<!--<!--<!--

وصايا في التعامل مع العمال والخدم
-----------------------
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
الآداب والحقوق العامة, قضايا المجتمع
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
الرياض
17/5/1426
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الحكمة من تفاوت العباد في الأرزاق. 2- منزلة العمل والكد في الشريعة الإسلامية. 3- ضوابط شرعية في التعامل مع العمال. 4- الوصية بالعمال والخدم. 5- التحذير من الخلوة بالخادمات. 6- أخطاء ومحاذير يقع فيها بعض مكاتب الاستقدام.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقّ التقوى.
عباد الله، من حِكمة الربّ جلّ وعلا [أن] فَاوت بين الخلق في أخلاقهم، في أرزاقهم، في قُدُرَاتهم، في غناهم، في فقرهم، في إيمانهم، في كفرهم، فسبحان الحكيم العليم فيما يَقْضِي ويُقَدِّر: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38، 39]. فتفاوت العباد في هذه الدنيا دليل أوّلاً على كمال قدرة الربّ، وأنه القادر على كل شيء، ثم في هذا التفاوت مصالح عامّة للعباد، فلو أن الخلق كلهم على مستوى من الغنى أو مستوى من الفقر أو مستوى في الأخلاق أو في المدارك لم تتحقّق الحكم والمصالح، ولكنّ الله حكيم عليم: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون [الزخرف:32]، فالله فضّل بعض الخلق على بعض ليُسَخِّر هذا لخدمة هذا، ويسَخِّر هذا بالبَذْل لهذا، فسبحان الحكيم العليم فيما قضى وقَدّر.
أيها المسلم، ويتساءل المسلم عن علاقة العامل بصاحب العمل، وما هو موقف الشريعة من ذلك؟ ما موقف الشريعة من غَبْن العمل والعامل؟ وهل هناك في الشرع تنظيم لتلك العلاقة وإعداد لها؛ لتأخذ مَسَارها الصحيح، فترتفع عن الظلم والعدوان، وتغرز الأمانة في نفس العامل، وتمنع رَبّ العمل من ظلم وطغيان وتَعَدّ؟ نقول: نعم أيها المسلم، شريعة الله جاءت بما يحقّق للبشرية السعادةَ في الدنيا والآخرة، جاءت بالتوازن الحقّ والاعتدال الحقّ في كل الأحوال.
فأوّلاً من حيث العامل ورَبّ العمل، فشريعتنا جاءت بما يحقّق هذه المصلحة للطرفين معًا:
فأوّلاً: العمل في شريعة الإسلام له منزلته وفضله، والكسب الذي يناله العامل من أجل عمله هو من أفضل المكاسب وأجلّها، يقول : ((خير مال الرجل عمله بيده، وكل بيع مبرور))(1)[1]، فخير كسب يناله العبد ما كان هذا الكسب ناتجًا من عمل يده وعرق جبينه، فذاك عزُّه وشرفُه وفضلُه، فهو أولى له من أن يسأل الناس ويذِلّ لهم، وفي الحديث: ((لو أن أحدكم أخذ حَبْلَه فأتى بحطَبٍ فباعه فأغنى به نفسه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))(2)[2]، فالعامل شريك في نفسه إذا أدّى عمله بصدق وإخلاص، واتقى الله في ذلك، فمكاسبه مكاسب طيبة، مكاسب شريفة، مكاسب تصحبها عزّة النفوس، عزّة النفس وعلوّها وابتعادها عن الذلّ والهوان باستعطاء الناس والالتجاء إليه.
ثانيًا: أَمَرَ اللهُ العاملَ ورَبّ العمل بالتزام العقد الذي بينهما، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فرَبّ العمل يلتزم بالعقد بينه وبين العامل من حيث الأجرة، من حيث نوع العمل، من حيث مقدار العمل، حتى يكون الأمر واضحًا للجميع، فرَبّ العمل مطلوب منه أن يوفي بالعقد الذي التزمه بينه وبين العامل التزامًا كليًا؛ لأن هذا من الأمانة، وإذا خالف ذلك كان من الخائنين، ومن أخلاق المنافقين الذين إن حدّثوا كذبوا، وإن وَعدُوا أخلفوا، وإن ائتُمِنوا خانوا، ثم العامل واجب عليه الالتزامَ بتنفيذ ما جرى العقد عليه بأمانة وصدق وإخلاص، فإذا أدّى العامل ورَبّ العمل أدّى كلّ منهما الحق الواجب عليه فإن الأمور تسير على خير بتوفيق من الله.
