلس الدولة، الذي يعاون رئيس المجلس في القيام على تنظيم هذه المحاكم وحسن سير العمل بها.

 

 

وتصدر المحاكم الإدارية أحكامها من دوائر تشكل كل منها برئاسة مستشار مساعد وعضوية اثنين بدرجة نائب على الأقل.

 

 

وللمحاكم الإدارية جمعية، وتتألف هذه الجمعية العمومية من جميع اعضاء المحاكم الإدارية، وتختص بالمسائل المتعلقة بنظامها وبأمورها الداخلية. وتدعى الجمعية للانعقاد بناء على طلب رئيس مجلس الدولة أو نائب رئيس المجلس المختص بشئون هذه المحاكم أو رئيس هيئة المفوضين أو بناء على طلب ثلاثة من أعضائها على الأقل. ولا يكون انعقادها صحيحاً الا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها. وتدعى إليها هيئة المفوضين ويكون لممثلها صوت معدود في المداولة. وتكون الرئاسة لأقدم الحاضرين. وتصدر الجمعية قراراتها بالأغلبية المطلقة لأصوات الحاضرين وإذا تساوت الأصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس. ثم تبلغ القرارات إلى رئيس مجلس الدولة ولا تكون نافذة الا بعد تصديقه عليها، بعد أخذ رأي نائب رئيس المجلس المختص لهذه المحاكم[5].

 

 

 

رابعا: المحاكم التأديبية:

 

واعتنق قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47 لسنة 1972 نظام المحاكم التأديبية، وأدخل القانون هذه المحاكم في نطاق القسم القضائي بمجلس الدولة.

 

 

وقد نصت المادة السابعة من قانون المجلس على أن المحاكم التأديبية تتكون من نوعين من المحاكم:

 

1- المحاكم التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا ومن يعادلهم.

 

2- المحاكم التأديبية للعاملين من المستويات الأول والثاني والثالث ومن يعادلهم.

 

 

ونصت المادة الثامنة من القانون على أن مقر المحاكم التأديبية الأولى للعاملين من مستوى الإدارة العليا يكون في القاهرة والاسكندرية، وتؤلف كل محكمة من دائرة أو أكثر تشكل منها من ثلاثة مستشارين. ويكون مقر المحاكم التأديبية من المستويات الأول والثاني والثالث في القاهرة والاسكندرية أيضا. وتؤلف كل محكمة منها من دوائر تتشكل كل دائرة منها برئاسة مستشار مساعد على الأقل وعضوية اثنين من النواب على الأقل. ويصدر بالتشكيل قرار من رئيس المجلس. ويتولى أعضاء النيابة الإدارية الادعاء أمام المحاكم التأديبية بوجه عام[6].

 

 

 

خامساً: هيئة مفوضي الدولة:

 

تشكيل هيئة مفوضي الدولة:

 

نصت المادة السادسة من قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47 لسنة 1972، على أن تؤلف هيئة مفوضي الدولة من أحد نواب رئيس المجلس رئيساً ومن عدد كاف من المستشارين والمستشارين المساعدين والنواب والمندوبين، ويكون مفوضو الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري من درجة مستشار مساعد على الأقل.

 

 

ويجب وفقاً لقانون المجلس أن يحضر ممثل عن هيئة المفوضين في جلسات كافة محاكم القسم القضائي في جلسات محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا من درجة مستشار مساعد على الأقل. وينتج عن ذلك إذا لم تمثل هيئة المفوضين في جلسات المحاكم الإدارية، أو إذا كانت ممثلة لدى محكمة القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية العليا بعضو درجته أقل من درجة مستشار مساعد أو بدرجة نائب مثلاً، ففي هاتين الحالتين يكون انعقاد جلسة المحكمة باطلاً وتبطل بالتالي الأحكام الصادرة من المحكمة في تلك الجلسة.

 

 

ومن ناحية أخرى، نظراً لأن ممثل هيئة المفوضين في جلسات المحاكم مجلس الدولة يعتبر عضواً له الصفة القضائية في سير الدعوى الإدارية، فإنه ينتج عن ذلك أنه إذا تحقق بالنسبة لمفوض الدولة سبب من أسباب عدم الصلاحية أو الرد الواردة في القانون المرافعات، وجب عليه الامتناع عن مباشرة الدعوى وأن يتم ندب مفوض آخر غيره.

