-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
الموت والحشر
-----------------------
عثمان بن جمعة ضميرية
الطائف
غير محدد
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- رحلة الدنيا واختبار الآخرة. 2- سؤال الإنسان عن عمره وشبابه وعلمه وحاله. 3- عاقبة هذا الاختبار في الآخرة.
-------------------------
الخطبة الأولى
وبعد: تظلنا في هذه الأيام استعدادات لألوف من الأبناء والطلاب الذين يتهيّؤون لدخول اختباراتهم الدراسية بعد شهور من العمل والجدّ والاجتهاد، فتجدون الكلّ ينشطون بأنواع النشاط والاستعداد، فالاختبار فيه شيء من الرهبة، وهو يحدَّد مصير صاحبه، فتغمره الفرحة بالنجاح، ويسود وجهه أو يعلوه الاكتئاب بالفشل والرسوب إن كان عنده كسَل أو تقصير.
نعم أيّها الاخوة المؤمنون، نعم أيها الأباء والأبناء، إن الموقف رهيب وإن المسؤولية عظيمة وكبيرة، ولكنها مهما كانت كبيرة ومهما كانت عظيمة ومهما كان الموقف رهيبا يبقى ذلك كله أهون وأسهل من الموقف العظيم بين يدي الله، ومن المسؤولية والاختبار الذي يكون بين يدي الله تعالى.
الكل فينا سيسافر سفرا بعيدا، بل سفرا نهائيا يودّع فيه هذه الحياة، ويترك فيها كل مكان يؤمله ويحبه ويسعى من أجله، ليقف بين يدي ربّ العزة تبارك وتعالى، وقد أخرج له كتابا يلقاه منشورا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا. يقف للاختبار الرهيب حقًّا والموقف العظيم حقًّا عند أحكم الحاكمين الذي يضع الموازين القسط ليوم القيامة ولا يظلم أحدا، واسمعوا إلى خطبة عتبة بن غزوان في ذلك: (إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذَّاء، ولم يبق منها إلا صُبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكِر لنا أن الحجرَ يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا، وَوالله لتُملأَنّ، أفعجبتم؟! ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام). فهل ترون ـ أيها المسلمون ـ أن استعدادنا لذلك الامتحان كان متناسبا مع أهميته وعظمته وقد خلقنا الله تعالى من أجله حيث قال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إَلاَّ لِيَعْبُدُونِ، ثَمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.
لقد أنعم الله تعالى على الإنسان بما لا يحصَى من النعم والخيرات والمواهب، قال سبحانه: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا، وأعطاه كلّ ما يساعده على اجتياز الامتحان بنجاح، وعندئذ اختلف الناس فمنهم من آمن ومنهم من كفر، منهم من اتقى وأطاع ومنهم من فجر وعصى، منهم من حقّق النجاح ومنهم من كتِب عليه الشقاوة والفشل.
وحسبنا ـ أيها المؤمنون ـ أن نقف عند بعض الأسئلة في هذا الاختبار الإلهي يوم القيامة، وقد عرفنا عليها النبي فلم يعد امتحانا سرّيًّا، بل أصبح مكشوفا معلوما حتى نهيّئ الإجابة الصحيحة بالعمل الصالح منذ هذه اللحظة التي نعيشها الآن، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟)). هذه هي الأسئلة الأربعة ـ أيها المسلمون ـ لعلكم تهيّئون الإجابة عليها عمليّا لتكون سببا للفوز والنجاة والفلاح.
إن الله تعالى قد وهبك ـ أيها الإنسان ـ عمرا مديدًا وحياة طويلة عريضة، هي منحة من الله، له فيها عليك جملة من الحقوق ينبغي أن تقوم بها، وحق الله عليك هو الطاعة والعبادة فقد قال لمعاذ: ((يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟)) قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا)).
فكيف أفنيتَ عمرك أيها الإنسان؟ وبأي شيء قضيته؟ في الطاعة أم في المعصية؟ في الخير أم في الشر؟ كنت غافلا لاهيا ساهيا، أم يقظا عاقلا فطنا في أمور دينك ودنياك؟ أما أمور الدنيا فما أظنّ أحدا منا يقصّر فيها حسب طاقته، أما أمور الدين فما أدري ـ والله ـ كم نحن مقصرون فيها.
والسؤال الثاني: ((وعن شبابه فيم أبلاه؟))، والشباب طائفة من العمر ومرحلة منه، ولكنه مرحلة متميزة بالقوة والفتوة والنشاط والقدرة أكثر من مراحل الحياة الأخرى، فهي مرحلة القوة بين ضَعفَين، ولذلك تكون موضوع مسؤولية أشد.