وأمر آخر حَثّ الإسلامُ رَبَّ العمل أن يوفي العامل أجره، ويسارع في ذلك، فيقول : ((أدّوا العامل أجره قبل أن يجفّ عَرقُه))(3)[3]. فالتّمَاطُل بالعُمّال وتأخير مُستحقّاتهم، وجعلها أشهرًا عديدة مع أن رَبّ العمل يملك القدرة، لكن التهاون والتلاعُب واستغلال المال في مصالِحِه، وأولئك يرجون منه تسديد حقوقهم في وقتها، [و]هو لا يبالي، بل بعضهم يُلجِئهم إلى الشِّكاية، أو يُلجِئهم إلى التنازل عن بعض حقوقهم ظلمًا وعدوانًا، وتلك عواقبها سيّئة ووخيمة.
وأمر آخر أنه يحرم عليه أن ينقص من حقوقهم شيئًا إذا أدّوا الواجب عليهم، في الحديث يقول : ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ))، ذكر منهم: ((رجلاً باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجلاً استأجر أجراء فاستوفى منهم حقّه، ولم يعطهم حقّهم، ورجلاً عاهد بي ثم غَدَر))(4)[4]، فهؤلاء فالله خصمهم يوم القيامة، خصم صاحب العمل الذي أتعب العامل، واستوفى الحقّ الكامل، ثم ماطل بالحقوق وجحدها وظلمها، واختفى عن ذلك العامل، وأبدى من الحيل والخداع والتدليس والتلبيس ما لا يخفى، والله مُطّلع عليه وعلى سريرته.
وفي شريعة الإسلام ثناء على رَبّ العمل الذي أدّى الحق الواجب عليه، وأنّ أداء حقوق العمّال بصدق سبب لإجابة الدعاء والنجاة من الكربات والأزمات، أخبرنا نبينا عن قصة النفر الثلاثة الذين آواهم المَبِيتُ إلى غار، فانحدرت صخرة سدّت عليهم ذلك الغار كله، ولا يستطيعون أن يُزَحْزِحُوها، ولا يُعلَم بهم من ورائها، فلما ضاقت بهم الحيلُ التجؤوا إلى الله، وتوسّلوا إليه بصالح أعمالهم، وهم ثلاثة، فأحدهم قال: ((اللهم تعلم أني استأجرت أُجَراء، فأعطيتهم حقوقهم إلا واحدًا ترك الذي له ومضى، فثَمّرتُه حتى حصل منه إبل وبقر وغنم ورَقِيق وحَرْث، فجاء ذلك العامل بعد حين فقال: يا عبد الله، أعطني حقي. قال: كل ما ترى من إبل وبقر وغنم وحَرْث ورَقِيق فهو لك. قال: أتستهزئ بي؟! قال: لا. قال: يا رب، فأخذه كله، ولم يُبقِ منه شيئًا، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فخلّصنا مما نحن فيه. فارتفعت الصخرة، وخرجوا يمشون))(5)[5]. هكذا ثواب الصادقين، أهل المعاملة الصادقة والأمانة والإخلاص.
وبضدّه من حاول التهرّب عن الحقوق لابد أن يُصاب بمَحْق في مكاسبه، وخسارة في صفقته التجارية، مع ما عند الله له من الوعيد ودعاء المظلومين، ودعوة المظلوم يرفعها الله، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول: ((وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين))(6)[6]، فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، كما قال لمعاذ: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))(7)[7].