 

 

فإذا أستمر المفوض في مباشرة الدعوى بالرغم من عدم صلاحيته على هذا النحو، يكون الحكم الصادر في تلك الدعوى (أو الطعن باطلاً).

 

 

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بهذه المبادئ السابقة في أحد أحكامها الهامة، فقالت أن "هيئة المفوضين تعتبر أمنية على المنازعات الإدارية، وعاملاً أساسياً في تحضيرها وتهيئتها للمرافعة، وفي إبداء الرأي القانوني المحايد فيها، سواء في المذكرات التي تقدمها أو في الإيضاحات التي تطلب إليها في الجلسة العلنية. ويتفرع عن ذلك كله، وأنه إذا قام بالمفوض سبب من أسباب عدم الصلاحية أو الرد المنصوص عليهما في المادتين 313، 315 من قانون المرافعات، كان غير صالح في الحالة الأولى ممنوعاً من مباشرة مهمته في الدعوى، وجاز رده إن لم يتنح عنها في الحالة الثانية، تحقيقاً للحيدة التامة بحكم وظيفته في الدعوى حسبما سلف إيضاحه، وأنه إذا كان لمفروض غير صالح لمباشرة مهمته في الدعوى ومع ذلك استمر في مباشرتها حيث يجب عليه التنحي عنها وندب غيره لأداء مهمته فيها، كان ذلك منطوياً على بطلان في الإجراءات يؤثر في الحكم فيعيبه ويبطله"[7].

 

 

 

اختصاصات هيئة مفوضي الدولة:

 

اعطى المشرع في قانون مجلس الدولة الحالي، مثل القانونين السابقين عليه، اختصاصات متعددة وكبيرة لهيئة مفوضي الدولة، وتلك الاختصاصات هي على التوالي:

 

1- تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة.

 

2- اعداد التقرير عن الدعوى.

 

3- اقتراح انهاء النزاع ودياً.

 

4- الفصل في طلبات الإعفاء من الرسوم القضائي.

 

5- الطعن في الأحكام[8].

 

 

توزيع الاختصاص القضائي بين محاكم مجلس الدولة:

 

وفي شأن توزيع الاختصاصات القضائية بنظر المنازعات الإدارية محكمة القضاء الإداري هي المحكمة ذات الاختصاص العام من بين محاكم القسم القضائي بالمجلس. وهذا يعني أنها تختص بكافة المنازعات التي لم يرد في شأنها نص في قانون المجلس يجعلها من اختصاص المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية. ولهذا يجب البدء بتحديد اختصاص المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية أولاً، ثم اختصاص محكمة القضاء الإداري بعد ذلك.

 

 

 

اختصاص المحاكم الإدارية:

 

بشكل عام تختص المحاكم الإدارية في المسائل المتعلقة بالموظفين العموميين من المستوى الثاني والمستوى الثالث[9] ومن يعادلهم، وتختص كذلك أيضاً بالفصل في المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية متى كان قيمة المنازعة لا تجاوز خمسمائة جنيه[10].

 

 

 

الحكم الصادر وطريقة الطعن فيه:

 

تفصل المحام الإدارية في المنازعات الداخلة في اختصاصها بوصفها محاكم أول درجة من درجات التقاضي وأحكامها تقبل الطعن بأحد طريقتين:

 

1- يجوز تقديم استئناف ضد أحكام المحاكم الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري، سواء من ذوي الشأن أو من رئيس هيئة مفوضي الدولة. وميعاد الاستئناف هو ستون يوماً من تاريخ صدور الحكم.

 

 

2- كذلك يجوز تقديم التماس إعادة النظر في الحكم أمام نفس المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم، وذلك في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية (وهذه الحالات محددة وتدور عموماً حول مسائل ووقائع تؤثر في الحكم الصادر وتجعله معيباً - انظر المادة 241 من قانون المرافعات)[11].

 

 

 

اختصاص الحاكم التأديبية:

 

تنقسم المحاكم التأديبية إلى نوعين:

 

1- المحاكم التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا وما يعادلهم. وتتكون كل منها من دائرة أو أكثر وكل دائرة تشكل من ثلاثة مستشارين (وهما محكمتان أحداهما بالقاهرة والأخرى بالإسكندرية).

