فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة وتحصيل العلوم لدى طالبات المرحلة الثانوية ذوات السعات
العقلية المختلفة
للدكتورة/ هيا المزروع كلية التربية للبنات / الرياض
ملخص البحث
هدف هذا البحث إلى تقديم إستراتيجية شكل البيت الدائري وإبراز الأسس التي بنيت عليها ومن ثم تعرف فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية. كذلك هدف البحث إلى تعرف تأثير التفاعل بين إستراتيجية شكل البيت الدائري والسعة العقلية على تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية. و اعتمد هذا البحث المنهج التجريبي واستخدم أحد التصميمات شبه التجريبية والمعروف بتصميم القياس القبلي والبعدي للمجموعة الضابطة غير المتكافئة. وتمثل المتغيرات المستقلة كلا من طريقة التدريس (إستراتيجية شكل البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة ) والسعة العقلية (مرتفعة مقابل منخفضة). وتمثل مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي المتغيرين التابعين. أما عينة البحث فتتألف من فصلين من فصول الصف الثاني الثانوي بإحدى المدارس الثانوية ليمثل فصلاً للمجموعة التجريبية والفصل الآخر المجموعة الضابطة.
تكونت أدوات البحث من مقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة واختبار تحصيلي وهما من إعداد الباحثة وكذلك اختبار الأشكال المتقاطعة المترجم لجان بسكاليوني . وتتم معالجة البيانات باستخدام الرزمة الإحصائية بحساب تحليل التباين الأحادي ثنائي الاتجاه . وأظهرت نتائج البحث فاعلية إستراتيجية شكل البيت الدائري في تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى الطالبات. كما أظهرت النتائج عدم وجود تأثير للتفاعل بين إستراتيجية شكل البيت الدائري والسعة العقلية على تنمية مهارات ما وراء المعرفة و التحصيل الدراسي لدى الطالبات.
وفي ضوء نتائج هذا البحث توصي الباحثة بتسليط الضوء على ما وراء المعرفة في تدرس العلوم بشكل خاص وبالتدريس بشكل عام. كما توصي بتدريب المعلمين والمعلمات على كيفية استخدام إستراتيجية شكل البيت الدائري وتطبيق هذه الإستراتيجية في الأنشطة والتجارب المعملية بحيث نضمن تعلم العقول والأيدي. . كذلك أوصت بضرورة الابتعاد عن التعلم الصم من خلال التنوع في إستراتيجيات وطرائق تدريس العلوم لتحقيق التعلم ذي المعنى. كما خلص البحث إلى ضرورة الاهتمام باستعدادات وقدرات التلاميذ و توجيه المعلمين لاستخدام الاختبارات والمقاييس الخاصة بذلك .
مقدمة:
أدت الزيادة السريعة في الاهتمام بنظريات التعلم المعرفية إلى زيادة الاهتمام بما وراء المعرفة . فقد ظهر مصطلح ما وراء المعرفة (Metacognition) في السبعينيات في بحوث فلافلFlavel الذي اهتم بكيفية قيام المتعلم بفهم نفسه كمتعلم أي قدرته على التخطيط والمتابعة والتقويم لتعلمه . وقد عرف فلافل وزملاؤه مفهوم ما وراء المعرفة بأنه "معرفة الفرد بعملياته المعرفية ونواتجها وما يتصل بتلك المعرفة" (Flavell, 1976). إن ما وراء المعرفة تعني مستويات تفكير عليا تشمل التحكم النشط بالعمليات الإدراكية المتعلقة بالتعلم مثل أنشطة التخطيط لكيفية التعلم و مراجعة و تقويم مدى تقدمنا لإنهاء المهمة أي أنها التفكير في التفكير. ويوضح كوستا هذا المفهوم بقوله "إذا انتبهت إلى أنك في حالة حوار مع عقلك, وأنك تراجع قرارك الذي اتخذته وعمليات حل المشكلة فإنك تمارس ما وراء المعرفة". Costa, 1991:211))
ويرى الباحثون أن ما وراء المعرفة تساعد المتعلم على القيام بدور فعال في جمع المعلومات وتنظيمها وتقييمها أثناء عملية التعلم (صفاء الأعسر, 1998). فتعلم الطلاب يتحسن عندما يكونون واعين بتفكيرهم أثناء قراءتهم وكتابتهم و حلهم للمشكلات أي أنها تساعدهم على أداء أفضل فقد أثبتت الدراسات وجود فروق في قدرات ما وراء المعرفة بين المتعلمين الناجحين وغير الناجحين فالتلاميذ ذوو الدرجات العالية يميلون إلى أن يمتلكوا مهارات ما وراء المعرفة أكثر من زملائهم غير الناجحين (Everson, 1997).
