المصـرفيـة الإسلاميـة (دراسات في المحاسبــة والإدارة)

للدكتور: أحمد شوقي سليمان" دكتوراة كلية التجارة جامعة الأزهر"

 المقالة الثانية :- مراحل اتخاذ القرارات الإستراتيجية بالمصارف الإسلامية والعوامل المؤثرة بها.

 يرتبط استقرار وسلامة مستقبل المصارف الإسلامية بسلامة وصحة القرارات الإستراتيجية  والتي تعتبر المحرك الرئيسي للمصارف الإسلامية على المدى طويل الاجل، وذلك لأن كل قرار وكل المراحل الخاصة باتخاذ قرار استراتيجي معين يعتبر حلقة من سلسلة من القرارات، وبالتالي فان اتخاذ قرارات إستراتيجية غير ملائمة سوف يقود إلى سلسلة من القرارات الخاطئة في كافة الأعمال التنفيذية المتعلقة بهذا القرار والتي ستؤثر بالسلب على مستوى المصرف بالكامل. ومع تعدد الأبعاد الشرعية والقانونية والمصرفية والإدارية والمالية التي يجب أخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرار الاستراتيجي في المصارف الإسلامية، فإن الأمر يتطلب ضرورة التأكد من سلامة عملية اتخاذ هذه القرارات في جميع مراحلها بما يضمن اتساقها مع تلك الأبعاد والمعايير المتنوعة لاتخاذ القرار الاستراتيجي في المصارف الإسلامية.

مراحل اتخاذ القرارات الإستراتيجية  في المصارف الإسلامية

إن عملية اتخاذ القرار هي أسلوب الاختيار الرشيد بين البدائل المتاحة لتحقيق هدف معين. وقد تعددت النماذج التحليلية لعملية صنع القرار، وعلى الرغم من اختلاف الباحثين في هذا الموضوع  إلا أن هناك العديد من عناصر الاتفاق بينهم، حيث اتفق أغلب الباحثين على أن عملية صنع القرار تمر بمجموعة مراحل إلا أنهم يختلفون في عدد هذه المراحل وترتيبها، ويمكن إيجازها في التالي :-

1-      تحديد وتعريف المشكلة التي بصددها اتخاذ القرار والأهداف المراد تحقيقها معاً.

2-      الحصول على البيانات والمعلومات الكافية ذات العلاقة بالمشكلة.

3-      إيضاح وتحليل البدائل وتحليل المنافع من كل بديل وأثره على المشكلة.

4-      تحديد وترتيب مخاطر كل بديل.

5-      الاختيار بين البدائل واتخاذ القرار.

6-      تنفيذ البديل المختار.

7-      متابعة التنفيذ وتقييم النتائج.

 

وتناولت العديد من الدراسات  مراحل عملية صنع القرارات الإستراتيجية في منظمات الأعمال والتي لم تختلف كثيراً عن عملية صنع القرار إلا في المراحل الأولية، والتي يمكن للباحث في ضوئها وفي ضوء الطبيعة المميزة للمصارف الإسلامية إيضاح مراحل عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية في المصارف كالتالي:-

1)   تحديد مجال اتخاذ القرار الاستراتيجي. حيث تتنوع القرارات الإستراتيجية في المصارف الإسلامية – كما سبق الإشارة إلى نماذج منها في المبحث السابق – ومن ثم فعلى متخذ القرار الاستراتيجي مراعاة مدى توافقه بصورة مبدئية مع الضوابط الشرعية لان عدم تحقق الضابط الشرعي (مثل التعامل بالربا) يلغي باقي مراحل اتخاذ القرار تلقائياً.

2)   تحديد الأبعاد الرئيسية المتعلقة بالقرار الاستراتيجي. والتي قد تكون شرعية أو مالية أو اقتصادية أو اجتماعية، على أن يتم ترجمة هذه الأبعاد في صورة أهداف Objective يرجى تحقيقها ثم وضع معايير Criteria لقياس مدي تحقق هذه الأهداف.

3)   تجميع البيانات والمعلومات عن موضوع القرار الاستراتيجي . يقوم متخذ القرار بتجميع البيانات والمعلومات " أولية، ثانوية، كمية، نوعية " ذات الصلة بالقرار الاستراتيجي محل الدراسة وذلك بهدف معرفة البدائل الإستراتيجية المناسبة.