 

 

2- المحاكم التأديبية للعاملين من المستوى الأول والثاني والثالث ومن يعادلهم. وتتكون كل منها من دوائر، وتتشكل كل دائرة برئاسة مستشار مساعد على الأقل وعضوية أثنين من النواب على الأقل.

 

 

 

الاختصاص النوعي:

 

المحاكم التأديبية بنوعيها تختص بمجموعتين من المسائل التأديبية:

 

أولاً: من ناحية أولى: تختص المحاكم التأديبية بنظر الدعاوى التأديبية عن المخالفات الإدارية والمالية التي تقع من:

 

1- العاملين المدنيين بالدولة في وزارات الحكومة ومصالحها، ووحدات الحكم المحلي، والعاملين بالهيئات العامة.

 

 

2- العاملين بشركات القطاع العام. ولكن طبقاً للمادة 44 من قانون 203 لسنة 1991م بشأن شركات قطاع الأعمال العام تختص المحاكم التأديبية فقط بالنسبة للعاملين في الشركات القابضة. أما العاملين في الشركات التابعة فهم يخضعون في تأديبهم لقانون العمل تحت رقابة القضاء العادي.

 

 

3- العاملين بالشركات التي تضمن لها الحكومة حداً أدنى من الأرباح.

 

 

4- أعضاء مجالس إدارة التشكيلات النقابية المشكلة طبقاً لقانون العمل.

 

 

5- أعضاء مجالس الإدارة المنتخبين طبقاً لأحكام القانون رقم 141 لسنة 1967 في شأن تشكيل مجالس الإدارة المنتخبين طبقاً لأحكام القانون رقم 141 لسنة 1967 في شأن تشكيل مجالس الإدارة في الشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة وكيفية تمثيل العاملين فيها.

 

 

6- العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية ممن تجاوز مرتباتهم خمسة عشر جنيهاً شهرياً (ومن أمثلة تلك الجمعيات والهيئات الخاصة الجمعيات أو الاتحادات التعاونية والشركات القائمة على التزامات المرافق العامة).

 

 

ويتولى أعضاء النيابة الإدارية الادعاء أمام المحاكم التأديبية[12].

 

 

ثانياً: ومن ناحية أخرى تختص المحاكم التأديبية أيضاً بالفصل في الطلبات التي يقدمها العاملون بالجهاز الإداري بالدولة أو القطاع العام بإلغاء القرارات التأديبية التي تصدرها السلطات الرئاسية. والمقصود هنا هو طلبات إلغاء القرارات الجزائية التي يجوز قانوناً إصدارها بالطريق الإداري. فقد حدد قانون العاملين المدنيين بالدولة الجزاءات التي تستطيع السلطة الإدارية المختصة توقيعها. كذلك حدد قانون العاملين بالقطاع العام الجزاءات التي تستطيع شركات القطاع العام توقيعها على العاملين بها، ولكن صلاحيات المسئولين بشركات القطاع العام أوسع مدى من صلاحيات السلطات الإدارية في الجهاز الإداري بالدولة إذ يجوز لرئيس مجلس إدارة الشركة العامة توقيع جزاء الفصل على العاملين من المستوى الثالث، ولكن بعد أخذ رأي اللجنة الثلاثية التي تتكون من مدير مديرية العمل المختص وممثل اللجنة النقابية وممثل الوحدة الاقتصادية.

 

 

الاختصاصات الفرعية:

 

وإلى جانب هذين الاختصاصين الأساسيين للمحاكم التأديبية هناك بعض الاختصاصات الفرعية.

 

1- تختص المحكمة التأديبية، بالنسبة للعاملين الخاضعين للمحاكم التأديبية، بالفصل في طلبات وقفهم عن العمل أو مد هذا الوقف أو صرف المرتب كله أو بعضه أثناء الوقف (مادة 16 من قانون مجلس الدولة).

