يقيناً أن إهتمام عزيز نيسين الملحوظ بأدب الأطفال كان أصيلاً، ونابعاً من إيمانه بالإنسان، وتفاؤله بالمستقبل؛ فبالإضافة الى كونه أحد أبرز كتاب الأدب الساخر، كان داعية متحمسّاً من دعاة أدب الأطفال، بل ومبدعاً لنماذج أثيرة ورائعة منه، ومن أبرزها مذكّرات طفولته (أنا أيضاً كنت طفلاً ذات يوم).
أدرك عزيز نيسين ضرورة وجود أدب خاص بالأطفال؛ وفنّد آراء القائلين بعدم ضرورته؛ مادام ثمة بعض الكتابات، التي تصلح لتلقّي الفئات العمريّة كافّة.
وطالما تمّت البرهنة على أن الكتابة للأطفال مهمّة صعبة، بل وهي أصعب مّما هي للكبار، في حقيقة الأمر! أمّا لماذا؟ فالجواب" لأن الكاتب يكون من الكبار، ويعيش في عالم آخر مغاير لعالم الأطفال، وقد إبتعد عن طفولته، وربّما نسيها؛ ولذا فإن الكتابة للأطفال في عالمهم الخاص أشبه ماتكون بالكتابة لغرباء خياليين من خارج الأرض؛ مما يستوجب الحال على الكاتب أن يحاول تخطّي حدود عالمه،والأنتقال الى عالم الأطفال بأقصى مايمكنه ذلك. ولكن كيف يمكن ذلك؟ إن البعض يصرّ على وجوب نزول الكاتب إلى مستوى الطفل ...وهذه فكرة خاطئة في نظري؛ إذ سيكون على الأرجح مثل بالغ يلعب لعبة أطفال،أي فعل محاكاة، وهو أمر لايمكن أن يكون طبيعياً، وبالطّبع سيكون العمل الأدبي غير طبيعي"
ولتذليل هذه الأشكالية في منظور نسين؛ فإن الكتابة للأطفال تتطلّب قدرة فنّيّة عالية لدى الأديب، قبل كل شيء؛" فهي مسألة تكنيك تماماً مثل دراسة قضيّة أو بحث. ولأنها مسألة تكنيكية فنية؛ فإن في وسع المرء أن يتعلّم ممارستها تماماً مثلما يمكنه أن يتعلّم مهارة كتابة التمثيليات" إلاّ أنه يستدرك قائلاً "وأنا لا أعني طبعاً أن كلّ من يحوز على المهارة؛ سينتج تمثيليات جيدة، أو كتب أطفال جيدة، وإنّما أعني أنه لابدّ من إكتساب المهارة؛ من أجل إنتاج كتب ذات مستوى رفيع،ومن ثمّ أن كتابة دراما للأطفال هي تحدّ مضاعف؛ فهاهنا ينبغي أن تمتلك قدرة تكنيكيّة لكتابة تمثيليات وتأليف قطع للأطفال، وإلاّ فإنك قد تستطيع أن تؤلّف مسرحية جيدة للأطفال بمحض الصدفة ..... ومع ذلك فإن غايتنا هي تجنب الإتّكال على الصدفة؛كى نتعلّم أن نكتب بوعي".**