4)     تبويب البدائل الإستراتيجية لاتخاذ القرار الاستراتيجي. حيث تتوقف البدائل الإستراتيجية على عده عوامل، ويمكن تقسم هذه العوامل إلى :-

§   عوامل داخلية " السياسات، الأهداف، وضع المنظمة، الإمكانات، الموارد الداخلية "

§   عوامل خارجية " المنافسين،  السوق،  العملاء، الموردين، القوانين المنظمة، والفتاوى الشرعية الصادرة عن الهيئات والجهات الشرعية المختصة ... ".

5)     تحليل البدائل الإستراتيجية وتحديد المخاطر المحيطة بها. تحتاج عملية تحليل البدائل الإستراتيجية إلى القيام بعمليات المقارنات بين كل بديل لتحديد القيمة المضافة لكل بديل ولمعرفة المخاطر التي قد يتعرض لها كل بديل سواء كانت مخاطر داخلية وهي المتمثلة في المعوقات، وأيضا لتحديد المخاطر الخارجية والتي تتمثل في التحديات، حتى يصل متخذ القرار الاستراتيجي إلى البديل الذي سيعطي أفضل قيمة مضافة، ويحيطه قدر مقبول من المخاطر.

6)   اختيار البديل الاستراتيجي المناسب ( القرار الاستراتيجي ).  يتم في هذه المرحلة المفاضلة بين البدائل الإستراتيجية للوصول إلى البديل الاستراتيجي المناسب ويتم الحكم على البديل المناسب وفقاً لبعض المعايير ومنها التالي :

§      مدى تحقيق البديل للأهداف المحددة، أو أكثر البدائل مساهمة في تحقيقها.

§      كفاءة البديل، والعائد الذي سيحققه تنفيذ البديل المختار.

§      درجة السرعة المطلوبة في الحل البديل، والموعد الذي يراد الحصول فيه على النتائج.

§      اتفاق البديل مع رسالة المصرف، وأهدافه، وقيمه، ونظمه، والضوابط الشرعية.

§      المعلومات المتاحة عن الظروف البيئية المحيطة.

§      مدى ملائمة كل بديل مع العوامل البيئية الخارجية للمصرف مثل العادات والتقاليد.

§       قبول العاملين بالمصرف للحل البديل واستعدادهم لتنفيذه.

 

7)   متابعة تنفيذ القرار الاستراتيجي وتقويمه أولا بأول.حيث تقوم الإدارة العليا بالمصرف بعد اتخاذ القرار الاستراتيجي الملائم باختيار الوقت المناسب الذي سيتم تطبيق القرار الاستراتيجي فيه، وأيضا وضع الأسس اللازمة (الشرعية، المصرفية، المالية، الاجتماعية، .... ) التي ستساعدها في متابعة تنفيذ القرار ومعالجة أوجه القصور والمخاطر التي قد يواجهها القرار وتقويمه إذا احتاج الأمر لذلك أولا بأول.

 

 

العوامل المؤثرة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية في المصارف الإسلامية

 

تحتاج الإدارة العليا عند القيام باتخاذ القرار الاستراتيجي إلى الحصول على معلومات ومعرفة مُعينة بعضها خارجي والبعض الآخر يتعلق بالمؤسسة، وتحيط عملية صنع القرار العديد من العوامل والمؤثرات والتي بدورها تؤثر على فاعلية القرار ومدى تحقيقه للأهداف المرجوة وأيضا مدي قابلية القرار للتطبيق، وأحيانا ما تؤثر العوامل المحيطة بالقرار تأثيراً سلبياً تؤدي إلى اتخاذ قرار غير فعال بالدرجة المطلوبة وغير قابل للتطبيق، وقد تناولت العديد من الدراسات شرحاً تفصيلياً للعوامل التي تؤثر في عملية صنع القرار إلا أن معظمها تناول تلك العوامل في منظمات الأعمال بصفة عامة دون التطرق إلى ما تتميز به المؤسسات الإسلامية من سمات خاصة يجب مراعاتها عند اتخاذ القرارات بصفة عامة والقرارات الإستراتيجية بصفة خاصة. وتنقسم العوامل المؤثرة في اتخاذ القرارات بصفة عامة إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية، وتبوب العوامل الداخلية بدورها إلى عوامل مرتبطة بالجانب التنظيمي داخل المنظمة وعوامل متعلقة بمتخذ القرار، وسوف يتناول الباحث فيما يلي العوامل التنظيمية الداخلية والعوامل الخارجية، على أن يتناول العوامل المتعلقة بمتخذ القرار ضمنياً بالنقطة التالية التي تناقش الخصائص الواجب توافرها في متخذي القرارات الإستراتيجية بالمصارف الإسلامية.