 

 

2- قضت المحكمة الإدارية العليا بأن اختصاص المحاكم التأديبية في الطعون بالإلغاء في القرارات التأديبية، لا يقتصر على القرارات الجزائية الصريحة في نطاق الجزاءات التي حددها القانون، بل يشمل أيضاً كل قرار إداري يخفي في حقيقته جزاء تأديبياً مقنعاً ومستتراً في طبقات قرار آخر. مثل قرارات نقل الموظفين التي تتضمن في جوهرها اتجاه نية الإدارة لعقاب وليس نقله لصالح العمل[13]. ولكن تم العدول عن هذا الاتجاه في الأحكام الأحدث.

 

 

3- قضت المحكمة الإدارية العليا أيضاً في حكمها بتاريخ 14/1/1978م بان اختصاص المحاكم التأديبية بالطعون في قرارات توقيع الجزاءات يشمل أيضاً اختصاصها بالطلبات المرتبطة جوهرياً بتلك القرارات مثل قرار السلطة الرئاسية المختصة بمجازاة العامل لإهماله مع تحميله نسبة من قيمة العجز فالقرار الخاص بتحميل العامل بنسبة من العجز الناتج عن إهماله يرتبط بصفة جوهرية بالقرار الجزائي لاتحاد الموضوع ووحدة الهدف في القرارين معاً. ومن ثم تختص المحكمة التأديبية بالطعن في القرار المرتبط بالقرار الجزائي الأصلي.

 

 

بقي أن نشير إلى ملاحظة هامة على الاختصاصات التأديبية للمحاكم التأديبية. وهي أن تلك الاختصاصات سواء المتعلقة بتوقيع الجزاءات أو بالطعون في الجزاءات الموقعة من السلطة الرئاسية المختصة، في الحالتين هذه الاختصاصات تمارسها المحاكم التأديبية بالنسبة للعاملين بالجهاز الإداري في الدولة أي الموظفين العموميين وكذلك بالنسبة للعاملين بشركات القطاع العام. مع العلم بأن شركات القطاع العام يعتبرها مجلس الدولة من أشخاص القانون الخاص بوصفها شركات تجارية، مما يستتبع عدم اختصاص مجلس الدولة كقضاء إداري بمنازعاتها وبالذات منازعات العاملين بها لأنهم ليسوا موظفين عموميين. ولكن يرد على هذا الأصل العام استثناء هاماً، هو خضوع العاملين بهذه الشركات لاختصاص المحاكم التأديبية، أي أن الاستثناء يتعلق فقط بالمجال التأديبي، مع ملاحظة أن قانون 203 لسنة 1991م في شأن قطاع الأعمال العام قد قصر اختصاص المحاكم التأديبية على العاملين في الشركات القابضة وحدها، دون العاملين في الشركات التابعة الذين يخضعون لاختصاص القضاء المدني العادي، طبقاً لقانون العمل (المادة 44 من القانون)[14].

 

 

توزيع الاختصاص بين المحاكم التأديبية:

 

أولًا: بالنسبة لتوزيع الاختصاص بين نوعين المحاكم التأديبية، أي بين تلك الخاصة بالعاملين من مستوى الإدارة العليا وبين المحاكم التأديبية لبقية العاملين من المستويات الأدنى، فإن هذا التوزيع يخضع للمبادئ التالية:

 

1- المعيار الأساسي في توزيع الاختصاص بين هذين النوعين من المحاكم هو المستوى الوظيفي للعامل المحال للمحاكمة وقت إقامة الدعوى التأديبية وليس المستوى الوظيفي الذي كان يشغله الموظف وقت ارتكاب المخالفة.

 

 

2- إذا تعدد العاملون المقدمون إلى المحاكمة التأديبية وكانوا من مستويات وظيفية مختلفة، كانت المحكمة المختصة بمحاكمة أعلاهم في المستوى الوظيفي هي المختصة بمحاكمتهم جميعاً.

 

 

3- المحكمة التأديبية للعاملين من المستوى الأول والثاني والثالث هي المختصة بمحاكمة أعضاء مجالس إدارة التشكيلات النقابية المشكلة طبقاً لقانون العمل، وأعضاء مجلس الإدارة المنتخبين، والعاملين بالشركات والجمعيات والهيئات التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية ممن تجاوز مرتباتهم خمسة عشر جنيهاً شهرياً.

