من ديوان الوالد الأستاذ

مصطفى فتح الله (رحمه الله )

مئة شاعر في شعر شاعر

قصيدة أبو كلدة عبيد الله بن منقذ "52"

أبو كلدة من يشكر كان شاعراً
وكانت إلى الحانات تجذبه الخمر
يسمى عبيد الله وهو ابن منقذ
وراح مع الحجاج يعلو به الذكر
سجستان والقعقاع وال بأرضها
فكان على بست له النهي والأمر
أقام بها في ظل عيش مُنَعَّم
قصاراه فيها أن يطيب له السكر
ويشرب لا يلحى نديماً إذا غوى
ويسقيه حتى لا يكون له عذر
(أبى لي أن ألحى نديمي إذا انتشى
وقال كلاماً سيئاً كله نكر )
أجاريه فيما قد أراد لأنه
صديقي وأدري ليس يدفعه الشر
(فما زلت أسقيه وأشرب مثل ما
سقيت أخي حتى لنا قد بدا الفجر )
ويمدح أو يهجو لمال يريده
فذمَّ لمن يأبى وللمجزل الشكر
وهدده القعقاع حتى استفزه
فنال هجاء مؤلماً طعمه مر
تبادل هجواً والحصين بن منذر
فهبت رقاش هال منذرها الأمر
فأفحش فيها بالهجاء مقالة
فباءت بخزي دون لذعته الجمر
وهاجى زياداً وهو في الناس أعجم
وليس إذا رام الفخار له فخر
بماذا أفق فالفخر رهن بأهله
فلا يشكُرٌ قد أنجبتك ولا بكر
ومدحك يمضي لابن مالك جله
فمن كفه جود ومن وجهه بشر
ومِسْمَعُ كان الجود بعض صفاته
تولى سجستاناً فلان به الدهر
وترثيه تبكي فيه خيراً فقدته
وهيهات يأتي من ذويه لك الخير
جفاك ابنه وازور عنك مقاتل
هو الاِبن لكن طبعه العسر لا اليسر
فنال هجاء منك مراً مذاقه
أقل مراراً دونه الحنظل المر
(قرى ضيفه الماء القراح بن مسمع
وكان لئيماً ) في مسامعه وقر
ودهقانة في بُسْتَ كان أحبها
وكان إلى حانوتها ينتهي السير
فلازمها حيناً بوعد أهانها
بشعر به يُسْتَوْجَبُ الصد والهجر
وقال على رغم المودة والهوى
( تجود على من يشتهيها ولا نكر )
ولم تجْدِهِ من بعد ذاك ندامة
وهل يجبر البلَّوْرُ إذ عابه الكسر
وجاء بني عجل وفيهم خليعة
إذا أسفرت من حسنها يستحي البدر
فلم ترضه زوجاً لها وتمنعت
وقالت أصعلوك وقد أزرى به السكر
وثار على الحجاج وابن أشيعت
وحرَّض لكن يغلب العسكر المجر
وجيء إلى الحجاج زلفى برأسه
ولم أدر هل وارى بقيته قبر ؟