لذلك اقترح فلافل(1987) أن تكون المدارس مكانا لتنمية ما وراء المعرفة لما لها من دور في التعلم الذاتي الواعي. وشجعت رابطة معلمي العلوم الوطنية في الولايات المتحدة NSTA National Science Teachers Association (1998) على استخدام ما وراء المعرفة في تعليم العلوم لمساعدة الطلاب ليكونوا مسئولين عن تعلمهم من خلال تحديدهم لأهداف التعلم ومراقبة مدى تقدمهم لتحقيق تلك الأهداف. كذلك أكد فتحي جروان (2002) على الدور الذي تلعبه ما وراء المعرفة في التعلم من حيث أهميتها في معالجة المعلومات، وبالتالي لا يجوز إهمالها أو الافتراض بأن المتعلم يمكن أن يجيدها بصورة غير مباشرة عن طريق دراسة محتوى مادة التدريس. كما أكد على أن أي جهد لتعليم مهارات التفكير يظل ناقصاً ما لم يتصدَّ لمهمة مساعدة الطلبة على تنمية مهارات ما وراء المعرفة. وهناك دراسات اهتمت بالتدريب على مهارات ما وراء المعرفة بشكل مستقل عن تدريس محتوى المواد فيما يعرف ببرامج مهارات الدراسة مثل برامج تنظيم الوقت وتدوين الملاحظات وغيرها. ولكن البعض يرى أن تلك النتائج مشكوك بها و يقترح أن تنمى مهارات ما وراء المعرفة من خلال ربطها بالمحتوى التدريسي أو ما يعرف بالتعلم القائم على ما وراء المعرفة (situated learning) .(Georghides,2004 ,Gunstone and Northfield,1994).
وقد جاءت الأشكال المنظمة Graphic organizers كأحد أدوات التعلم الناجحة التي تساعد المتعلم على تنظيم واستخلاص وإظهار المعلومات (Troubredge and Wandersee, 1998, P.98) حيث يستخدمها المتعلم لتظهر الارتباطات الجديدة التي تربط بالمعلومات السابقة وهي وسيلة للتعبير عن العلاقات بين الحقائق والأفكار الأساسية لكي تفهم بشكل واضح. وكما وضحت صفاء الأعسر (1998) فإنها وسيلة بصرية تساعد المعلم والتلميذ على القيام بنشاط إيجابي في استكشاف علاقات جديدة وفهم العلاقات القائمة في المادة، والتحكم في العمليات التي يقومون بها. ومن هذه الأشكال شكل البيت الدائري Roundhouse Diagram الذي طوره وندرسي Wandersee كأداة لما وراء العمليات المعرفية لتساعد المتعلم على فهم المعرفة لديه، لذا توقعت الباحثة أن يكون لهذه الإستراتيجية دور في تنمية مهارات ما وراء المعرفة.
