جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
إذا كانت العقيدة اليهودية العنصرية، التي تدعى أن اليهود هم الشعب المختار والمقدس والمعصوم، دون كل الشعوب، وفوق جميع الشعوب، وضد سائر الشعوب، قد جعلت اليهود يتصرفون مع كل الأغيار والآخرين تصرف الفعال لما يريد، والذي لا يُسأل عما يفعل! (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) [آل عمران: 75] فلا تطبق عليهم قرارات المنظمات الدولية - من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن- .. ولا اتفاقيات جنيف لعام 1949م.. ولا مواثيق حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي..
إذا كان هذا هو حال العنصرية اليهودية.. فيبدو أن رعاة البقر الأمريكان قد أرادوا منافسة اليهود في هذا الميدان، فحسبوا -وهم الأقوى- أنهم الأحق بأن يكونوا شعب الله المختار!..
- يلوثون العالم، ويخرقون الأوزون، دون أن يخضعوا لمواثيق البيئة التي ارتضاها العالم..
- ويستخدمون الفيتو بإسراف، على النحو الذي يجهض إرادة ما يقرب من مائتي دولة تمثل الأسرة الدولية في الأمم المتحدة..
- ويتحدون الإنسانية في التفرد باستخدام الأسلحة الذرية ضد المدنيين في مدينتي "هيروشيما" و"نجزاكي" 1945م.
- ويمرقون ضد العالم في العودة إلى دوامة سباق التسلح، بالدرع الصاروخي..
- ويقسمون العالم -وفق هواهم.. ودون شورى أو ديمقراطية- إلى "خير وشر" و"سلم وإرهاب" و"تحضر وبربرية".. جاعلين أنفسهم ومن رضوا عنه وتبعهم الخير والسلم والتحضر.. وجاعلين الأغيار هم الشر والبربرية والإرهاب..
- ويعطون أنفسهم الحق في شن الحروب الاستباقية ضد الحكومات التي لا تعجبهم، ضاربين عُرض الحائط بمبدأ سيادة الدول الوطنية والقومية على أرضها.. وهو المبدأ الذي قامت على أساسه الشرعية الدولية منذ نشأتها وحتى الآن..
- وأخيرا.. يريدون تقرير العصمة لجنس الأمريكان! يفعلون ما يريدون، ولا يُسألون عما يفعلون أمام المحكمة الجنائية الدولية التي ارتضتها الإنسانية حكمًا وحاكمًا في الخروج على قواعد ومواثيق حقوق الإنسان..
يبدو أن رعاة البقر الأمريكان قد قرروا منافسة اليهود في عقيدة أنهم شعب الله المختار، بل والاستئثار بهذه العقيدة العنصرية دون الأمم والشعوب، بمن فيهم أداتهم الصهيونية وإسرائيل!..
إمبريالية مقدسة .. !
ففي كتاب (أمريكا وبريطانيا في نبوءات الكتاب المقدس) للقس الأمريكي "هيربرت أرمسترونج" - والذي طبعت منه خمسة ملايين نسخة في أمريكا.. والذي روج له مؤلفه من خلال برنامج "العالم غدا" الذي كان يذاع على أربعمائة قناة تلفزيونية في جميع أنحاء العالم - .. في هذا الكتاب نرى التأسيس الديني لدعوى أن رعاة البقر الأمريكان، ومعهم الإنجليز، هم شعب الله المختار، الذي يملكون حق وعد الرب لإبراهيم عليه السلام.. فهم الذرية الإبراهيمية التي قطع الرب لها هذا العهد التوراتي، بذلك الميراث المقدس.. وهم الذين جعلهم الرب حملة رسالة استعمال العالم!!.. وفي مقدمته أرض فلسطين، ليعود المسيح عليه السلام حاكما للعالم في الألفية السعيدة التي تحدثت عنهاالنبوءات!..
وإذا كان هذا التحريف لتفسيرات النبوءات - التي هي في الأصل من وضع الأحبار والحاخامات اليهود- هو واحد من "عجائب الفكر".. فإن وضع رعاة البقر الأمريكان لهذه العقيدة العنصرية في التطبيق - بإعلانهم أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الإمبريالية الأمريكية - يدعونا إلى النظر في مقولات هذا الكتاب، الذي وضعه القس الأمريكي كي يؤسس لهذه النزعة العنصرية، ويجعلها دينا يتدين به اليمين الديني الذي يحكم أمريكا هذه الأيام..