أيها المسلم، إن الواجب على المسلم حينما يستخدم عُمّالاً رجالاً ونساءً أن يتّق الله في أولئك الخَدَم، تقوى لله فيما بينه وبين الله، فأوّلاً يعلم حاجة أولئك وفقرهم وحاجتهم، وأنهم إنما تركوا الوطن والأهل والولد لأجل طلب المعيشة، لأجل العادة والحاجة، جاؤوا من أقطار الدنيا طلبًا للمعيشة، فواجبٌ الرّفقُ بهم، والحِلم عليهم، وأن تدعوهم إلى الله جلّ وعلا، وأن تصلح ما لديهم من أخطاء ومخالفات شرعيّة، وأن تكون سببًا في استقامة أحوالهم وتهذيب سلوكهم والحرص على دعوتهم إلى الله، فعسى الله أن يهديهم على يديك، فيقول لعلي: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم))(8)[8]، أن تعاملهم بالرّفق في الأمور كلها، يقول : ((إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، ومن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يَطْعَم، وليلبسه مما يَكْتَسِي، ولا تُكلّفوهم ما لا يطيقون، وإن كلّفتموهم فأعينوهم))(9)[9].
ومحمد ضرب أروع المَثَل في التعامل مع الخَدَم، فيحكي خادمه أنس بن مالك عن سيرته معه وعن تعامله معه، يقول: (خدمته عشر سنين، والله ما قال لي لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟! ولا لشيء لم أفعله: لِمَ لم تفعله؟!)(10)[10]. هكذا كان .
إن أولئك قد تكون عندهم أخطاء وشيء من المخالفات سببه الجهل والبعد عن مَنَار العلم، فإذا استغلّ صاحبُ العمل أولئك دعاهم إلى الله، وشجّعهم على فعل الخير وعلى أداء الصلوات، وفقّههم في دين الله، جمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة، وذاك يسير على من يسّره الله عليه.
أيها الإخوة، ثم قضية أخرى وهي قضية الخادمات، تلك المشكلة التي يعاني منها بعض البيوت، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
اعلم ـ أيها المسلم ـ أن هذه الخادمة في بيتك هي حُرّة ليست رقيقةً لك ولا مُلْك اليمين، هي حُرّة عفيفة ليست مُلكًا لك، ليست رَقِيقةً عندك، هي حُرّة جاءت للخدمة. فاحذر ـ أيها المسلم ـ أن تُسيء إليها، وأعظمُ الإساءة ـ والعياذ بالله ـ ما قد يقترفه بعض أولئك من استمتاع بأولئك الخادمات، واتخاذهنّ للمتعة، وهذا أمر خطير، ومنكر كبير، وزنا وفجور، والعياذ بالله.
أيها المسلم، هل ترضى الزنا لأمك؟! وهل ترضاه لبناتك وأخواتك وزوجاتك؟! إنك تنفر من ذلك، فاتق الله فيمن تعامل، واعلم أن ما تفعله من منكر فيُخشَى أن تدور الدائرةُ عليك، وأن يُعامَل أهلُكَ كما عاملتَ الآخرين، فعفُّوا تعفّ نساؤكم، هذه خادمة ليست زوجة، لا يحلّ لك التمتع بالنظر إليها، ولا يحلّ لك أن تخلو بها، ولا يحل لك أن تُجرِي معها أحاديث، ولا يحل لك أن تبقى في المنزل أنت وإياها وحدك، فالشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
تَرَفَّع أخي عن هذه الدنايا، تَرَفَّع عن هذه الرّذائل، ابتعد عن هذه النقائص، عفّ نفسك، واجعل بيتك بيت عَفَاف وصيانة، لا بيت خَنَاء ودَعَارة والعياذ بالله. اتق الله في نفسك، وحافظ على من عندك كما تحافظ على زوجاتك وبناتك، فتلك الأمانة الصادقة، وإن خُنتَ فاعلم أنه قد تُدَارُ الدائرةُ عليك، وقد تُبتلَى في زوجاتك وبناتك، أسأل الله لنا ولكم العافية.
