عادل عبد القادر

نشرالاهتمام باللغة العربية وتبسيط النحو وتبني المواهب

أحداث الفصل

س1: هناك غرفة أخرى مصدر فكاهة بين ذلك معللا

وغرفة أخرى من غرفات هذا الربع كانت تقوم فيه غير بعيد عن شمالك إذا صعدت السلم ،وكانت مصدر فكاهة ودعابة ولهو لهؤلاء الشباب أيضا0كان يسكنها شاب لعله كان أكبر من هؤلاء الطلاب شيئا وقد كان أقدم منهم عهدا بالأزهر، ولكنه كان من جيلهم ومن طبقتهم على كل حال 0 كان نحيف الصوت ، يكفي أن تسمعه لتضحك من صوته 0

س2: بم يتصف الشاب الذي يقطن تلك الحجرة

 وكان ضيق العقل لم يأذن الله للون من ألوان العلم أن يستقر في رأسه لأن عقله كان محدودا محصورا وكان قصير الذكاء لم يأذن الله لذهنه أن ينفذ إلى أقرب شيء وراء ما كان يقرأ في الكتب على اختلافها 0 وكان مع ذلك واسع الثقة بنفسه بعيد الطمع في مستقبله مطمئنا في غير تكلف إلى أنه كأصحابه هؤلاء الذين يعيش معهم ويشاركهم في أكثر ما يختلفون إليه من الدروس0

س3: فيم كان هذا الشاب يشارك أصحابه

كان يشهد معهم درس الفقه ودرس البلاغة ودرس الأستاذ الإمام، ولم يكن يخف لدرس الأصول، لأن هذا الدرس كان يقضيه أن يخرج من غرفته مع الفجر، وقد كان لراحته مؤثرا وبها ضنينا 0وكان يشارك أصحابه في بعض مطالعاتهم، وكان يشاركهم بنوع خاص في هذه المطالعات التي لا تتصل بالدروس المنظمة ولا بالكتب التي كان الشيوخ يقرءونها                 

س4:علل:كان هؤلاء الشبان يضيقون بكتب الأزهر ضيقا شديدا

لأنهم يتأثرون في ذلك برأي أستاذهم "الإمام" في كتب الأزهر ومناهجه وكانوا يسمعون من الأستاذ الإمام حين يشهدون درسه أو حين يزورونه في داره أسماء كتب قيمة في النحو والبلاغة والتوحيد والأدب أيضا

 س5:لم كانت هذه الكتب القيمة بغيضة إلى شيوخ الأزهر

 لأنهم لم يألفوها وربما اشتد بغضهم لهذه الكتب لأن الأستاذ الإمام قد دل عليها ونوه بها 0 وكان الذين ينافسون الأستاذ الإمام من الشيوخ الأعلام يحاولون أن يذهبوا مذهبه فيدلون طلابهم على كتب قيمة أخرى لا تقرأ في الأزهر لأن الأزهريين لم يألفوا قراءتها 0

س6: ماذا يفعل هؤلاء الشبان بعد سماع أسماء الكتب

كان هؤلاء الطلاب لا يكادون يسمعون اسم كتاب من هذه الكتب حتى يسرعوا إلى شرائه إن وسعهم ذلك، وربما كلفوا أنفسهم في هذا الشراء جهدا ثقيلا وحرمانا شديدا فإن أعياهم ذلك استعاروه من مكتبة الأزهر ثم أقبلوا عليه ينظرون فيه، ثم اتفقوا على أن يقرءوه جماعة، ويتعاونوا على فهمه0

س7: وما الذي كان يدفعهم إلى ذلك

كان يدفعهم إلى ذلك حبهم الصادق للأستاذ الإمام ورغبتهم الصادقة في العلم والإطلاع، وربما دفعهم إلى ذلك مع هذه العاطفة شيء من غرور الشباب، فقد كانوا يفخرون بتلمذتهم للأستاذ الإمام وللشيخ بخيت وللشيخ أبي خطوة وللشيخ راضي وكان يملئون أفواههم بأنهم تلاميذ هؤلاء الأئمة وبأنهم من تلاميذهم المقربين المصطفين0