 

 

ثانيا: بالنسبة لتوزيع الاختصاص المكاني أو الجغرافي بين المحاكم التأديبية من نفس النوع، أي بين المحاكم التأديبية للمستويات الأول والثاني والثالث فيما بينها أو بين محكمتي القاهرة والإسكندرية لمستوى الإدارة العليا، العيرة في تحديد المحكمة المختصة مكانياً هي الجهة التي وقعت فيها المخالفة، فتخص المحكمة التأديبية لهذه الجهة.

 

 

وفي حالة التعدد العاملين المتهمين بارتكاب مخالفة واحدة أو مخالفات مرتبطة، وكانت جهات عملهم منتشرة في دائرة أكثر من محكمة تأديبية، اختصت بمحاكمتهم جميعاً المحكمة التأديبية التي وقعت في دائرتها المخالفة أو المخالفات المرتبطة. وإذا تعذر تعيين المحكمة المختصة عينها رئيس مجلس الدولة بقرار منه[15].

 

 

 

الحكم الصادر وطريقة الطعن فيه:

 

أحكام المحاكم التأديبية نهائية لا تقبل الاستئناف، ولكن يجوز الطعن فيها مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحوال الثلاث التالية (وهي نفس حالات الطعن بالنقض في القضاء العادي):

 

1- إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.

 

 

2- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.

 

 

3- إذا صدر الحكم على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به.

 

 

ويقدم الطعن من ذوي الشأن الوزير المختص ورئيس الجمهورية المركزي للمحاسبات ومدير النيابة الإدارية، وذلك طبقا للمادة 22 من قانون مجلس الدولة[16].

 

[1] د. محمد رفعت عبدالوهاب، القضاء الإداري (الاسكندرية، دار الجامعة الجديدة، ط 2007م)، ص 5 - 7.

 

[2] د. محمد رفعت عبدالوهاب، القضاء الإداري، المرجع السابق، ص 171، 172. ود. محمد عبده إمام، القضاء الإداري (الاسكندرية، دار الفكر الجامعي، ط 2007م) ص 110، 11.

 

[3] د. محمد رفعت عبدالوهاب، القضاء الإداري، المرجع السابق، ص 172.

 

[4] د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري (الاسكندرية، منشأة المعارف، 2003م) ص 149، ود. محمد رفعت، المرجع السابق، ص 173، 174.

 

[5] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، ص 176 – 178.

 

[6] د. ماجد الحلو، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 153.

 

[7] حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 18/12/1955م، القضية رقم 150 لسنة 2 قضائية، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها هذه المحكمة، السنة الأولى، 312.

 

[8] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 185 – 188، د. محمد عبده امام، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 138 – 141.

 

[9] طبقاً لقانون العاملين الحالي رقم 47 لسنة 1978 المستوى الثاني يمثل الدرجة الثالثة، في حين أن المستوى الثالث يشمل الدرجات الرابعة والخامسة والسادسة.

 

[10] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، ص 358.

 

[11] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 361.

 

[12] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 362 - 364.

 

[13] حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 28/5/1976م مجموعة المبادئ التي قررتها هذه المحكمة، السنة الحادية والعشرين، ص 192، أيضاً حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 24/2/1979م، في الطعن رقم 240 لسنة 21.

 

[14] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، ص 263 - 267.

 

[15] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 365 - 369.

 

[16] د. محمد رفعت، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 365 - 369.

المصدر: احكام المحكمة الادارية العليا
ahmedbadr

احمد بدر المحامي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 134 مشاهدة
نشرت فى 30 يوليو 2016 بواسطة ahmedbadr

ساحة النقاش

احمد عبد الخالق بدر المحامي بالقضاء الاداري ومجلس الدولة

ahmedbadr
اهتماما منا بالعلم والتعليم واستمرارا لسياستنا وهدفنا من عملنا لرفع الظلم عن المظلومين من قبل اجهزة الدولة , والمتمثلة في اشخاص فاسدين , كل منهم فسد في موقعه , وفسد بطريقته , ولقد قمنا بدورنا هذا قبل الثورة , ووفقنا الله , واستكملنا مسيرتنا بعد الثورة , بعدما فشلت الثورة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

237,560

المفصولين من النيابة بعد حكم

فرحة المفصولين من النيابة الادارية عقب حكم عودتهم لعملهم