قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل العاشر } الطاغية

الأقْيالُ والأذْواءُ هم أكابر حِمْيَر واليمن وأشرافها ـ كان الملك المنتحر عمرو قد أُصهِرَ( تزوج)ابنة قِيلٍ من الأقيال. اسمه ذو الشناتر غليظ القلب سيئ الخُلُقِ مُخادِع شديد المكر.يبدو لك أكرم الناس وأصدقهم وأرحمهم. وهو يحمل بين جنبيهِ صخْرا لا قلبا. انخدع به الملك تُـبَّـع فاختار ابنته تُماضُر زوجا لابنه المنتحر(عمرو قاتل أخيه) وكانت تماضُر بارعة الجمال ذكية القلب شديدة الحنان ـ فأنكرت من زوجها الغدرَ بأخيه لكنها لم تجْرُؤ أن تُظْهِرَ ذلك.فنفرت من زوجها حين خضّب يده بدم أخيه واعتلى العرش على جُثّته.فلمّا سُلِطَتْ عليه شياطين الانتقام وقتل نفسه لم يجد من يبكيه ِسوى تماضُر.وكانت قد أنجبت منه َصبيا لم يبلُغ الرابعة. وكان لزوجها أخٌ لم يبلُغ السابعة.فقامت على تربية الصّبيينِ ومنحتهما من الحبِّ والحنان ما كان يملأ قلبها الرَّحْب الرفيق كأحسنِ ما تكون الأم. ولا تتمنى من الدنيا غير ذلك فلا تريد مُلْكا ولا عَرْشا .لكنّ ذا الشناترِ (والدَها) القاسِى الجشِع كان يُفَِكر فى المُلْكِ لنفسه.غير أنه أظهر المحافظة على العرْشِ لابن الملك المنتحر(الصبى عُمَيْر بن عمرو) فأعلن نفسه وَصِِيَّا على العرش وأعلن حِمايته على الأسرة المالكة( بهذه الوِصاية ). وخدع الجميعَ فأظهر نهجا صالحا فى أول الأمر. لكنّ استبداد الأقيال والأذواء وطُموحَ العُظَماءِ قد أغراه بالشِّدة والبأس.فاندفع إلى الطُّغْيانِ.واصطفى لنفسه من الجُنْدِ والقادة قوْما يسْبِغُ عليهم النعمة والعطاءَ ليكونوا عَوْنا له على غيرهم. فهو يُغْرِى ويُغْوِى ويَمكُرُ ويَكيد ويضرب بمن أطاعه من عصاه. ويبعثُ الخوْفَ والهيْبة والرغْبَة والرجاء. فخضعت له أشرافُ اليمن وحِمْيَر وكان شديدَ الرِفق بمن أطاعه عنيفا شديدَ البأس بمن عصاهُ. فاغتصبَ المُلْكَ لنفسه وتخلَّص من معارضيهِ. وحَبَسَ ابنته والصبيين فى قصربعيد.(هو إلى السجن أقرب).وأقام عليهم حُرّاسا غِلاظا شِدادا. ثم أمْعَنَ فى الناس إذلالاً وفى أعْراضهم انتهاكا.وفى الحُرُماتِ اعتداءًَ . يضرب فئة بفئة حتى أذلَّ اليمنَ وأهلَه.

أصبح قصْرُهُ بيئة للشر والإثم. ثم خطر له خاطرٌ شيطانىٌّ بأن يتخلّصَ من ابنته وسِبْطه(ابن بنته) عُمَيْر والفتى( زُرْعة ) بن الملك الراحل تُبّع بعد أن نَسِىَ أمرهم. فأقدمَ ويا شرّ ما أقدم وعزمَ ويا سُوءْ ما عزم فأمر بقتل ابنته وسِبْطِهِ خنْقا حيثُ هما بالقصر البعيد . وأمر بإحضار الفتى ( زُرْعة )