ومن جانب آخر تولي نظريات التعلم المعرفي أهمية لكيفية تشغيل ومعالجة الفرد للمعلومات وكيفية اكتساب الفرد للمعرفة ذاتها. وتعتبر السعة العقلية المكون الرابع من مكونات الذاكرة التي تلعب دوراً أساسياً في تجهيز ومعالجة المعلومات. فالمعلومات تنتقل خلال أجهزة الحس (الذاكرة الحسية) إلى الذاكرة قصيرة المدى، فإن كان هناك تجهيز ومعالجة عميقة للمعلومات نقلت إلى الذاكرة طويلة المدى وإذا لم تعالج هذه المعلومات فإنها تفقد. والسعة العقلية أحد العوامل الأساسية في معالجة المعلومات فهي تمثل أقصى عدد من الوحدات المعرفية أو المخططات العقلية التي يستطيع الفرد التعامل معها أو تناولها في وقت واحد أثناء معالجة المعلومات. أي أن الزيادة في كمية المعلومات ستؤدي إلى تحميل السعة العقلية فوق طاقتها وبالتالي انخفاض الأداء . ويمكن زيادة كفاءة السعة العقلية عن طريق تنظيم وتجميع المعلومات في صورة وحدات ذات معنى بحيث لا تشكل حملاً زائداً عليها وبالتالي تسهل عملية التعلم. وهنا يأتي دور إستراتيجيات التدريس والتعلم التي تساعد في تنظيم المعلومات مما دفع الباحثة إلى تجريب إستراتيجية شكل البيت الدائري كطريقة لتقليل كم المعلومات المقدمة للفرد من خلال تنظيمها للمعلومات في صورة وحدات ذات معنى بحيث تشغل حيزا أقل في ذاكرة المتعلم وتترك مساحة أكبر لإتمام عملية تشغيل ومعالجة المعلومات مما يعني أداء أفضل . و بناء عليه توقعت الباحثة أن استخدام شكل البيت الدائري كمعالجة تدريسية قد يسهم في تشغيل المعلومات وخزنها واسترجاعها والاستفادة منها بحيث لا تكون حملاً زائداً على سعة تشغيل المعلومات مما يؤدي إلى الارتفاع بمستوى الأداء وتحقيق التعلم ذي المعنى وزيادة التحصيل.
الحاجة للبحث
يمكن تناول الحاجة للبحث في أربعة محاور :
أولاً: بالنسبة لتنمية التفكير فإن البحث في التربية العلمية بدأ يلتفت إلى جانب التعلم فمقدرة المتعلم على الوعي والتحكم وضبط العمليات المعرفية فيما يعرف بالتفكير ما وراء المعرفي يعتبر أحد النواتج الأساسية للتعلم التي يمكن تنميتها من خلال خبرات تعليمية مناسبة كما أوضح مشروع بيل PEEL في استراليا (Gunstone and Mictchell, 1998). حيث يشير قنستون Gunstone (1994) أن جميع المتعلمين يمتلكون مهارات ما وراء المعرفة ولكن بدرجات متفاوتة لذا فإن تنميتها تعتبر هدفاً بحد ذاتها إلى جانب كونها مهمة في التحصيل. أي أن هناك حاجة لتطبيق إستراتيجيات تساعد المتعلمين أن يستخدموا التفكير ما وراء المعرفي بحيث يكونون واعين بأفكارهم وهذا ما يبرر المناداة لإدخال ما وراء المعرفة في المناهج (Georgides,2004)) ومزج المقررات الدراسية بإستراتيجيات تعليمية تصمم خصيصاً لتنمية قدرات الوعي بالتفكير (صفاء الأعسر، 1998: ص 66). خاصة مع ندرة في الدراسات التي تهدف إلى تنمية مهارات ما وراء المعرفة.
ثانيا: بالنسبة للبحث في التربية العلمية فما زال البحث في ما وراء المعرفة في مراحله الأولى فهناك توجه في بحوث التربية العلمية نحو التعلم القائم على ما وراء المعرفة حيث يرى Georgides,2004)) الحاجة ماسة لبحث دور ما وراء المعرفة في تعلم العلوم و تحقيق أهدافه . أيضا هناك فجوة بين النظرية والتطبيق فما وراء المعرفة غير معروفة لدى معلمي العلوم ولا تتوافر الوسائل والمصادر لتطبيقها في التدريس. ويتفق في ذلك (Rickey and Stacy (2000) الذي يرى أن تنمية التفكير ما وراء المعرفي في تدريس الكيمياء وعلاقة ذلك بنواتج التعلم من القضايا التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها.
