ابدعات لا تموت
من أروع القصائد التي قرأت
قصيدة لأمل دنقل .... شاعر الإبداعات
(لا تصالح) ...
فنظر كليب حواليه وتحسر ... وذرف دمعة وتعبر.. ورأى عبداً واقفاً أمامه فقال له: أريد منك يا عبد الخير ،قبل أن تسلبني أن تسحبني إلى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير لأكتب وصيتي إلى أخي الوزير ، سالم الزير فأوصيه بأولادي وفلذة كبدي ...
فسحبه العبد إلى قرب البلاطة ، والرمح غارس في ظهره والدم يقطر من جنبه ... فغمس كليب إصبعه في الدم وخط على البلاطة وأنشأ يقول
قصة الأمير سالم الزير
لا تصالح
(1)
لا تصالح ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك ثم اثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟؟؟
هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
حسكما – فجأة- بالرجولة
هذا الحياء الذي يكبت الشوق حين تعانقه
الصمت مبتسمين لتأنيب أمكما
وكأنكما ما تزالان طفلين
تلك الطمأنينةالأبدية : أن سيفان سيفك
وأن صوتان صوتك
وأنك إن مت: للبيت رب
وللطفل أب
هل يصير دمي بين عينيك ماء؟؟؟
أتنسى ردائي الملطخ
تلبس فوق دمائي ثياباً مطرزة من قصب
إنها الحرب
قد تثقل القلب لكن خلفك عار العرب
لاتصالح ولا تتوخ الهرب
(2)
لا تصالح على الدم حتى بدم
لا تصالح ؟ ولوقيل رأس برأس
أكل الرؤوس سواء ؟؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يد سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك
سيقولون جئناك كي تحقن الدم
جئناك كن ياأمير الحكم
سيقولون: ها نحن أبناء عم
قل لهم أنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
وإغرس السيف في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك :
فارساً... وأخاً ... وأباً... وملك !!!
الوصيةالثالثة (3)
لا تصالح ولو حرمتك الرقاد
صرخات الندامة
وتذكر......
(إذا ما لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهم الذين تخاصمهم الإبتسامة)
أن بنت أخيك اليمامة
زهرة تتسربل في سنوات الصبا بثياب الحداد
كنت إن عدت:
تعدو على درج القصر
تمسك ساقيّ عند نزولي
فأرفعها وهي ضاحكة
على ظهر الجواد
وهاهي الآن صامتة
حرمتها يد الغدر
من كلمات أبيها
ومن ارتداء الثياب الجديدة
ومن أن يكون لها –ذات يوم- أخ
من أب يتبسم في عرسها
وتعود إليه إذا ما الزوج أغضبها
وإذا زارها ... يتسابق أحفاده نحوأحضانه
لينالوا الهدايا
ويلهو بلحيته ( وهو مستسلم)
ويشدوا العمامة
لا تصالح
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العش محترقاً –فجأة-
وهي تجلس فوق الرماد !!!
(4)
لا تصالح
ولو توجوك بتاج الإمارة؟؟؟
كيف تخطوعلى جثة ابن أخيك؟؟؟
وكيف تصير المليك ...
على أوجه البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك فلا تبصر الدم في كل كف؟؟؟؟
إن سهماً أتاني من الخلف
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم –الآن- صار وساماً وشارة
لا تصالح
ولو توجوك بتاج الإمارة
إن عرشك : سيف
وسيفك : زيف
إذا لم تزن بذؤابته لحظات الشرف
واستطبت الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدام
(ما بنا طاقة لامتشاق الحسام)
عندما يملأ الحق قلبك
تندلع النار إن تتنفس
ولسان الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنس؟؟؟؟
كيف تنظر في عينيّ إمرأة
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها ؟؟؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟؟
كيف ترجو غداً لوليد ينام؟؟؟
كيف تحلم أو تتغنى بمستقبل لغلام؟؟؟
وهو يكبر –بين يديك – بقلب منكس؟؟؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وأرو قلبكبالدم
وأرو التراب المدنس
وأرو أسلافك الراقدين
إلى أن ترد عليك العظام
******
6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة باسم حزن الجليلة
أنتسوق الدهاء
وتبدي لمن قصدوك القبول
سيقولون :
ها أنت تطلب ثأراً يطول
فخذ الآن ما تستطيع
قليلاً من الحق
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك
لكنه ثأر جيل فجيل
وغداً
سوف يولد من يلسب الدرع كاملة
يوقد النار شاملة
يطلب الثأر ... يستولد الحق
من أضلع المستحيل
لاتصالح
ولو قيل أن التصالح حيلة
إنه الثأر
تبهت شعلته في الضلوع
إذاما توالت عليها الفصول
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوقالجباه الذليلة !!
(7)
لا تصالح ولو حذرتك النجوم
ورمى لك كهانها بالنبأ
كنت أغفر لو أنني مت
ما بين خط الصواب وخيط الخطأ
لم أكن غازياً
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدي لثمار الكروم
أرض بستانهم لم اطأ!!!
لم يصح قاتلي بي (انتبه)
كان يمشي معي
ثم صافحني
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!!!
فجأة.......
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين
واهتز قلبي –كفقاعة- وإنفثأ !!!
وتحاملت حتى احتملت على ساعديّ
فرأيت ابن عمي الزنيم
واقفاً يتشفى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربة
أو سلاح قديم
لم يكن غير غيظي الذي يتشكى الظمأ
(8)
لا تصالح
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة
النجوم .. لميقاتها
والطيور.... لأصواتها
والرمال... لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة
الصبا، بهجة الأهل، صوت الحصان، التعرف بالضيف، همهمة القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي، الصلاة لكي ينزل المطر الموسمي، مراوغة القلب حين يرى طائرالموت، وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كل شيء تحطم في نزوة فاجرة
والذي اغتالني ليس رباً
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني .. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني ... ليقتلني باستدارته الماكرة
لا تصالح
فما الصلح إلا معاهدة بين ندين
(في شرف القلب) لا تنتقص
والذي اغتالني محض لص
سرق القلب من بينعينيّ
والصمت يطلق ضحكته الساخرة
(9)
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك........ المسوخ
(10)
لا تصالح
لا تــــصـــــالــــــــــح
نوفمبر 1976 — امل دنقل
نشرت فى 18 أكتوبر 2015
بواسطة abkr
عدد زيارات الموقع
8,069