محمود سلطان | 19-03-2012 18:52

من يتابع كل ما صدر من الكنيسة المصرية، فى الشهور القليلة التى سبقت وفاة البابا شنودة، يلحظ أن ثمة تحولا لا يمكن تجاهله من "التشدد" إلى "الاعتدال".. وعاد صوت العقل ليتبوأ منزلته فى مجمل المواقف الأخيرة إزاء الخريطة السياسية الجديدة التى جاءت بها ثورة 25 يناير.

ويبدو أن سن البابا ـ 90 عامًا تقريبًا ـ ومرضه، قد أثرا كثيرا على سلطات ونفوذ "صقور" الكنيسة، وعلى التيار "المتشدد" داخلها.. وهو التيار الذى كان ثمرة الانقلاب "الفقهى" غير المسبوق، والذى اتسم بالإقصاء والعنف فى التعاطى مع تراث آباء ما قبل 1972.. وخلف قلقا اجتماعيا واسع النطاق، داخل الجماعة القبطية من جهة، وصدامات مع المجتمع المصرى خارج أسوار الكنيسة من جهة أخرى.

ومن المرجح أن يكون مرض البابا قد أفضى إلى انتصار "حمائم" الكنيسة على "صقورها".. ولعل اختفاء الأنبا بيشوى ـ وهو أحد سدنة التشدد داخل التيار الشنودى ـ عن مشهد النشاط الكنسى العام والمعلن.. قد يكون دلالة على تراجع مراكز القوى التى تدين بالولاء إلى البابا شنودة، وحملت رسالته ورؤيته لمستقبل مصر إلى "الداخل" و"الخارج".

قبيل وفاة البابا.. صدرت التصريحات الودودة من رجال "الأكليروس" إزاء الإسلاميين.. وتنامت مشاعر الارتياح الكنسى لفوز الإسلاميين فى الانتخابات.. واستعيد الوعى بوزن "الفزاعة" التقليدية التى كان يستخدمها مبارك لابتزاز الأقباط من جهة.. والدول الغربية من جهة أخرى.. إذ لم تعد "الشريعة" أو "الإخوان" مصدر قلق الأقليات الدينية.. بل إن بعض القساوسة بالغ فى ترحيبه بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأكد أن الأقباط سيكونون أكثر أمنًا تحت مظلة الحكام الإسلاميين الجدد.

تواتر المواقف تلتقى عند حقيقة التحولات الجوهرية والعميقة فى الأداء السياسى لواحدة من أخطر المؤسسات الدينية فى مصر، وقد تكون وفاة البابا ـ أو مرضه ـ هى المنعطف الأهم فى رحلة هذا التحول.. والتى جاءت بعد إزاحة مبارك العنيد والرئيس الأكثر دموية منذ يوليو 52، إذ بغياب الاثنين عن المشهد السياسى، قد أخلى المكان لواحدة من أهم الفرص التاريخية لولوج مصر عصر "الحداثة السياسية" والاستعلاء على التوظيف الانتهازى للطائفية سياسيًا وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية المصرية، باعتبارها هوية موحدة وغير مؤسسة على الفرز الطائفى.

لم يعد أمام الجماعة الوطنية المصرية، إلا أن "تساعد" الكنيسة على تجاوز "مرارات" الماضي.. وتعزيز تيار الاعتدال والإصلاح داخلها.. إذ تظل الكنيسة مؤسسة وطنية.. وتظل عافيتها جزءا أساسيا للحفاظ على عافية الدولة وأمنها وسلامها الاجتماعى.. هكذا علمتنا تجربة البابا الراحل.

[email protected]

اشتراكك في خدمة أخبار المصريون العاجلة على الموبايل يصلك بالأحداث على مدار الساعة

لمشتركي فودافون : أرسل حرفي mo إلى 9999 ـ الاشتراك 30 قرشا لليوم
لمشتركي اتصالات : أرسل mes إلى 1666 ـ الاشتراك 47 قرشا لكل يومين (23.5 قرشا لليوم)

 

اضف تعليقك
يجب ادخال اسم الاسم :

يجب ادخال عنوان عنوان التعليق:

التعليق:
يجب ادخال تعليق يجب ألا يزيد النص عن 500 حرف
أرسل التعليق


تعليقات حول الموضوع


وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئَاً .. صدق الله العظيم - 2/2

سمير كمال - كندا | 19-03-2012 19:21

سيدهم الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومعهم الصديقين (بزعامة أبى بكر) والشهداء (بزعامة عمر) وسوف نرى هناك فى المقدمة الأشعث الأغبر الذى لو أقسم على الله لأبره وسوف نرى فى المؤخرة -بإذن الله- أصحاب الفخامة الملوك والرؤساء والأمراء وطويل العمر وعريض القفا ممن تولوا أمور المسلمين فضيعوا أماناتهم وخانوا عهودهم .. ليست هناك صور ومقامات تعبيرية يوم القيامة بل كلها صور ومقامات حقيقية, فاللهم بيض وجوهنا يوم تسود الوجوه واجعلنا ممن ستنعم عليهم برحمتك وعفوك وغفرانك فى ذلك اليوم المشهود





وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئَاً .. صدق الله العظيم - 2/1

سمير كمال - كندا | 19-03-2012 19:20

أمس وأنا أقلب القنوات الفضائية فلا أجد إلا نواحاً وعويلاً على الأنبا شنودة وبطريقة مبالغ فيها لحد التفريط, تذكرت كيف نشر خبر رحيل ريحانة العلم أديب العلماء الإمام الغزالى فى ركن صغير من صفحة الأهرام الأولى بينما كان الخبر الرئيسى عن أحد مقابلات عرة البشرية مبارك والذى ما قابل أحداً إلا ليفرط فى حق أو يسفك دماً أو ينهب مالاً أو يخون قضية أو يهدر كرامة!! .. من أعظم مشاهد يوم القيامة قيام رب العالمين بوضع الموازين القسط, ساعتها سوف تعتدل مقامات البشر وسوف يتصدر

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 51 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,266