ثالثا: بالنسبة لتدريس العلوم حيث تركز الممارسات التدريسية وكتب العلوم على تعلم الحقائق وتقييم تذكرها أكثر من تركيزها على الفهم العميق وإدراك العلاقات (Mintzes and Wordersee, 1998) ويشير واقع تدريس العلوم في مدارسنا إلى التركيز على المعرفة كغاية في حد ذاتها وعلى تدريس المعلومات بدون الاهتمام بتنمية التفكير لدى التلاميذ (أحمد النجدي ومنى عبد الهادي وعلي راشد، 1999)، بينما تركز الاتجاهات الحديثة في التربية العلمية على العلاقات والترابط بين الصفوف والمواد فالمادة يجب أن تؤكد على الفهم العميق للأفكار الرئيسية ذات المعنى وكذلك العلاقات مع الفكرة الرئيسية (NSTA, 1998- 1999) . كما يرى نوفاك وجوين Novak and Gwin (1984) أن التلاميذ يحتاجون إلى المساعدة في تعلم كيف يبنون المعرفة من خبراتهم في الفصول . لذلك فهناك حاجة إلى تجريب الإستراتيجيات التي تساعد على فهم التعلم لذا توقعت الباحثة أن يكون لإستراتيجية شكل البيت الدائري أثر إيجابي في مساعدة الطالبات على فهم التعلم وبالتالي رفع مستوى التحصيل لديهن.
رابعاً: بالنسبة لتعلم العلوم حيث لاحظت الباحثة أثناء إشرافها على التربية الميدانية الصعوبات التي تواجهها الطالبات في العلوم من حيث كثرة المصطلحات وتشابهها وعدم إدراك العلاقات وعدم القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة وهذا ما أكدته دراسة استطلاعية للكشف عن مستوى احتفاظ الطالبات للمفاهيم الأساسية بوحدة الخلية ونشاطاتها وذلك بإجراء اختبار تحصيلي لتلك المفاهيم. وبالرغم من تناول المناهج للمفاهيم بالصفوف السابقة إلا أن درجة كسبهن لتلك المفاهيم كانت غير مرضية. ولما كانت إستراتيجية شكل البيت الدائري مبنية بشكل رئيسي على فكرة تنظيم المعلومات في البنية المعرفية للمتعلم من أجل فهم المفاهيم العلمية وإدراك العلاقات بينها لذا افترضت الباحثة أن إستراتيجية شكل البيت الدائري قد تساعد في جعل التعلم تعلماً ذا معنى.
خامسا : ندرة الدراسات التي تناولت إستراتيجية شكل البيت الدائري فلا يوجد حسب علم الباحثة إلا دراسة (Hackney and Ward,2002) ودراسة Ward and Wandersee (2004) لدراسة أثر إستراتيجية شكل البيت الدائري في التعلم ذي المعنى إلا أنهما لم يتناولا فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة، لذا تنبعث فكرة البحث الحالية باختبار فاعليتها في تنمية مهارات التفكير ما وراء المعرفي.
سادسا ً: بالنسبة للفروق الفردية حيث يهتم المتخصصون في المناهج والتدريس بالفروق الفردية بين التلاميذ في كيفية التعامل مع المعلومات والاحتفاظ بها وتنظيمها. وتعتبر السعة العقلية للفرد من العوامل المؤثرة على التعلم حيث تلعب دوراً أساسياً في تجهيز ومعالجة المعلومات. لذا تتضح الحاجة لمعرفة مدى تحقيق التعلم باستخدام هذه الإستراتيجية مع التلاميذ ذوي السعات العقلية المختلفة خاصة في ظل طرق التدريس التقليدية التي لا تعير اهتماما للفروق الفردية بين التلاميذ.
تحديد مشكلة البحث
تتحدد مشكلة هذا البحث في استقصاء فاعلية إستراتيجية شكل البيت الدائري حيث يسعى هذا البحث للإجابة عن الأسئلة التالية:
1- ما فاعلية التدريس باستخدام إستراتيجية شكل البيت الدائري في تنمية مهارات ما وراء المعرفة لدى طالبات المرحلة الثانوية؟
2- ما أثر اختلاف السعة العقلية (مرتفعات مقابل منخفضات) على الوعي بمهارات ما وراء المعرفة لدى طالبات المرحلة الثانوية؟
3- ما أثر التفاعل بين استخدام المعالجات التدريسية (إستراتيجية شكل البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة) والسعة العقلية (مرتفعات مقابل منخفضات) في تنمية مهارات ما وراء المعرفة لدى طالبات المرحلة الثانوية؟
4- ما فاعلية التدريس باستخدام إستراتيجية شكل البيت الدائري في التحصيل الدراسي في العلوم لدى طالبات المرحلة الثانوية؟
5- ما أثر اختلاف السعة العقلية (مرتفعات مقابل منخفضات) على التحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية؟
6- ما أثر التفاعل بين استخدام المعالجات التدريسية (إستراتيجية شكل البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة) والسعة العقلية (مرتفعات مقابل منخفضات) في تنمية التحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية؟
فروض البحث
1- لا توجد فروق دالة إحصائيا يبن إستراتيجية شكل البيت الدائري والطريقة المعتادة في الوعي بمهارات ما وراء المعرفة.
