ما فائدة مال لا يُغني صاحبه ويكفيه عن الحاجة والطمع فيما لدى غيره؟
لكل منا حلم، وبرغم تعدد الأحلام واختلافها؛ فجميع الأحلام البشرية قد تتشابه، وفي كل الحالات أحلامنا -التي تعتبر الغاية والهدف من وجودنا- تحتاج إلى قوة لتحقيقها، وهذه القوة ليست إلا وسائل لتحقيق الأحلام.
ما هي أحلامك؟ وما هي وسائلك للوصول إليها؟ سؤال أحاول الوصول إلى إجابته معك منذ بداية السلسلة.
أتذكّر جيداً أحد المدرسين بكلية الفنون الجميلة في إحدى ورش العمل، يشرح لنا أسباب عدم لهاثه وراء العمل في الدول العربية ليحصّل قدراً أكبر من المال، كما فعل معظم زملائه بعد نيلهم الدرجة العلمية؛ لأن "الفلوس مش كل حاجة"، ولهذا قرّر البقاء في مصر، والتدريس بالجامعة، والترقي في السلم الوظيفي، وتلقي المزيد من الدرجات العلمية، وعمل المزيد من الدراسات؛ شارحاً أن تحقيق أحلامنا يحتاج إلى قوة.
وهذه القوة التي يحلم بها الجميع يمثّلها مثلث ذو أضلاع ثلاثة: العلم والمال والسلطة.. ضلع واحد فقط لن يجلب الآخريْن؛ ولكن إذا اجتمع ضلعان تَوفّر الثالث بسهولة؛ لذلك فقد قرر البقاء مفضّلاً العلم والسلطة اللذيْن سيجلبان المال في المستقبل، على التضحية بهما من أجل المال، الذي قد لا يعوّضه عن العلم والسلطة اللذيْن يتمتع بهما في بلده ومكانته العلمية؛ ولكن في النهاية هذه القوة التي يرجوها أستاذ الفنون ليست سوى وسيلة لتحقيق غاية أهم، وهي تعليم الطلبة المزيد من الفن والسموّ بأرواحهم، ونشر رسالة السلام والجمال على الأرض، وكذلك ليحيا حراً وسعيداً كما يريد، وهو السبب الذي يظنّ أن الله قد خلقه من أجله.
من وقتها وقد التصقت هذه النظرية بذهني.. وبما أني كعموم الشعب المصري لا أملك من المال القليل ولا الكثير؛ فالحل كان أن يصبح علمي هو مالي، والتصاقي بعملي وتخصّصي هو طريقي للمكانة والسلطة، وبالاثنين يأتي المال، وأحقق جميع أحلامي ورسالتي على الأرض.
المشكلة أن البعض يظنون أنهم بامتلاكهم لهذه القوة قد امتلكوا كل شيء، وتتحول الوسائل في حياتهم لغايات؛ فتكون الدرجة العلمية هي هدفهم الذي يسعون إليه، أو تصبح السيارة والبيت والحساب البنكي هي الأهم، أو المنصب والتسلّط على الخلق ووضع القوانين للناس ومراقبتهم وهم يطيعون هي الحلم.. ولكن ما فائدة علم لا يُنتفع به أو مال لا يُغني صاحبه ويكفيه عن الحاجة والطمع فيما لدى غيره؟ ما قيمة أن يخدمك الناس وأنت جالس كالحجر ولا تستطيع خدمتهم أو خدمة نفسك.
هنا نعود للحلقات السابقة وما قلناه بخصوص الحياة الحقيقية التي نقضيها عادة ونحن ندبّر الوسائل للوصول للغايات، نجرّب وننجح ونفشل أحياناً؛ فحتى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يخبرنا أن الوسائل لن تتبعنا إلى القبر؛ فلا أحد يأخذ شهادته، أو ماله، أو كرسيه، وسلطانه معه إلى القبر؛ ولكن الغايات هي الباقية كالعمل الصالح، والولد الصالح، والعلم الذي ينتفع به الآخرون.
هذه هي الفكرة.. والآن إنها مهمتك في تحديد الغاية من وجودك والهدف من حياتك، ثم تحديد كيف ستصل للقوة المطلوبة لتحقيق الغاية، وأي من هذه الأضلاع يمكنك تحصيله أولاً؟
العلم والدراسة والدراية بمهنة أو حرفة معيّنة وإتقانها؟ الالتصاق بعملك أو بمنظّمة تعمل معها؛ حتى ولو كانت منظّمة غير ربحية؛ حتى يصبح الاعتماد عليك كبيراً، وتزداد قيمتك وسلطتك داخلها؟ أم الاهتمام بالمال الذي تحتاجه لبناء حياتك وشراء بيت وللزواج، وكل التفاصيل التي تساعدك على بناء أسرة والاستقلال بحياتك؟
وهناك مثلث آخر في غاية الأهمية، وهو مثلث القوة = الموهبة + المهارة + الشهادة..
فهناك العديد من أصحاب المواهب الذين اعتنوا بموهبتهم؛ فأصبحوا من المشاهير، وسعدوا بنجاحهم، وأسعدوا مَن حولهم.. وإذا كنت ممن يقولون على أنفسهم: أنا لا أجيد شيئاً، وليس لدي أية موهبة؛ فالحل في المهارات، والمهارات عادة ما تأتي من الممارسة، وهناك العديد من المهارات مثل: الكتابة السريعة على الكمبيوتر، مهارات تعلّم اللغات، مهارة الاستماع الجيد، مهارة التحدّث أمام الجماهير، مهارات الأعمال اليدوية، المهارات الحسابية وغيرها.
وإذا كان لديك مهارة وموهبة؛ فذكاؤك سيضمن لك النجاح في دراستك، أما لو كان لديك مهارة وشهادة جيدة؛ ففي الغالب ستضمن النجاح في عملك وحياتك، ونفس الشيء إذا قوّيت موهبتك بدراسة علمية تُظهرها وتفيدها.
نصيحتي في لعبة المثلثات هذه ألا ترضى بضلع واحد فقط؛ بل اختر ضلعين، واعمل على تحصيلهما بالتوازي في رحلتك، وهما سيجلبان الثالث؛ إن لم تختر الثلاثة معاً، وبدأت تعمل فيها جميعاً، لتحصل على القوة التي يحلم بها الجميع لتحقيق أحلامهم.