والسؤال الثالث: ((عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟))، يشمل فقرتين اثنتين، تحتاج ـ أيها الإنسان ـ إلى المال الذي سماه الله خيرا فقال عنه: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ. هذه الزينة وهذا المال الذي نسعى جميعا إليه: ما الطريق الذي سلكناه حتى نحصل عليه؟ هل أخذناه من حلّ أم من حرام؟ لقد حدّد لنا الإسلام طرائق للكسب الحلال، وحذرنا من طرائق الكسب الحرام، والكلّ فينا يعرف ما يجوز وما لا يجوز في المعاملات، فإن الحلال بيّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، ولأن الإنسان يحبّ المال حبّا شديدا، فقد يدفعه ذلك إلى أن يسلك كل طريق للحصول عليه، ولذلك جاءت الآيات والأحاديث تحذرنا من كل كسب غير مشروع، ومن أكل أموال الناس بالباطل، ومن الغش والربا والاحتكار، ومن السرقة والغصب، وتحذرنا من أن نكون عبيدًا للمال: ((تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)).
ويبقى الشق الثاني من السؤال: فيم أنفقت هذا المال الذي اكتسبته؟ فلا يكفي أن تكسبه من حلال، بل يوجب عليك الإسلام أن تنفق كذلك في الحلال، يوجب عليك أن لا تضعه إلا في باب مشروع أو في طريق حلال، فلا تنفقه على طعام حرام ولا على شراب حرام ولا على سماع حرام، فإن اشتريتَ ما لا يجوز سماعه أو الاستماع إليه فأنت آثم تعرض نفسك للعقوبة، وإن اشتريت طعاما لا يجوز أكله فتعرّض كذلك نفسك للعقوبة، إن أنفقته على الهوى والملذات والشهوات المحرمة فأنت معرّض لعقوبة شديدة، ففتّش عن طعامك وشرابك، وفتّش عن الأثاث في بيتك وعن الزينة فيه وعن كل نفقة تنفقها، فتش عن ذلك كله حتى تعرف هل أنت تنفق في حلال أم في حرام، فإن كان الحلال فأنت سعيد بذلك تفوز بموعود الله تعالى وجنته، وما أعظم ربحك عندئذ.
والسؤال الأخير: ((وعن علمه ماذا عمل فيه؟))، لقد أعطاكم الله تعالى عقلا وهيأكم لتلقي العلوم فتعلمتم، وليس المتعلّم كالجاهل، وليس البصير كالأعمى، فماذا عملتم في هذا العلم أيّا كان مستواه. إنك تعلم أن لك ربّا تعبده، وأن رسولا بعثه الله إليك، وأن دينا وشرعا نزله الله، وأن كتابا أوحى الله به إلى نبيه، فهل عملت بهذا العلم الذي تعلمته فأنقذت نفسك من الهلاك أم خالفت ما تعلّمت فعرّضتَ نفسك للمَقت والهلاك؟ والله تعالى يعاقب قوما لا يعمَلون بعلمهم فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ.
عن أسامة بن زيد قال: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه ـ أي: أمعاؤه ـ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟! ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)).
أيها المسلمون، هذا هو الاختبار قد عرفتموه وعرفتم أسئلته، وأنتم داخلون فيه، فإما إلى جنة وإما إلى نار، وإذا كانت الجنة عظيمة وإذا كان فضل الله واسعا ورحمته وسعت كل شيء فإن ناره رهيبة وعقوبته شديدة وأخذه أليم، وقد بين النبي صفتها فقال: ((ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم))، قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية، قال: ((فضِّلت عليهنّ بتسعة وستين جزءا كلّهنّ مثل حرّها))، وعن أنس قال: قال رسول الله : ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدّة قط)).
أيها المؤمنون، فإنه النار محفوفة بالشهوات التي تميل النفس إليها مع أنّ هلاكها في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعدّه الله لأهلها فيه، ثم جاء فقال: أي رب، وعزّتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفّها بالمكاره، ثم قال: يا بجريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيتُ أن لا يدخلها أحد، قال: فلما خلق الله النار قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، قال: فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك، لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفّها بالشهوات ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دَخلها)).
فاللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل أو اعتقاد، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل أو اعتقاد...
-------------------------
الخطبة الثانية
لم ترد.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 57 مشاهدة
نشرت فى 15 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

321,087