2- لا توجد فروق دالة إحصائيا بين منخفضات ومرتفعات السعة العقلية في الوعي بمهارات ما وراء المعرفة.
3- لا يوجد أثر دال إحصائيا للتفاعل الثنائي يبن طريقة التدريس (إستراتيجية البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة) والسعة العقلية (مرتفعات مقابل منخفضات) على الوعي بمهارات ما وراء المعرفة.
4- لا توجد فروق دالة إحصائيا يبن إستراتيجية شكل البيت الدائري والطريقة المعتادة في التحصيل الدراسي في العلوم.
5- لا توجد فروق دالة إحصائيا بين منخفضات ومرتفعات السعة العقلية في التحصيل الدراسي في العلوم.
6- لا يوجد أثر دال إحصائيا للتفاعل الثنائي بين طريقة التدريس (إستراتيجية البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة) والسعة العقلية (مرتفعات مقابل منخفضات) على التحصيل الدراسي في العلوم.
أهمية البحث
ترجع أهمية البحث إلى ما يلي :
1. تلبية للاتجاهات العالمية للاهتمام بما وراء المعرفة وتمشياً مع التوجهات المحلية للاهتمام بالتفكير ومهاراته.
2. إسهام في مجال البحث في تنمية مهارات التفكير عموما من خلال تقديم أداة لقياس مستوى امتلاك الطلبة لمهارات ما وراء المعرفة.
3. تقديم إستراتيجية جديدة لم يتم استخدامها قد تسهم في حل بعض الصعوبات المتعلقة بتعلم الكم الهائل من المفاهيم في مقررات العلوم وتبرز أهمية البحث في حداثة الإستراتيجية عموماً.
4. لفت انتباه المعلمين للابتعاد عن التعلم الصم وتعليم الطلاب كيف يفكرون, فهي محاولة للتغلب على أوجه القصور في أساليب التدريس الشائعة.
5. لفت انتباه القائمين على التعليم للاهتمام بالفروق الفردية بين التلاميذ لاستخدام الطرق والإستراتيجيات التي تناسب قدرات واستعدادات التلاميذ وميولهم.
6. قد تعد هذه الدراسة في حدود علم الباحثة من أولى البحوث التي تناولت فاعلية إستراتيجية شكل البيت الدائري.
حدود البحث
اقتصر البحث الحالي على:
أولاً: فصلين من فصول طالبات الصف الثاني الثانوي بإحدى المدارس الثانوية التابعة لمدينة الرياض.
ثانيًا: الاقتصار على فصلي "التركيب الكيميائي والخواص الفيزيائية للبروتوبلازم" و"النشاطات الحيوية في الخلية" المقررين في كتاب الأحياء للصف الثاني الثانوي للعام الدراسي 1425-1426هـ. وذلك للأسباب التالية:
1- تشتمل هذه الوحدة على مفاهيم بيولوجية أساسية تعتبر قاعدة لعلم الخلية.
2- شكوى بعض المعلمات وموجهات الأحياء من عدم مقدرة الطالبات على التعلم في هذين الفصلين وذلك لكثرة المصطلحات والمفاهيم العلمية التي قد يفيد معها استخدام إستراتيجية شكل البيت الدائري.
3- يعتبر هذا الفصل مناسباً لتطبيق إستراتيجية شكل البيت الدائري حيث أوصى هاكني وورد Hackney and Ward (2002) باستخدامها في تدريس الموضوعات التي يتطلب تعليمها تسلسلاً وترتيباً معيناً، دورات، بناء ووظيفة، بيانات، أجزاء ووحدات، وإجراءات معملية وهذا ما يتوفر في هذا الفصل.
