ترى ما هو ردّ فعلك عند مواجهة واحدة من الصدف غير السعيدة؟
وأقصد بالصدف هنا، تلك الأحداث غير المتوقعة التي تظهر لك فجأة نتيجة لإهمال الآخرين، أو أخطائهم؛ على سبيل المثال أن تطلب شطيرة بطاطس دون سلاطات، وتحصل فعلاً على الشطائر المغلّفة بعناية، وبينما تشعر بسخونتها بين يديك، يسيل لعابك وأنت تُمنّي نفسك بسداد جوعك بقرمشة البطاطس المحمرة التي تعشقها، وسرعان ما تُخرج أول شطيرة وتستغل كونك وحيداً لن يراك أحد وأنت تأكل، وتقضم قطعة ضخمة منها -ربما تجاوزت نصفها- ولكنك تشعر بطعم مختلف في فمك لا يتناسب مع مذاق البطاطس الذي تعرفه، ثم تُفاجأ بأن ما حصلت عليه لم يكن أبداً بطاطس؛ بل هي شطيرة فول بالخلطة!!
أو عندما تحجز تذكرة سفر إلى الإسكندرية قبل الموعد بعدة أيام؛ لأنك في موسم الزحام على المصايف، وبعدما تصل إلى العربة المطلوبة، وتجلس على المقعد المدوّن رقمه على التذكرة، وتُغمض عينيك وأنت تستشعر هواء الإسكندرية المنعش، وبحرها الرائق، وتُفاجأ بلكزة من شخص ظريف وضخم يخبرك أن هذا المقعد يخُصّه، وبعد شجار كلامي ربما تطوّر إلى عراك يدوي، يتطلع مفتش السكة الحديدية على تذكرتك، ويخبرك أن العربة صحيحة، وكذلك رقم المقعد؛ ولكن الرحلة الخاصة بتلك التذكرة قد تتجه إلى الصعيد بعد لحظات!!
ردود فعل غاضبة
ترى ماذا ستفعل مع بعد قضم شطيرة الفول بالخلطة إذا كنت لا تطيق الفول ولا رائحته من الأصل؟ هل ستعود إلى المحل وتسبّ العامل، وتطالب بوجبة بديلة عن تلك التي حصلتَ عليها؟ أم أن جوعك سيُجبرك على أكل الفول وأنت مرغم مقهور؟
وفي الحالة الثانية، هل ستملأ محطة القطارات بصراخك وعويلك، وأنت تطالب بتصحيح خطأ موظف الحجز، ومنحك مقعداً آخر؟ وبعد أن تفشل في ذلك تطالب بردّ ثمن التذكرة، وبعد أن تفقد الأمل في ذلك أيضاً، لا تجد سوى السبّ واللعن على هذا البلد وحاله وحكومته التي تترك الموظفين يعبثون كيفما شاءوا، وربما صرّحت بأُمنيتك الداخلية، بألا يصل هذا القطار بركّابه إلى الإسكندرية؟
مفاجأة غير متوقعة
إن ردود الأفعال السابقة ربما كانت هي المتوقَعة لمثل هذه المواقف؛ ولكن هناك ردّ فعل آخر لم نذكره، أو حتى لم نفكّر فيه؛ ربما لندرته، أو ربما لأننا نأخذ بالحلول السهلة التي تعوّدنا عليها.
هذا الحل قام به إدجار بيرجن، الذي كان قد طلب شراء كتاب عن طريق البريد، وكان الكتاب الذي يرغب في اقتنائه خاصاً بالتصوير الفوتوغرافي، وبالفعل جاء له الكتاب في صورة طرد، وسارع بفكّ تغليفه وهو يمنّي نفسه بوجبة دسمة، ومعلومات وفيرة لهذه الهواية التي يبدو أنه يحبها، وقد ارتسمت على وجهة ابتسامة عريضة، وهو يتطلع إلى غلاف الكتاب؛ ولكن سرعان ما تحوّلت تلك الابتسامة العذبة إلى تقطيب غضب؛ فقد وجد الكتاب يتحدث عن الكلام البطني، ويدور عن تلك الطريقة في الكلام والإلقاء التي يستطيع فيها المتكلم أن يخرج صوته من بطنه ليخفف الضغط على حنجرته.. وفي حدود علمي؛ فهذه الطريقة يستخدمها من يقومون بالإلقاء الطويل بشكل دوري مثل مغني الأوبرا، أو المرشدون السياحيون، وربما احتاجه المعلمون إذا ما عرفوا به.
النظر للأمر من زاوية مختلفة
وبعد أن اطلع إدجار على الكتاب قرّر في غضب إعادة إرساله مرة أخرى إلى الجهة التي أتى منها، وقبل أن ينفّذ ما قرره، فكّر في هدوء أن الكتاب قد أصبح موجوداً؛ فلماذا لا يحاول قراءته والاستفادة منه.. وقد كان!
لقد قرأ هذا الرجل الكتاب، واستفاد منه إلى درجة تفوق الوصف، إلى درجة غيّرت حياته كلها؛ فلقد أصبح إدجار بيرجن صاحب شهرة عالمية في مجال الكلام البطني.
ولذلك أطلب منك أن تعود بذاكراتك إلى تلك المواقف المستفزّة التي تعرّضت لها في صورة صُدَف ناتجة عن أخطاء الآخرين.
هل أنت منهم؟
وتذكّر كيف تعاملت معها، كم مرة غضِبْت وثُرت؟ وكم مرة حاولت بالفعل أن تتعامل بشكل مختلف وحاولت أن تستفيد من تلك الأخطاء؟
هل كان من الممكن أن تأكل شطيرة الفول دون غضب، وأنت تشكر في سرّك ذلك العامل المهمل الذي جعلك تتذوق الفول ومذاقه المختلف الذي حرَمت نفسك منه لفترات طويلة؟
وهل من الممكن أن تسعد لأن الحظ رمى في طريقك تذكرة قطار الصعيد، لتتعرف على أرض جديدة لم تشاهدها من قبل؟
أعرف أن الأمر صعب؛ ولكن من قال إن الناجحين في الحياة لم يتخذوا القرارات الصعبة، ولم يسلكوا الطرق الوعرة للوصول إلى النجاح.. فهل أنت منهم؟