س8: هات الأدلة على الصلة القوية بين هؤلاء الطلاب وأساتذتهم

ولم يكونوا يكتفون بالاختلاف إلى هؤلاء الشيوخ في دروسهم، وإنما كانوا يزورون شيوخهم في بيوتهم، وربما شاركوهم في بعض البحث، وربما استمعوا منهم دروسا خاصة في يوم الخميس بعد أن تصلي الظهر أو بعد أن تصلي العشاء0 وكانوا لا يكرهون أن يعرف عنهم زملاؤهم هذا كله ، وأن يتحدث عنهم زملاؤهم بأنهم يقرءون فيما بينهم هذا الكتاب أو ذاك في هذا الفن أو ذاك0

س9: ما النتائج التي ترتبت على اجتهاد الطلاب

 وكانوا قد وصلوا بهذا كله إلى شيء ظاهر من الامتياز بين زملائهم، حتى عرفوا في الأزهر كله بأنهم أنجب طلاب الأزهر وأخلقهم بالمستقبل السعيد فكان من المعقول أن يسعى إليهم الأوساط من زملائهم يلتمسون التفوق في الاتصال بهم والامتياز حين يعرف الناس أنهم من أصدقائهم وأصفيائهم، ويلتمسون بذلك الوسيلة إلى أن يتصلوا بكبار الشيوخ وأئمة الأساتذة0

س10: من الطلاب الأواسط وهل كان صاحبنا منهم

وكان صاحبنا من هؤلاء الطلاب الأوساط، قد اتصل بهذه الجماعة من الطلاب، ليقول زملاؤه إنه واحد منهم، وليستطيع بحكم هذه الصلة أن يصحبهم في زيارتهم للأستاذ الإمام أو الشيخ بخيت0

س11: ما الذي حبب إليهم هذا النوع من التميز

وكان غرور الشباب يحبب إلى هذه الجماعة هذا النوع من الامتياز، ويهون عليها قبول هؤلاء الطفيليين في العلم من ضعاف الطلاب وأوساطهم، ثم يتيح لهم بعد ذلك، حين يخلون إلى أنفسهم وقد أحصوا على هؤلاء جهالاتهم وسخافاتهم وأغلاطهم الشنيعة، أن يعيدوا ذلك وأن يضحكون منه ملء أفواههم وملء جنوبهم أيضا

س12: كيف عرفهم الصاحب الجديد ولم اتخذ غرفة في نفس الربع

 وأكبر الظن أن صاحبهم هذا قد عرفهم في بعض الدروس فما زال يدنى نفسه منهم حتى اتصل بهم فزارهم، ثم أعجبه ربعهم وأعجبه جواره لهم في هذا الربع، فاتخذ فيه غرفة وأصبح واحدا منهم، يشاركهم في الدرس، ويشاركهم في الشاي ويشاركهم في الزيارات، ويشاركهم في بعض الشهرة، ولكن الله لم يفتح عليه قط بأن يشاركهم في العلم والفهم، وفي الإبانة والإيضاح

س13: فيم فاق الصاحب هؤلاء الشبان وماذا تحمل منهم

1- ويظهر أنه كان أوسع منهم يدا، وأكثر منهم بأصحابه يسر على نفسه وأنفق عن سعة0 وربما كان يشعر بحاجتهم إلى النقد لشراء كتاب، أو لأداء دين عاجل، أو لإرضاء حاجة ملحة، فيقدم إليهم من ذلك ما يريدون رفيقا بهم متلطفا لهم 0 وكانوا يعرفون ذلك له ويحمدونه