ثالثًا: اقتصرت أدوات البحث على اختبار تحصيلي وعلى مقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة وهما من إعداد الباحثة وعلى اختبار الأشكال المتقاطعة Figural Intersection test لبسكاليون Pascaal- leone بعد التأكد من ثباته.
أدوات البحث
استخدمت الباحثة في هذا البحث الأدوات التالية:
1. مقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة لقياس وعي طالبات المرحلة الثانوية بمهارات ما وراء المعرفة (إعداد الباحثة).
2. اختبار تحصيلي لقياس التحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية في فصلي "التركيب الكيميائي والخواص الفيزيائية للبروتوبلازم" و"النشاطات الحيوية في الخلية" المقررين في كتاب الأحياء للصف الثاني الثانوي (إعداد الباحثة).
3. اختبار الأشكال المتقاطعة لجان بسكاليوني لتصنيف الطالبات إلي مستويات السعة العقلية المختلفة وهو من ترجمة إسعاد عبد العظيم وحمدي عبد العظيم (1990).
مصطلحات البحث
1. إستراتيجية شكل البيت الدائري: هي إستراتيجية تعلم من أجل تمثيل مجمل لموضوعات وإجراءات وأنشطة العلوم وتركز على رسم أشكال دائرية تناظر البنية المفاهيمية لجزئية محددة من المعرفة بحيث يمثل مركز الدائرة الموضوع الرئيسي المراد تعلمه وتمثل القطاعات السبعة الخارجية الأجزاء المكونة للموضوع.
2. ما وراء المعرفة: عرفها لندزتروم Lindstrom (1995) على أنها "معرفة الفرد بإستراتيجيات وعمليات التفكير الخاصة به والقدرة على تنظيم تلك العمليات والتحكم بها. وعرفها فتحي جروان (1999) على أنها "عمليات تحكم عليا وظيفتها التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد في حل المشكلة". وتعرفها الباحثة إجرائياً بأنها وعي الفرد بتفكيره وقدرته على تخطيط وتنظيم وتقويم تفكيره. وعليه فإن التعريف الإجرائي لمهارات ما وراء المعرفة هو تلك القدرات التي تمكن الطالبة من متابعة تعلمها وذلك من خلال المعرفة والوعي بأنواع المعرفة (التقريرية والإجرائية والشرطية) والقدرة على إدارة المعرفة من خلال التخطيط والتنظيم والتقويم أثناء تنفيذ المهام. ويعبر عنها بالدرجة الكلية التي تحصل عليها الطالبة من مقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة .
3. التحصيل: عرفه اللقاني والجمل في معجم المصطلحات التربوية (2003) بأنه يعني مدى استيعاب الطلاب لما فعلوا من خبرات معينة من خلال مقررات دراسية ويقاس بالدرجة التي يحصل الطلاب عليها في الاختبارات التحصيلية المعدة لهذا الغرض. ويعرف إجرائيا بأنه يمثل المعلومات التي اكتسبتها الطالبات من خلال تعلمهن مفاهيم فصلي "التركيب الكيميائي والخواص الفيزيائية للبروتوبلازم "والنشاطات الحيوية في الخلية" ويعبر عنها بالدرجة الكلية التي تحصل عليها الطالبة من جزئيات الاختبار التحصيلي .
4. السعة العقلية: يعرفها بسكاليوني بأنها جزء محدود من الذاكرة يتم فيها معالجة كل المعلومات المستقبلة والمسترجعة في وقت واحد, وبذلك فهي تمثل العدد الأقصى من المخططات التي يستطيع العقل تجميعها في فعل عقلي واحد (محمد السيد ومحرز عبده, 1999). ويعبر عنها بالدرجة الكلية التي تحصل عليها الطالبة من اختبار الأشكال المتقاطعة .
الإطار النظري والدراسات السابقة
أولا: إستراتيجية شكل البيت الدائري Round house diagram
هي إستراتيجية حديثة مقترحة من وندرسي واستخدمها في تدريس مقررات التربية العلمية في جامعة لويزيانا . فهي إستراتيجية مقترحة من أجل تمثيل مجمل لموضوعات وإجراءات وأنشطة العلوم. وهي تعتبر قالباً يستطيع المتعلم من خلاله ربط المعلومات، تحديد العلاقات، تقديم التوضيحات، ووصف الموضوعات حيث يركز المتعلم على الفكرة العامة ثم يفصلها إلى أجزاء مبتدئاً من العام إلى الخاص. وقد جاءت هذه الإستراتيجية نتيجة دراسة وندرسي لنظرية أوزوبل في جامعة كورنيل وكذلك نتيجة لتدريسه خرائط المفاهيم وشكل (V) في جامعة لويزيانا بحيث ربط بين كل ذلك وما يعرفه عن الأشكال المنظمة.