رأت تُماضُر ابنها يُخْنق بين يديها ورأى( زُرْعةُ) أُمّه التى قامت على تربيته تُخْنَقُ أمامه. فانتظر دوره ، لكنّه حُمِل إلى قصر الملك راغما. فاستقبله الملك ذو الشناتر بأطيب ما يكون الترحيب.وأخذ يؤكد له أنه يُجَهزُِهُ ليكون مَلِكا على بلاده. لكن الفتى أوجس منه خيفة بعد أن قتل ابنته وسِبْطه.وأحسَّ ذو الشناتر ريبة الشاب(زُرْعَة) فأفهمه أنه قتل ابنته وسِبْطَهُ ليجعل المُلْكَ خالصا لابن تبّع. وأنه سيُخْضِعُ له الجُنْدَ والعُظَماء ثم يُسَلِمُهُ مُلْكَ أبيه ويعود واحدامن أتباعه كما كان لأبيه.فأظهر الفتى أمناً بعد خوف.وثقةً بعد شكّ ورِضاً بعد إنكار. هنالك أخذ الشيخ الآثم يُغْريه ويُغْويه ويُحَبِبُ إليه اللذة والفجور. وهو يُضْمِرُ له أقبح المكر والكيد.

عزم ذو الشناتر على أمْرٍ خطير وهيّأ الفتى نفْسَهُ لأمرخطير أيضا ( لأنّ المواجهة قادمة لا مناص) وما ارتفع الضُحَى حتى أقبل رسولُ الملك يدعو الفتى إلى مُنادَمَتِهِ الخَمْرَ فأظهرَ الفتى طاعة واستجابة سريعة ليس فيها تردُد. ومضى الفتى إلى شُرْفَةِ الملك التى يُمارسُ فيها اللهو والعبث. وصَعَدَ إلى شُرْفَةِ الموتِ . فكان بينهما حديثٌ لم يطُلْ ومعاقرةٌ للخمر لم تتَصل. ثم همَّ الشيخُ بأمر. وأقدم الفتى على الأمر وانصرف الفتى بعد ساعة. فلما رآه الجُنْدُ خارجا حزنت قلوبهم أن يصلَ أمر بن تُبّع إلى هذا الذلِ والهوان. لكنهم عجبوا فقد كان الفتى رافعَ الرأسِ لا يغُضُ طَرْفا(عينا) هنالك سأله أحد الجنْدِ كيف تركت الملك؟ فقال فى صوْتٍ حازمٍ : دُونك الملك فاصْعدْ إليه وسَلْه(اسأله) كيف تركْتُهُ ؟ ثمّ مضى هادئا مطمئنا.فصَعَدَ أحدُ الجُنْدِ إلى الشرفة وما كاد يبلُغُها حتى صاح فى فزع : ألا إنّ ا بن تُبّع قد قتل الطاغية واستردّ مُلْكَ أبيه . وقد كان الخنجر قد أُغْمِدَ فى صدره وتفجّر دمه كالينبوع .. ترى ما سِرُّهذا الخنجر الذى اختصّ بإذهاق النُفوس؟.. نكمل إن شاء الله

عبد القدوس عبد السلام العبد   موبايل 01092255676

المصدر: كتاب على هامش السيرة { د / طه حسين }
abdo77499

مدير مرحلة تعليمية بالمعاش بدرجة مدير عام

  • Currently 39/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 227 مشاهدة
نشرت فى 6 يناير 2011 بواسطة abdo77499

ساحة النقاش

HAKIM

جميل أن يجد التراث حاكيا خفيف الظل مثلك . حلقات تصلح ملحمة لو وجدت المخرج المثقف . تصلح أيضا حلقات إذاعية ويمكن أن تتلفز. مادة دسمة أيضا لمؤلف القصة القصيرة يعطيها الشكل السلس الحديث .
د.عبد الحكيم عبد السلام العبد

Abd Elkodous Abd Elsalam

abdo77499
»

فهرس موضوعات المقالات

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

75,657