الأمريكان .. وليس اليهود!
- يبدأ صاحب كتاب (أمريكا وبريطانيا في نبوءات الكتاب المقدس) من الأسطورة التي أراد بها حاخامات اليهود تأسيس العنصرية والامتياز لشعب الله المختار، أسطورة وعد الله لإبراهيم، عليه السلام، بأن يجعل له من الذرية أمما كثيرة.. ونسلاً كثيرا جدا.. وأن يعطي الأرض التي أراها لإبراهيم لهذه الذرية.. وأن ترث هذه الذرية بوابات مدن أعدائها، أي تغزو وتستمر مدن الأعداء [سفر التكوين 17: 1/6، 22: 16/18].
- ثم يشرع المؤلف في "التفسير الأمريكاني" -وليس اليهودي- لهذه الأساطير، فيقول: إن هذا الوعد هو للأمريكان والإنجليز، وليس لليهود.. فاليهود جماعة صغيرة محدودة العدد، وليسوا أمما كثيرة، بينما الأمريكان والإنجليز هم الذين ينطبق عليهم وصف الأمم الكثيرة والنسل الكثير..
- ثم يقول إن هذا الوعد هو "لإسرائيل"، وليس "لليهود"، فاليهود جزء من إسرائيل، وليسوا كل إسرائيل، إنهم نسل يهوذا، وهو سبط من الأسباط الاثني عشر، ثم إنهم هم الذين عصوا ربهم، ودمر ملكهم وبيت عبادتهم، وانقطعت سلسلة ملوكهم منذ عهد الملك "صدقيا" بعد عصر "سليمان" .. أما الأسباط العشرة - بقية إسرائيل وأغلبيتها- الذين استمر فيهم الوعد والعهد والميراث والملك ووعد البكورية، لقد حمل بذرتهم وامتدادهم النبي "إرميا" مع إحدى بنات الملك "صدقيا" إلى أيرلندا-[!!]- ثم إلى إنجلترا-[!!]- ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية-[!!]- فتجسد الوعد المادي -بالأرض.. والثروة.. والغزو والاستعمار للشعوب.. ووراثة مدن الأعداء- تجسد هذا الوعد المادي في الإمبراطورية الأمريكية والإمبراطورية الإنجليزية.. ولقد جمع الأمريكان والإنجليز إلى هذا الوعد المادي الوعد الروحي باتباعهم ليسوع المسيح، عليه السلام..
- ويستشهد القس "أرمسترونج" على أن الأمريكان والإنجليز -وليس اليهود- هم شعب الله المختار، بأن الوعد الإلهي والنبوة المقدسة قد جعلت من هذا الشعب المختار شعبا استعماريا، يقهر الشعوب ويستولي على المدن.. فهذه صفات تنطبق على الأمريكان والإنجليز منذ بداية القرن التاسع عشر، وليس على اليهود.. أي أن آيات ومعجزات وصفات النبوة والقداسة والاصطفاء للشعب المختار هي الاستعمار للدول والقهر للشعوب، وهي آيات ومعجزات أمريكية وإنجليزية لم تظهر على أيدي اليهود المقهورين المضطهدين!!..
- هذه هي الأسطورة المؤسسة لكون رعاة البقر الأمريكان -ومعهم الإنجليز- هم شعب الله المختار، الفعالون بالشعوب ما يريدون، والذين لا يسألون عما يفعلون.. والذين يمثل اجتياحهم للعالم، ونهبهم لثرواته، وقهرهم لشعوبه التحقيق لوعد الله لإبراهيم ولذرية إبراهيم!!..
اليهود .. لا إسرائيل !
- أما النصوص الغريبة والعجيبة التي ساقها القس الأمريكاني، كي يؤسس دينيا للهيمنة الأمريكية على العالم، فإن منها قوله: "إن اليهود أمة مختلفة تماما عن إسرائيل، لذا فمن الخطأ أن نسمي يهود اليوم إسرائيل، إنهم ليسوا أمة إسرائيل، إنهم سبط يهوذا.. وإن الأسباط العشرة لإسرائيل اليوم ليسوا اليهود.. بل هم إسرائيل التي كانت في حرب ضد اليهود".
- "وإن النبوءة كانت تشير دائما إلى "السامرة"، ولم تشر أبدا إلى اليهود، و"السامرة" هي المنطقة التي سكنها الأسباط العشرة من إسرائيل، بينما اليهود -سبط يهوذا- كانوا يسكنون المنطقة اليهودية -جنوبي السامرة-..