وشكل البيت الدائري شكل هندسي دائري ثنائي البعد وهو عبارة عن قرص مركزي يقسمه خط اختياري وتحيط به سبعة قطاعات خارجية بحيث يمثل شكل البنية المفاهيمية لجزء محدود من المعرفة ويوضح شكل (1) مكونات شكل البيت الدائري. وقد أعطاه وندرسي هذا الاسم تشبيهاً له بالتراكيب الدائرية ذات الأقراص المستديرة المستخدمة في السكك الحديدية لتبديل عربات القطار بحيث يمثل القرص المركزي الفكرة الأساسية أما الخط الاختياري فيقسم هذه الفكرة أو يضع الأفكار المتقابلة لها. وتستخدم القطاعات السبعة المحيطة لتجزئة المفاهيم الصعبة أو لترتيب تسلسل الأحداث أو لتعلم خطوات حل المشكلات بحيث يعبئ التلاميذ الشكل مبتدئين من موقع الساعة 12 وباتجاه عقارب الساعة.
وقد قامت هاكني وورد Hackney and Ward (2002) بتطبيق هذه الإستراتيجية في تدريس مادة الأحياء للمرحلة الثانوية وتكونت عينة الدراسة من (30) طالباً وطالبة وأوضحت النتائج أن هناك علاقة ارتباط بين درجة إتقان الطلاب لرسم الشكل وبين درجة تحصيلهم في أسئلة الاختبار. كما تبين في دراسة ورد ووندرسي Ward and Wandersee (2004) فعالية استخدام شكل البيت الدائري في التعلم ذي المعنى لدى طلاب الصف السادس الابتدائي. حيث اتبع الباحثان المنهج الكمي لدراسة (19) طالباً وطالبة من مستويات أكاديمية مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة و كذلك اتبع الباحثان المنهج الكيفي حيث اختارا ستة من هؤلاء الطلاب لفحصهم كحالة دراسية. وقد استمدا نتائج البحث من الملاحظة والمقابلة الإكلينيكية مع الطلاب وكذلك من نتائج ستة اختبارات على مدى عشرة أسابيع وبالإضافة إلى درجات تقييم لإتقان رسم شكل البيت الدائري.
الأسس الفكرية لشكل البيت الدائري
بنى وندرسي شكل البيت الدائري بناء على ما قدمته نظرية التعلم عند أوزوبل وما قدمته البنائية الإنسانية من تصور حول اكتساب المعرفة، بالإضافة إلى بحوث ميللر حول الذاكرة وما قدمته أبحاث الإدراك البصري. وفيما يلي توضيح مختصر لتلك الأسس:
1. نظرية أوزوبل Ausubel للتعلم ذي المعنى
تركز نظرية التمثيل للتعلم المعرفي Assimilation theory لأوزوبل على أهمية المعارف السابقة حيث تعتبر مرسى للمعارف الجديدة. وقد استخدم أوزوبل مصطلح التمثيل من علم الأحياء والذي يعني أن الجسم بعد أن يهضم الغذاء ويمتصه يحوله إلى مادة تشبه مادة الجسم ليستخدمها في بناء الجسم. وتبحث هذه النظرية في الميكانيزمات الداخلية في المخ وسيكولوجية المعرفة. فالفرد يحمل أفكارًا ومفاهيم راسخة في بنيته المعرفية وعندما تدخل المعرفة الجديدة يحدث التكيف Accommodation بتنظيم المعرفة السابقة لتشمل المعرفة الجديدة. وبذلك يتم تمثيل المعرفة الجديدة داخل البنية المعرفية بحيث تفقد طبيعتها التي دخلت فيها وينتج عن هذا التفاعل بينهما معرفة متميزة عنهما.