 

أولاً : العوامل التنظيمية الداخلية المؤثرة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية في المصارف الإسلامية.

            نظراً لما تتمتع به المصارف الإسلامية من سمات خاصة فإن هناك العديد من العوامل الداخلية التي تؤثر في اتخاذ القرارات الاستراتيجية ومن أهم تلك العوامل التالي:-

أ) أهداف المصرف الإسلامي. ومن أهمها تقديم البديل الإسلامي للمعاملات البنكية التقليدية لرفع الحرج عن المسلمين، الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في كافة أوجه الأنشطة المختلفة، دفع عجلة  التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأمة الإسلامية بما لا يتنافى مع الضوابط الشرعية، ومساعدة المتعاملين معها على أداء فريضة الزكاة على أموالهم، وتنمية القيم العقائدية والأخلاقية في المعاملات وتثبيتها لدى العاملين والمتعاملين معها.

ب) الموارد والإمكانات التي يحشدها المصرف الإسلامي. يجب دراسة كافة الموارد والإمكانات المتاحة سواء كانت مادية كالنقدية والمباني ... وغيرها، أو كانت بشرية (إدارية وتنظيمية وتنفيذية) وذلك من حيث مدى توافر الكفاءات المطلوبة بالكم والنوع المناسب، إلى جانب العوامل المعنوية والتي تتمثل في مدى قدرة العلاقات بين الأفراد وتماسك جماعات العمل ومدى حرصهم على تقدم ونمو المصرف، وكذا الهيكل التنظيمي للمصرف الإسلامي.

جـ ) اللوائح والأحكام المنظمة للعمل في المصارف الإسلامية. والتي يجب أن تتطابق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية في ضوء المعايير الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والفتاوى الصادرة عن هيئات الفتوى الشرعية.

د ) خضوع المصارف الإسلامية لنوع خاص من الرقابة (الرقابة الشرعية). ويرجع ذلك إلى السمة المميزة للمصارف الإسلامية وهي التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية في كافة معاملاتها، وهو ما يوجب خضوعها للرقابة الشرعية للتأكد من سلامة الأعمال التي يقوم بها المصرف من الناحية الشرعية، ولكي لا تقع الإدارة العليا بالمصرف في حرج المخالفات الشرعية.

هـ )حجم المصرف الإسلامي وانتشاره الجغرافي. حيث يمثل حجم المصرف وانتشاره في كافة أنحاء البلد التي يقع بها أحد عوامل القوة، والذي يجب أخذه في الاعتبار عند اتخاذ العديد من القرارات الاستراتيجية، ولكي تواجه إدارة المصرف الصعوبات المختلفة عند اتخاذ قراراتها الاستراتيجية .

  

ثانياً:  العوامل الخارجية المؤثرة في صنع واتخاذ القرارات الإستراتيجية في المصارف الإسلامية .

وتتمثل بصفة رئيسية في التحديات والمعوقات التي تواجهه المصرف والتي يمكن تقسيمها  كالتالي:-

العوامل الخارجية الخاصة:-

1-      الوضع التنافسي للمصرف (البنوك التقليدية – الشركات والمؤسسات المالية  - البنوك الإسلامية الأخرى)

2-      العملاء ( المودعين - طالبوا التمويل)

3-      الموردين

4-      الحكومة

 

العوامل الخارجية العامة :-

1-      العوامل الاقتصادية

2-      العوامل الاجتماعية

3-      العوامل  الطبيعية

4-      العوامل التكنولوجية

5-      العوامل  الثقافية

6-      العوامل القانونية والسياسة

وفي المقال الثالث سيتم تناول الخصائص الواجب توافرها بمتخذ القرارات الاستراتيجية بالمصارف الإسلامية. 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