- وبعد موت الملك "صدقيا" -ملك يهوذا- تم غرس عرش داود في إسرائيل، وليس في يهوذا واليهود.. وذلك بواسطة إحدى بنات "صدقيا" التي صحبت النبي "إرميا" في رحلته إلى "أيرلندا" فأصبحت زوجة ملك أيرلندا.. ومنذ ذلك التاريخ "أصبحت إسرائيل مستقلة في أيرلندا.. فإسرائيل، التي مقرها أيرلندا، كان يحكمها سلسلة من الملوك يمتد نسبهم إلى ابنة صدقيا، والإسرائيليون الأيرلنديون كانوا عبارة عن جالية لم تقع تحت السبي الأشوري.."..
- "وأن عرش داود، الذي أعيد غرسه في أيرلندا، قد انقلب ثانية وأعيد غرسه في اسكتلندا.. وانقلب في المرة الثالثة وتم غرسه في لندن.. وكان الملك جورج يمتلك خريطة (مرسوما) يوضح نسب كل جيل حتى يصل هذا النسب إلى ابنة صدقيا.. وداود.. وحتى آدم..".
- وما كانت النبوءة، والوعد الإلهي لإبراهيم يتحدث عن أن الذين "يملكون امتياز البكورية"، هم أمم كثيرة -وليسوا قلة كاليهود- وأنهم "سوف يرثون بوابات (مدن) أعدائهم.. أي يصبحون شعبا استعماريا.. وتتوسع مستعمراتهم وتمتد من الجزر البريطانية إلى كل أنحاء العالم" فإن هذه الصفات تنطبق على الأمريكان والإنجليز، لا على اليهود.
- ثم تكتمل سلسلة الفكر الأسطوري لليمين الديني الأمريكي، بالحديث عن انتقال الآباء المؤسسين لأمريكا من انجلترا، حاملين "بذرة إسرائيل" -الشعب المختار- إلى الأرض الجديدة، التي رأوا فيها "أرض الميعاد"، والتي رأوا في خروجهم إليها محاكاة لخروج بني إسرائيل من مصر إلى أرض كنعان.. ولذلك رأيناهم يطلقون على ولاياتها أسماء عبرانية.. ويسمون أبناءهم بأسماء عبرانية.. ويفرضون تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم، حتى إن أول دكتوراه منحتها جامعة "هارفارد" 1742م كان عنوانها "العبرية هي اللغة الأم"!.. وأول كتاب طبع في أمريكا هو "سفر المزامير"!..
- ولا يكتفي أبناء إسرائيل الأمريكان، بالدعم والتأييد للمشروع الصهيوني في فلسطين، وإنما يرون في هذا المشروع مجرد أداة وتمهيد لاستعمارهم هم لفلسطين، فالأمريكان -وليس اليهود- هم بنو إسرائيل "المالكون لامتياز البكورية.. والوارثون لوعد الله لذرية إبراهيم.." وبعبارة "أرمسترونج" فإنهم هم الذين سيقومون بغرس العنب في بلدهم الأصلي السامرة عندما يعود بيت إسرائيل إلى فلسطين عند عودة المسيح.. فأحفاد أفرايم هم البريطانيون، وأحفاد منسي هم الأمريكان، وليس من حق اليهود أن يطلق عليهم اسم بيت إسرائيل"!!.. ثم يعلن هذا القس الأمريكي على الملأ: "نعم إننا شعب الله المختار إسرائيل"!!..
لمَ لا .. ؟
هكذا تحدث القس الأمريكي"هيربرت أرمسترونج" عن الأساطير الدينية المؤسسة لإمبريالية الإمبراطورية الأمريكية، حتى تكون إمبريالية مقدسة، يمثل اجتياحها للعالم التحقيق لوعد الله لإبراهيم، عليه السلام!.
وإذا كان البعض سيقول: وما لنا وهذه التخاريف الأسطورية؟!.. فإننا نقول لهم: وهل قام حكم اليمين الديني في أمريكا اليوم إلا على التخاريف والأساطير؟!.. إننا أمام خرافات تستخدم في دعم الباطل.. فلم لا نستخدم حقائق الإسلام في دعم قضايانا العادلة، واستخلاص حقنا السليب من براثن الأعداء، الغارقين في الأساطير، والزاعمين أنهم العقلانيون المتقدمون؟!..
ساحة النقاش