2- ولكنهم لم يكونوا يطيقون جهله ، وربما لم يملكوا أنفسهم فضحكوا من هذا الجهل بمحضر منه، وردوا عليه سخفه ردا عنيفا فيه كثير من الازدراء القسي0 ولكنه كان يقبل ذلك راضيا ويتلقاه باسما0 3- وما أظن أنهم قد عرفوا في وجهه الغضب يوما على كثرة ما كانوا يثقلون عليه بالغض منه والازدراء له 0

 س14: ما أجمل ما كانوا يتندرون به عليه

وكان أجمل ما كانوا يتندرون به عليه علمه بالعروض أو جهله بالعروض فكلاهما سواء0 كان يطالع معهم كتابا في النحو، فلا يكاد يعرض لهم شاهد وما أكثر ما تعرض الشواهد في كتب النحو- حتى يكون أسرعهم إلى رد هذا الشاهد إلى بحر من أبحر العروض، ولم يكن يختلف قط وإنما كان" البسيط " دائما وقد يكون البيت من " الطويل" وقد يكون من " الوافر" وقد يكون من أي بحر من أبحر الشعر ولكنه كان " بسيطا " دائما0

س15: كيف كان العروض مثارا للضحك والتندر من صاحبنا

والغريب أنه لم يكن يكتفي بالإسراع إلى إعلان أن هذا البيت من البسيط، وإنما كان يسرع فيأخذ في تقطيع البيت يرده إلى البسيط، مهما يكن وزنه، فيقطع على الجماعة درسهم، ويدفعهم إلى بحر من الضحك لا يكاد يعرف له حد0 وقد كثر منه ذلك حتى أغرق به أصحابه وأطعمهم فيه، فكانوا كلما عرض لهم بيت من الشعر أظهروا العجز عن رده إلى وزنه حتى ينبئهم صاحبهم بأنه من البسيط فإذا فعل أظهروا العجز عن تقطيع البيت حتى يأخذ صاحبهم في تقطيعه فيرده إلى البسيط، وهناك يستأنفون الضحك، ويستأنفون الاستهزاء، ويلقياهم هو بهذه الابتسامة الراضية التي لا تعرف الغضب ولا الغيظ0

س16: كيف مرت الأعوام بين الشاب و هؤلاء الأصدقاء

وقد أقام هذا الشاب على ذلك مع أصدقائه أعواما طوالا لم يغاضبهم ولم يغاضبوه وكأنه أحس آخر الأمر أنه ليس من تلك الحلبة، وأنه لا يستطيع أن يجرى في ذلك الميدان، فأخذ يتخلف قليلا قليلا عن الدرس ويتكلف التعلات والمعاذير لا يشارك القوم في مطالعتهم، ويكتفي بالمشاركة في الشاي والطعام أحيانا والزيارات دائما0

س17: صف العلاقة بين الشاب والصبي

وقد تقدمت السن بالصبي في أثناء ذلك، وتقدم به الدرس أيضا، وإذا هذا الشاب يظهر العطف عليه والقدر له وإذا هو يعرض عليه أن يقرأ معه الكتب ويعرض عن مشاركة أقرانه وأنداده إلى مشاركة هذا الغلام الناشئ ويأخذ الغلام في أن يقرأ معه كتبا في الحديث وأخرى في المنطق وأخرى في التوحيد، ولكنه لا يجد عنده غناء0 وليس الغلام فارغا للضحك منه والتندر به، وليس هو قادرا على ذلك ولا راغبا فيه وإذا هو يحتال في التخلص منه والمضي لشأنه0

س18:كبف انتهى المطاف بهذا الرجل

وإذا هذا الرجل يترك العلم أو يتركه العلم، ولكنه يظل محسوبا على الأزهر طالبا فيه مشاركا لأصحابه في الناحية الاجتماعية من حياتهم

