احمد عبد المقصود

when i want see u i look to the moon

البحث عن حكمة الأشياء هي مهنة الفلاسفة والحكماء والعلماء، وكذلك العُبّاد والصالحين.


ولا عجب أن تجد حكيماً أو عالماً، يضرب المسافات ويقطع الأرض كي يصل إلى آفاق معرفية جديدة، تضيء جزءاً من ظلام عقله، أو تقرّبه أكثر من معرفة الحقيقة.


من هؤلاء العلماء: العابد الزاهد "إبراهيم بن أدهم"..


كان رجلاً عارفاً بالله، باحثاً عن الحقيقة، متواضعاً أمام ما يرى ويشاهد، متأملاً في صفحة الحياة وأوجه البشر وأحوالهم علّه يجد ما يقرّبه من النور.


لذا شَغَل باله كثيراً أمرُ ذلك الراهب الذي سمع بخبر سكنه في صومعة لا يغادرها أبداً، ويحُج الناس إليه شهراً في السنة، فيذبحون على عتبة محرابه الأضاحي، ويسألونه أن يشفي المريض وييسر الحال، ويغفر للمخطئ، ويهدي الحائر!!


وكان مما أدهش "ابن أدهم"، أن الراهب لم يغادر صومعته منذ سنين؛ فهو قابع فيها لا يتركها أبداً.


فذهب إليه "ابن أدهم" قاطعاً المسافات الطوال كي يرى شأنه ويدعوه إلى دين الصلاح والهداية؛ فوصل إلى هناك في الشهر الذي خُصّص لدخول الناس عليه؛ فرأى زحاماً شديداً؛ لكنه رغم ذلك دخل إلى أن وصل إلى الراهب، وجلس يشاهد ويتأمل الهيبة التي يحيطه أتباعه بها، والمكانة العالية التي يتمتع بها، والتي تجعله يُؤمر فيطاع، ويقول فيُسمع.


وعندما جلس إليه "إبراهيم بن أدهم" وعرّفه بنفسه، سأله أول ما سأله عن مدة مكوثه في هذه الصومعة؛ فأجابه الراهب بأنه قابع في صومعته منذ ثلاثين سنة لم يخرج منها!!


فسأله "ابن أدهم" متعجباً من أمره: وما الذي يحملك على هذا؟


فابتسم الراهب واقترب من "ابن أدهم" وقال له: أنظر لمرأى هؤلاء البشر الذين يحجّون حولي، إنهم لا يأتون إليَّ إلا مرة واحدة في العام؛ فأُصبح بالنسبة لهم الغاية العظمى والمطلب الأهم، ومن أجل عزّ هذا الشهر أتحمل وِحدة العام كله؛ بل من أجل أشهر معدودات في العمر، أتحمّل تعب الدهر!!


توقف "ابن أدهم" أمام كلمات الرجل وهو في ذهول من أمره، وسأل نفسه متعجباً: هذا الذي في الضلال يصبر على ضلاله شهوراً وشهوراً كي ينعم لأيام معدودات!! يتحمل الوحدة وآلامها من أجل عزّ يناله، وفخر يشعر به!! فما بال أصحاب الدعوات والمبادئ والقِيَم السليمة الصحيحة، يتعبون ويتكاسلون، ويُنهكون، ويملأون الدنيا صراخاً وعويلاً وشكوى؟


ما بال الصالحين والصفوة من الأمة يفتقرون -وهم يملكون الحق- أن يصبروا قليلاً على ضرائب الحق، وثمن الكفاح.


كيف لمن أدرك أن الجنة في آخر المضمار، أن يتكاسل ويقف في بلادة، ليملأ كأس شهواته وملذّاته حتى الثمالة؛ فيسقط دون خط النهاية؛ فتضيع منه الجائزة الحقيقية، والعزّ والرفعة التي لا تضاهيها رفعة.

إننا برغم كوننا كثيراً ما نتفاخر بقدرتنا الفذّة على حساب الأشياء بشكل صائب صحيح، ونُبرهن على ذكائنا بالمكاسب التي حققناها والاستراتيجيات التي انتهجناها من أجل تحقيق المكاسب والفوز؛ فإن معظمنا وبشكل عجيب، لا يستطيع رؤية أهم معادلات الحياة وأكثرها وضوحاً، وهي معادلة أن الحياة الدنيا هي الفانية الذاهبة، والآخرة هي الباقية الخالدة.


نعم كلنا نؤمن أن هناك بعثاً ونشوراً، وثواباً وعقاباً، وميزاناً وصراطاً، وجنة وناراً؛ لكن معظمنا مع الأسف لا ينتهج مخططات عملية تبرهن على استيعابه لتلك المعادلة!


إن مما وعاه "ابن أدهم" من الراهب، ونقله لنا، أن صومعة الشرف والكرامة والضمير أولى بأن يلتزمها أصحاب الدعوات، فلا يبرحوها قط.


وأن الصبر على مغريات الحياة وشطحاتها هو السبيل الأول والأوحد للوصول إلى نقطة السعادة الحقيقية.. والأبدية.

المصدر: كريم الشاذلي
ahmed20101880

when i want see u i look to the moon

  • Currently 92/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 220 مشاهدة

احمد عبدالمقصود

ahmed20101880
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

100,824