-
د: أميرة حبارير
-
"الجثة تتحدث.. ميت في جسد حي".. والطبيب المزعج المنزعج رهينة، لما مثل بالجثث التي قام بتشريحها، ففي عالم الموتى قصص وروايات لا تتكرر، يرويها من يعيشون لحظاتها القليلة، كما عاشتها إسرائيل على مدار 30 عاماً في سلسلة حكم نصر الله للحزب في مسلسل "الجثة تتحدث"، عن قصص الجزار الطبيب لجرائم قتل غيرت مسار العديد من القضايا البشرية في أراضي القدس وغزة متحركة بأرواح قتلاها للبنان وغيرهم، فالذي عاش لعقود في الخفاء، وغزا الشيب لحيته الكثيفة، ومعرفته الواسعة، خاصة في الشؤون الدينية والسياسية. والمُتحدث الفصيح في لهجة تحدّي يتكلّم بها، لوقت طويل من دون أن يتردّد أو يتلعثم، والتي تقترن غالباً برفع سبّابته اليمنى، وكأنها ترهيباً للداخل اللبناني.
حتى ينادونه بـ«السيّد»، منذ معاركه مع القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل جنوب لبنان، وخرج رئيس وزرائها الحالي نيتنياهوا قائلاً: إن "المهمة لم تنته بعد وأمامنا أيام مليئة بالتحدي"، بعد ضربات دقيقة لم يتوقعها أحد، ولم تحدث منذ ثلاثة عقود هي عُمر نصر الله الذي تمكن الاحتلال من القضاء على أحد قُطبي محور المقاومة وأكبر رؤوسها في حزب الله اللبناني، وسبقهُ رئيس حركة المقاومة حماس خلال أسابيع قليلة وُصفت بالنوعية وغير المسبوقة، حتى أشار الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إلى أن "كل الوسائل مطروحة على الطاولة" وأن "لدى إسرائيل الكثير من الوسائل والقدرات، بعضها لم يتم تفعيله بعد"، فأين كانت تلك القدرات منذ تولي
حسن نصر الله الحزب في الوقت الذي تسعى الجهات السيادية على إعادة هيكله المشهد بشكل جديد، وتدعو إلى هدوء في المنطقة، لكن لطبيبنا المُختص في المشرحة رأي أخر، وكأنه أقام بعمل النمرود الذي حاج سيدنا إبراهيم بأنه يُحيى ويُميت، ودليلنا سياسة الأرض المحروقة والتدمير اللابشري في غزة، لتكرر في جنوب لبنان، دون رادع لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا حتى الاستئذان من (ماما أميركا)، التي تعتبر واحدة من أكبر القوى السياسية والاقتصادية في العالم، كونها لاعب محوري في تشكيل السياسات الدولية وتوجيه مسار القضايا العالمية، تغطية على دولة الاحتلال وحمايتها، رغم الترهل الحادث في السياسات الأمريكية الأن مع قدوم انتخابات رئاسية جديدة وحاجتها إلى هدنه كبيرة حتى يستقر المشهد السياسي عند الطبيب المعالج المُنتظر، وليحدث هذا لابد من تغير إدارات المشفى العام لإدارة الحروب العالمية.
لقد انتقد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بشدة القيادة الإسرائيلية، مُتهما إياها بـ"قصر النظر" واتباع "السياسة الحمقاء"، وأن الإسرائيليين "أضعف بكثير من أن يتمكنوا من إلحاق ضرر جوهري بالبنية القوية لحزب الله في لبنان"، ومن قبل أخذوا بروح إسماعيل هنيه ليأتوا بمن هو من عُقر داره يحيى السنوار الذي تربي ودرس العالم الإسرائيلي من قرب سجونها، لكننا ومنذ أن تولى لم نرى منه ما يوحد المقاومة، لنجده يملأ المشهد بمحاولات فاشلة للم شمل حماس، وضعفه في محاولة هروبه، لماذا؟، لان طبيبنا هنا يعرف قوته الحقيقية الزائفة المطروحة في الأسواق، وفق قول نيتنياهوا نفسه أننا نغير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتغيير موازين القوى يضمن لنا تحالفات جديدة لأننا منتصرون، متناسياً خسائر إسرائيل وحلفائها الغربيين والأمريكان من حرب غزة فقط، فما بالك من الحال في لبنان إذا فكر في هجوم بري، علماً بأن أن ما تقوم به دولة الاحتلال عملية اغتيالات لا بطولة فيها، وذلك نهج اسرائيلي منذ عقود وللآن، دون أن يري ضعف ولا وهن في المقاومة، فكلما يضرب ويُدمر كُلما جد مقاومة وتعمير.
آه ثم آه فكم من مرة حاولت إسرائيل استبعاد حسن نصر الله من المشهد، ولكنهم أبو تمثيل هذا طول الفترة الماضية.. فلماذا اليوم؟ وبهذا الشكل؟، تعالوا لتشاهدوا بأنفسكم أن الطبيب الأن في حالة إعادة تكوين هيمنته على المشفى ولهذا يختار أُناس من صناع قراره.. وشاهد اغتيال نصر الله، ليأتي مزعوم جديد قد يكون أبرزهم هشام صفى الدين خليفة له، وهو صاحب أحد أهم أنشطة الحزب وفي المجلس التنفيذي ألا وهو النشاط الاجتماعي والاقتصادي للحزب، ونركز معا على هذا لأن طبيب المشرحة يرغب في التفاوض، هل فهمت؟!..
هنا في غرفة مشرحتنا، تري المرشح لإدارتها صاحب نظرات ميدانية اقتصادية لموظفيه، وقد داخلها لإعادة هيكله المشفى، بأموال العرب واقتصادهم، فصحيح أن القضاء على قيادات بارزة لا يعني نهاية أي حركة مسلحة أو تنظيم أيديولوجي، لكن مقتل نصرالله، هو "زلزال حقيقي" هز كيان حزب الله والمحور الإيراني وحرسه الثوري، وتلك شرارة، لم يتوقعها الطبيب ليجد الأرواح في مشرحته محملة بالثأر والرغبة في الانتقام بلا ضوابط، كما لعب هو في أجساد الأبرياء بقصف همجي في جنوب لبنان وميناء الحديدة وغيرهما، وهنا قد يكون "الحوثي" صورة تقليدية لحسن نصرالله، وفق الخطوط السلوكية لعلم النفس، وقد ثبت علمياً أن الإنسان إذا أراد أن يكذب فإنه يحاول ألا يركز ناظريه على شيء أمامه، وإنما ينظر في اتجاهات مختلفة، وهو ما كرره حسن نصر الله ويُكرره الحوثي، والأيام كفيلة للجواب على الكثير، فلننتظرها ولله الأمر.
نشرت فى 7 أكتوبر 2024
بواسطة ahabareer
دكتور أميرة حبارير | |Amira Habareer
دكتور أميرة حبارير | |Amira Habareer خبيرة الصحة النفسية والإرشاد الأسرى والاستشارات الشخصية باحثة واستشارية مصرية في الصحة النفسية وعلاج الإدمان. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,222
ساحة النقاش