س19: لم ارتقت حياة الشبان الأذكياء

وقد ارتقت حياتهم بعض الشيء رقاها ذكاؤهم وجدهم وتفوقهم ورضا الأستاذ الإمام عنهم وتقريبه إياهم، وإذا هم يتصلون بفلان وفلان من أبناء الأسر الغنية الثرية الذين كانوا يطلبون العلم في الأزهر إذ ذاك وإذا الزيارات تتصل بينهم وبين هؤلاء الشبان الأغنياء الأثرياء وصاحبهم معهم يزور ويزار، وترتقي حياته الاجتماعية كما ارتقت حياة أصحابه

س20: كيف يرى الشبان هذا الارتقاء

1- ولكن أصحابه لا يحسبون هذا الارتقاء ولا يكادون يشعرون به وهم إذن لا يتحدثون به ولا يتمدحون بزيارتهم لتلك البيوت الممتازة وجلوسهم إلى أصحابها النابهين، وإنما يرون ذلك شيئا طبيعيا مألوفا 0

2- فأما صاحبهم فهو الذي يراه المجد كل المجد، ويستمد منه الغبطة كل الغبطة والغرور كل الغرور ويستغله لبعض منافعه المادية أحيانا ويتحدث به دائما إلى من أراد أن يسمع له ومن يرد0

س21: كيف كان مصير الشبان وما مصير الرجل

1- وتمضي الأيام ويتفرق هؤلاء الطلاب، وقد أخذ كل واحد منهم طريقه في الحياة0

2- ولكن هذا الرجل لا يناسبهم ولا يسمح لهم أن ينسوه قد عجز عن تتبعهم في العلم فليتتبعهم في غيره مما تمتلئ به الحياة، يزورهم وإن لم يزورهم، ويلقاهم في زيارتهم عند فلان أو فلان من أصحاب المنزلة والثراء0

س22: لم خرج الإمام من الأزهر وما نتيجة ذلك  

1- وقد خرج الأستاذ الإمام من الأزهر في تلك المحنة السياسية المعروفة، وإذا صاحبنا متصل بالأستاذ وشيعته متصل بخصوم الأستاذ الإمام وشيعتهم أيضا 0

2- وقد أخذ الأزهر يضطرب ودخلت السياسة في ذلك الاضطراب واختصمت فيه السلطتان

3- وإذا صاحبنا يتصل بالمضربين مشاركا لهم في الإضراب،

4- ويتصل بخصوم الإضراب مفشيا لهم أسرار المضربين 0 ويتكشف الأمر ذات يوم وياله من يوم ‍‍، فضلا عن أن صاحبنا قد كان متصلا بالمحافظة،

5- فتقطع الصلة قطعا عنيفا بينه وبين أصدقائه، ويرد عن البيوت التي كان يسعى إليها ويستقل فيها،

س23: كيف كانت نهاية حياة ذلك الرجل وما موقف الشبان

1- ويقبع في غرفته تلك في الربع قد خسر الناس جميعا ولم يخسره أحد0 وقد قصرت به همته عن درجة الأزهر فهو ينفق حياته الخاملة وحيدا بائسا محتملا خموله على مضض مكتسبا عيشه في مشقة0

2- ثم ينبئ ذات يوم بأنه قد مات0 أمان من علة؟ أمات من حسرة؟ أم مات من الحرمان؟

3- ولكن أصدقاءه يسمعون النعي فلا يأخذهم وجوم ، ولا يمس نفوسهم حزن، وإنما يتلون هذه الآية الكريمة التي نتلوها دائما حين ينعى إلينا الناس :  "إنا لله وإنا إليه راجعون"0 

المصدر: الأيام
adelabdelkader

مع صدق النية لنفعكم [ عادل عبد القادر ]

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1291 مشاهدة
نشرت فى 9 أكتوبر 2011 بواسطة adelabdelkader

ساحة النقاش

عادل عبد القادر

adelabdelkader
معلم خبير (لغة عربية ) مدرسة (إمبابة الثانوية الرسمية لغات) »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

338,282