المصدر: د/ خليل الشماع، "المحاسبة الإدارية في المصارف: التكاليف والأسعار والموازنات في الإطار الاستراتيجي"، الجزء الأول، مصرف سوريا المركزي، دمشق، 2006. -د/ نسيمة أحمد الصيد،"أساليب المدخل الكمي وأهميتها في ترشيد القرارات الإدارية"، ورقة عمل بالملتقى الوطني السادس حول الأساليب الكمية ودورها في اتخاذ القرارات الإدارية، بجامعه سكسيده، بالجزائر، أيام 27 – 28 جانفي 2009. -د/ عمر شريف، "أسلوب التحكم في نظم المعلومات واتخاذ القرارات في المؤسسة"، ورقة عمل بالملتقى الوطني السادس حول الأساليب الكمية ودورها في اتخاذ القرارات الإدارية، بجامعه سكسيده، بالجزائر، أيام 27 – 28 جانفي 2009. -د/ أحمد محمد على، دور البنوك الإسلامية في مجال التنمية، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، سلسلة محاضرات العلماء الفائزين بجائزة البنك رقم 3، الطبعة الثالثة، 1422 هـ - 2001 م. د/ عبد الحميد محمود البعلى، "أخلاقيات العمل المصرفي الإسلامي" بحث مقدم بالمؤتمر الخامس للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، المنظم بمعرفة هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المنعقد في مملكة البحرين في 17-18 شوال 1426هـ الموافق 19-20 نوفمبر 2005م. - Michelle Powers , The Five Basic Steps Involved in Systematic Decision Making , Nov 7, 2008 , website at : http://jobfunctions.bnet.com. - Gareth R.Jones & Jennifer M.George, Contemporary Management, Fifth Edition, McGraw-Hill Irwin, 2008. David Hunger & Thomas. L. Wheelen, "Essentials of Strategic Management", 2003 , folks international, www.hrfolks.com. Edward Blocher ,David Stout ,Gary Cokines, Cost Management: A Strategic Emphasis ,5th edition, 2010. G. Aouad, A. Lee and S. Wu, "A Framework For Strategic Decision-Making Based On A Hybrid Decision Support Tools", Journal of Information Technology in Construction (It Con) , vol.10, May 2005. María Cardelle-Elawar, María L. Sanz de Acedo Lizárraga, et.al.,"Factors that affect decision making: gender and age differences", International Journal of Psychology and Psychological Therapy, 2007,volume 7,number 3. Susan Quinn ," Management Basis ", Ventus Publishing ApS , 2010 ,pp21-22. http://www.studystack.com-
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2167 مشاهدة
نشرت فى 4 نوفمبر 2014 بواسطة ahmed0shawky

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

193,780

أحمد شوقي سليمان

ahmed0shawky
يهتم الموقع بعرض المقالات والابحاث ذات العلاقة بالمصارف الإسلامية , والمحاسبة والمراجعة والإدارة الإستراتيجية. د/ أحمد شوقي .... في سطور .... دكتوراة وماجستير المحاسبة كلية التجارة جامعة الأزهر مدير مخاطر معتمد CMRM- الاكاديمية الامريكية للادارة المالية نائب مدير عام مراقبة ومتابعة التمويل الإسلامي بقطاع المخاطر بأحد أكبر البنوك المصرية »

تسجيل الدخول

ابحث

عـــن العلــم العمـــل

العلم والعمل كلمتان متساويتان في عدد الحروف مع إختلاف الترتيب فالعلم هو دليل العمل ودائما ً ما يكون العلم سابق للعمل والقول فلا يصح العمل بدون علم ، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"  سورة الزمر (الاية 9)

فالعلم والعمل لهما علاقة ترابطية علاقة السبب ونتيجته ، كما أن العلم هو اساس نوايا البشر ويقول الإمام الشافعي في العديد من المرات: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم .

ويأتى العمل بعد النيه والتى يسبقها العلم ويظهر ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، ..) فالعمل لا يصلح إلا بالعلم والذي سيعرض على الله عز وجل يوم القيامة لتحديد صحته ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ( سورة التوبة الاية 105) ﴾

فالإخلاص في العلم يؤدى لتصحيح النوايا حتى يصح  العمل

أحمد شوقى سليمان