أيها الإخوة، إن مكاتب الاستقدام هي مسؤولة أحيانًا عن كثير من الأخطاء، وعن كثير من المخالفات، فمكاتب الاستخدام أحيانًا لا يبالون بمن يأتون به، ولا يُدقّقون فيمن يأتون به، ولا فيمن يتعاقدون معه، لا يسألون عن أخلاق من يأتون به، ولا عن سيرتهم، ولا عن أحوالهم، ولا هم أصحّاء أم مرضى؟ سُقماء أو فيهم عافية؟ هو لا يهتمّ بذلك، ربّما زَوّرَ شهادات كاذبة صحّية، يثبت بها البُعد عن البلاء، وذلك المستقدَم يحمل بلاءً عِدائيًا، بلاء يُعدِي، لكنّ مكتب الاستقدام لا يهتم بهذه الأمور، مهمّته أن يجلب عُمّالاً ذكورًا وإناثًا، الصلاح أو عدمه هو لا يُدقّق ولا يهتمّ بشيء من هذا.
ومن أخطائهم أحيانًا تلاعبهم بالخَدَم فهم يأخذون من هذا، ويؤجّرون على هذا، فإذا لم تصلح الخادمة لشخص أخذوها وأجّروها بأجرة أخرى، يأخذون ما زاد ولا يعطون العامل إلا الأقل، ولا يعلمون أن هذا حرام، وأن أكلهم لهذه الزيادة من المآكل الخبيثة والمكاسب السيئة.
أمر آخر أيضًا مما يخطئ فيه مكاتب الاستقدام، ويتعاونون مع بعض ضعفاء الضمائر لاستجلاب من لا حاجة له، ومن لا تدعو الحاجة إلى حضوره، لكنهم يأتون بهم ثم يتركونهم سائحين في الطرقات؛ ليعملوا ما شاؤوا مقابل قسط من المال شهريًّا أو سنويًّا يأخذونه من ذلك العامل، هذا العامل سُرّح في الطرقات إذا عجز عن المكاسب ربّما سلك الطرق المُلتوية لأجل تحقيق المصلحة المادّية له، ثم لذلك المكتب الاستقدامي أو المستقدم الذي يريد أن يكوّن ثروة من عرق جبين الآخرين، فما أقبحه من مكسب! وما أرذله من مال!
أيها المسلم، لنكون متّقين لله في أحوالنا، ولنكن حريصين على أمن أنفسنا وبيوتنا وأهلينا ومجتمعنا عمومًا، إن هذا التصرّف الخاطئ بهذه الأمانات وعدم المبالات وعدم التطبيق للأنظمة التي وضعها ولاةُ الأمر إنما يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا, فليتق المسلمون ربهم، وليكونوا أعوانًا على البرّ والتقوى، وليحذروا أن يكونوا أعوانًا على الإثم والعدوان، وليعلموا أن المكاسب المادّية إذا لم تكن مكاسب نظيفة خالية من الحرام إذا لم تكن كذلك فلا خير فيها، فالمكاسب الخبيثة مآلها محقُ البركة وعدم الانتفاع بها.
فلنتق الله في أنفسنا، ولنعلم أن الخدم ليسوا ملكًا لنا وأرِقّاء، جئنا بهم بأجرة معيّنة، فلندفع لهم استحقاقهم، أما أن نأجّرهم من هنا وهناك، ونكتسب من وراء تأجيرهم، ونأخذ منهم ما زاد على ذلك، فبأي سبيل نستحلّ؟! بأي سبيل تستحلّه؟! أنت أتيت به بستمائة ريال مثلاً، وتؤجّر الخادمة بألف ريال أو ثمانمائة، هذا الزائد لماذا تستحلّه؟! ليس ملكًا لك، وليس هذا رقيقًا تحتك، هذا مسلم مثلك، كون الله فضّلك بالغنى والعطاء لا تظنّ بذلك أنك أعلى منزلة منه، فَعُلُوّا المنزلة إنما عند الله بالتقوى والعمل الصالح، فعامل المسلم، بل عامل بني الإنسان عمومًا بالعدل والإنصاف، فإن الله أمرنا بذلك: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90]. أما الظلم والعدوان والتحايل من مكاتب الاستقدام ومن يتعاون معهم ممن يتستّرون على المجرمين، ويتغاضون عن المفسدين، فهؤلاء بالحقيقة ساعون في الأرض فسادًا.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وأن يعيننا وإياكم على كل خير، وأن يجعلنا وإياكم ممن أدّى الأمانة التي ائتمنه الله عليها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، كما يحبّ ربّنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى الدين.
وبعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيتها الأخت المسلمة ربّةَ البيت، أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على مَن عندك من الخادمات محافظة كما تحافظين على بناتك وأولادك، حافظي عليهن، ولا تمكنيها من البقاء مع الزوج منفردة، وكوني عينًا ساهرة على أخلاقها وقيمها، فأنت راعية مسؤولة عن رعيتك، فاحذري أن يتحوّل البيت إلى بيت فجور وبِغَاء، حاولي بكل إمكان تأديب هذه الخادمة بالتوجيه والتعليم على أن تبقى بعيدة عن الاختلاط بالرجل وعن الخلوة به، ولا تمكّينها من الذهاب معه وحده في أي مسار، حاولي إخلاصًا وصدقًا أن تُبعدِيها عن هذه الرذائل، فقد يخدعها ذلك بشيء من المال، وقد يُغَرِّر بها، فكوني عينًا ساهرة على الأخلاق؛ لأن البيت إذا عُمِر بالعفّة والصيانة كان بيتًا طاهرًا نقيًّا، احذري أن يتحوّل الأمر إلى خلاف الشرع فتصابي في نفسك أو في بناتك بمصيبة، حاولي قدر اجتهادك عَزْلَ هذه الخادمة عن الشباب الكبار، وعن أي شيء، حاولي إرساء العفّة والتحذير من السوء، وأن تكوني دائمًا ذات رقابة على هؤلاء، فهنّ أمانة في الأعناق، فاحذري خَدْش الكرامة، واحذري التهاون، واحذري الإذلال والتسلّط بغير حق، فإن الواجب عليك وأنت راعية ومسوؤلة عن رعيّتك مسؤولة عن أهل بيتك، البيت أمانة في أعناق الأمهات، في أعناق رَبّات البيوت، فإن لم تكن رَبّة البيت ذات دين وحَزْم في أمورها كلها تفلّت البيت، وضاعت القيم والأخلاق.
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم بالإسلام، وأن يثبتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وأن يحصّن فروجنا، ويحفظنا من مخالفة الشرع، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد ...
__________
(1) أخرجه من حديث أبي بردة رضي الله عنه: أحمد (3/466)، والطبراني في الكبير (22/197)، والحاكم (2158)، والبيهقي في الكبرى (5/236)، وفي الشعب (1226)، وأعلّه بالإرسال جماعة من النقّاد، وله شواهد من حديث رافع بن خديج والبراء وابن عمر رضي الله عنهم لا تخلو جميعها من مقال، انظر: التلخيص الحبير لابن حجر (3/3)، وقد أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (607).
(2) أخرجه البخاري في الزكاة (1470، 1480)، ومسلم في الزكاة (1042) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه ابن ماجه في الأحكام (2443) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بسند ضعيف جدًّا، فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه الطبراني في الصغير (ص9) من حديث جابر رضي الله عنهما، وسنده أيضًا ضعيف، فيه محمد بن زياد الكلبي وشيخه شرقي بن القطامي ضعيفان، ولكن صحّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطحاوي في شرح المشكل (3014)، والبيهقي في السنن (6/121)، انظر: الإرواء (1498).
(4) أخرجه البخاري في الإجارة (2270) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) أخرجه البخاري في الإجارة (2272)، ومسلم في الذكر والدعاء (2743) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) أخرجه أحمد (2/445)، والترمذي في الدعوات (3598)، وابن ماجه في الصيام (1752) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث حسن"، وصححه ابن خزيمة (1901)، وابن حبان (7387)، وضعّفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1358).
(7) أخرجه البخاري في الزكاة (1496)، ومسلم في الإيمان (19) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2942)، ومسلم في فضائل الصحابة (2406) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(9) أخرجه البخاري في الإيمان (29)، ومسلم في الأيمان (1661) من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه.
(10) 10] أخرجه البخاري في الوصايا (2768)، ومسلم في الفضائل (2309) بنحوه.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 7 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

321,026