تراويح 28 رمضان : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

التوبة حبل الله المتين :

 

أيها الأخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس يا أيها الذين آمنوا ، آية اليوم :

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) ﴾ .

( سورة التحريم )

أولاً التوبة حبل النجاة إن أغرقت الإنسان خطيئاته ، التوبة قارب النجاة أيضاً ، التوبة حبل الله المتين ، التوبة فيها الخلاص ، وما أمرك الله أن تتوب إلا ليتوب عليك .

 

من تاب إلى الله أحبّه الله لأنه سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :

 

بادئ ذي بدء هناك في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن التوبة ، وكل آية تأخذ منحى خاصاً ، أولاً الله عز وجل يطمئننا يقول :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)﴾ .

( سورة النساء الآية : 27 )

أنت حينما تتوب يحبك الله ، لأنك سعدت وسلمت في الدنيا والآخرة ، لذلك يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ .

( سورة البقرة )

يريد أن يتوب عليك ويحبك إذا تبت إليه لأنك قبلت عطاء الله ، خلقك ليسعدك :

﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ .

( سورة هود الآية : 119 )

 

حضّ الله عز وجل الناس على التوبة :

 

إذا كان الله عز وجل قد خلقك ليسعدك ، وأنت سعدت فاستجبت له يحبك ، ثم يحضك على التوبة :

﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ (74) ﴾ .

( سورة المائدة )

هذه أفلا حرف حض أفلا تتوب ؟ ألا تذهب معي ؟ فالله عز وجل يريد أن يتوب علينا ويحبنا إذا تبنا إليه ، ويحضنا على التوبة ، لكن يتوهم الناس أن التوبة تعني بشكل بسيط ساذج لمجرد أن تقول تبت ، لا :

﴿ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾

 ( سورة البقرة)

هناك حقوق يؤديها ، هناك تجاوزات يطلب السماح منها ، هناك تقصيرات سابقة يتممها :

﴿ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾

 ( سورة البقرة)

 

من ارتكب سيئة و لم يعلم أنها سيئة يتوب الله عليه لرحمته به :

 

الآن من رحمة الله بنا أنك إذا فعلت سيئة ولا تعلم أنها سيئة هذه سريعاً ما يتوب الله عليك منها :

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)

( سورة الأنعام)

هذه من رحمة الله بنا ، من ألطف ما قرأت في الفقه أن الإنسان إذا دخل في الإسلام اليوم وكان رمضان ولا يعلم أن مقاربة الأهل يفطر وقارب أهله لا شيء عليه ، حالة نادرة جداً ، يعني الله عز وجل يريد أن يتوب علينا :

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)

( سورة الأنعام)

 

من تمام التوبة أن تتوب من الذنب فور ارتكابه :

 

هناك نقطة دقيقة كلمة واحدة في آية لها حكم خاص يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (17) ﴾ .

( سورة النساء)

يعني عمل معصية نتوب ، الله كريم ، من هنا الله يفرجها :

﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (17) ﴾ .

( سورة النساء)

من تمام التوبة أنه لمجرد أنك علمت أن هذا ذنباً فوراً تتوب منه ، مركز الثقل في هذه الآية :

﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (17) ﴾ .

( سورة النساء)

قال تعالى :

﴿ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ .

( سورة النساء الآية : 17 )

 

إغلاق باب التوبة عند الغرغرة :

 

من هذا الذي لا تقبل توبته ؟ قال تعالى :

﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ﴾ .

( سورة النساء )

عندما يحضر الموت أغلق باب التوبة ، عند الغرغرة يغلق باب التوبة :

﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ .

( سورة النساء )

في بعض الأحاديث القدسية :

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه ، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه )) .

[ ورد في الأثر ]

 

الرابح الأكبر من طهره الله من ذنوبه قبل أن يأتيه الموت :

 

أيها الأخوة ، صدقوا أنك إذا وصلت إلى شفير القبر وقد طهرك الله من كل الذنوب أنت الرابح الأول ، أنت الرابح الأول حينما يأتي ملك الموت وترى مقامك في الآخرة تقول لم أرَ شراً قط ، والذي غرق في الملذات والشهوات والموبقات ويأتيه ملك الموت يكون معه ملايين مملينة ولم يدع متعة ما مارسها يقول لم أرَ خيراً قط ، لذلك البطولة لمن يضحك آخراً ، من ضحك أولاً ضحك قليلاً وبكى كثيراً ، أما من يضحك آخراً يضحك كثيراً ولا يبكي .

 

توبة الله عز وجل واسعة تشمل من عصى أوامر النبي الكريم ثم اعتذر منه :

 

هناك ملمح آخر بالتوبة :

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ (64)  ﴾ .

( سورة النساء )

يا محمد :

﴿ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)  ﴾ .

( سورة النساء )

هذا النبي العظيم الذي له سنة ، أنت حينما تعصي أمره ، وتخالف سنته ، وقد أرسله الله من أجلك ، فإذا ذهبت إلى مقامه الشريف فاستغفر الله وينبغي أن تعتذر إلى رسول الله لأنك ما طبقت سنته فدفعت الثمن باهظاً :

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ (64)  ﴾ .

( سورة النساء )

هذا هو التوحيد :

﴿ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ (64)  ﴾ .

( سورة النساء )

أي اعتذروا :

﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)  ﴾ .

( سورة النساء )

 

العالم من أفتى لنفسه بالشدائد و للآخرين بالرخص :

 

الشيء الأخير في هذه الآية :

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)

(سورة النساء)

هناك قصة تبين هذا المعنى بالضبط ، النبي عليه الصلاة والسلام  قال لأصحابه عشية معركة بدر : لا تقتلوا عمي العباس ، الإنسان الذي لا يعرف النبي عليه الصلاة والسلام قد يسيء الظن به ، هو بهذا التوجيه حابى أقرباءه ، فقال أحدهم في نفسه إن أحدنا يقتل أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه ؟ لأنه عمه .

والله سمعت عن أحد المفتين المتشددين تشدداً لا يحتمل في أمور الطلاق ، ابنته طلقت فدعا صهره إلى عالم آخر يعطيه فتوى بإرجاعها ، لماذا لم ترحم الناس طوال هذا العمر ؟ لما الأمر أصاب ابنتك بحثت عن عالم آخر يعطيك الفتوى بإرجاعها ، لذلك العلماء الكبار يفتون لأنفسهم بالشدائد وللآخرين بالرخص ، وبعض العلماء يفتون لأنفسهم بكل الرخص فإذا استفتوا يعطون العزائم فوق طاقة البشر ، هذا موقف لئيم ، لماذا تأخذ نفسك أنت بالرخص وتشدد على إخوانك ، لذلك :

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)

(سورة النساء)

أنا لا أفتي بالطلاق أبداً ، موضوع الطلاق أعتذر عن الفتوى فيه ، طبعاً هذه طرفة لو جاءني أخ طلق زوجته أقول له تريد أن ترجعها ؟ يقول إيه والله ، اذهب إلى العالم الفلاني ، لا أحب أن ترجعها اذهب إلى العالم الفلاني أنا أدله ، هناك عالم لا يسمح له أبداً رأساً يطرده .

 

على كل إنسان ألا يفتي إلا وفق ما أفتى به النبي عليه الصلاة والسلام :

 

أيها الأخوة ، التحريم يحسنه أي إنسان حتى ولو كان جاهلاً ، يقول احتياطاً كله حرام عنده ، التحريم يحسنه أي إنسان ولو كان جاهلاً ، سهلاً أخذ بالأحوط ، أما التحليل مع الدليل لا يحسنه إلا العلماء الكبار ، الحياة يجب أن تستمر ، منعته يسافر ، منعته يدرسه ، منعته يتعين في هذه الوظيفة ، بعد هذا يفتح على نفسه أبواب المعصية كلها ، لذلك التشدد غير المعقول يقابله تفلت غير معقول ، أنا أتمنى ألا يفتي الإنسان إلا وفق ما أفتى به النبي عليه الصلاة والسلام .

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)

(سورة النساء)

 

القوانين لا يمكن أن يُعمل بها رجعياً :

 

 

  • Currently 146/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
48 تصويتات / 1125 مشاهدة
نشرت فى 2 أغسطس 2009 بواسطة abozid

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,718