2. نظرية نوفاك للبنائية الإنسانية Human Constrctivism
قدم نوفاك الأستاذ في جامعة كورنيل نظرية البنائية الإنسانية والتي ارتكز فيها على مبدأ أوزوبل للتعلم ذي المعنى "إن أكثر عامل يؤثر على التعلم هو ما يعرفه المتعلم نفسه" (Mintzes and Wandersee, 1998, P.47) وتؤكد نظريته على عملية صنع المعنى وذلك بتكوين ارتباط بين المفاهيم الجديدة والمفاهيم السابقة الموجودة في البنية المعرفية للمتعلم وتكوين مفاهيم ومعلومات جديدة تماما لأن وجهة النظر هذه ترى استحالة بناء فردين لنفس المعنى عند تقديم نفس المعلومات. إن هذا الاهتمام بالإدراك وليس التعلم الصم والتركيز على صنع المعنى وفهم مفاهيم العلوم يعطي الفرصة للمتعلم لإعادة بناء وتقييم ومراجعة أفكاره فربط المعلومات الجديدة بالسابقة يساعد على القدرة على تعلم وتذكر المعرفة.
3. بحوث علم النفس لجورج ميللر Georg Miller
إن شمول الشكل لسبعة قطاعات خارجية يأتي منسجماً مع ما توصل إليه ميللر في دراساته النفسية حول الذاكرة قصيرة المدى من أن أغلبية الناس يمكنهم تذكر سبعة أشياء قد تزيد أو تنقص اثنين؛ لذلك إذا حدث لهذه المعلومات تجميع Chunck بشكل فاعل بتقليل أو ضغط التفصيلات فإن المتعلم يمكنه إيجاد علاقات بين الأفكار وزيادة التعلم. لقد كتب ميللر عام 1956 مقالته الشهيرة بعنوان "الرقم السحري سبعة قد يزيد أو ينقص اثنين" حيث توصل في أبحاثه إلى أن معظم الناس يستطيعون تذكر سبعة أشياء غالباً. لذلك رأى أن تنظيم المعلومات (تجميع) وإيجاد علاقات بين المعلومات يؤدي إلى زيادة التذكر بحيث تخزن وتسترجع بشكل أفضل فالتجميع يزيد من اتساع الذاكرة.
4. أبحاث الإدراك البصري Visual Imagery
تشير دراسات ليفن وبندر وبرسلي Levin, Bender, Pressley أن الأطفال الذين شاهدوا صوراً عند قراءة القصص لهم يتذكرون 40% من المعلومات أكثر من الأطفال الذين قرأت لهم القصص بدون صور. إن وجود الصور يساعد كثيراً على عمليات الترميز encoding فوجود الصور والتوضيحات تلفت انتباه المتعلم والتي يعتبرها علماء الإدراك أول خطوة لعمليات الترميز في الذاكرة. فالتذكر والإدراك يزيد عندما تعرض المعلومات لفظياً وصورياً فنظرية الترميز الثنائي لبيفيو Paivio ترى أن وجود الصور يساعد على التذكر لأن الأفكار رمزت عن طريقين: لفظي ومرئي فالترميز الثنائي أسهل للتذكر من الترميز الأحادي (Ward and Wandersee,2002,. كذلك فإن الأشكال الهندسية العادية كالدوائر تعتبر أشكالاً متوازية ثابتة وباستخدام العينين الاثنتين فإن نطاق النظر هو أيضاً دائري. إن عقولنا تسعى إلى الأشكال ثنائية البعد في البيئة لأنها سهلة المعالجة بالنسبة للملاحظ وبالتالي يسهل تذكرها فإذا استخدمت خطوط بسيطة غير مركبة واضحة وليست قريبة من بعضها فإن ذلك يساعد على الإدراك مما يؤدي إلى زيادة القدرة على تذكر المعلومات واسترجاعها بسهولة.
شكل (1) شكل البيت الدائري
( بعض الاشكال لا تظهر ويمكن الرجوع للمصدر)
كيفية بناء شكل البيت الدائري
تقوم المتعلمة ببناء شكل البيت الدائري باتباع "نموذج خطوات بناء شكل البيت الدائري" فكل سؤال في النموذج مرتبط بخطوة من خطوات الشكل بحيث تقوم المتعلمة بما يلي:
1. تحدد الهدف الذي تسعى له من بناء شكل البيت الدائري ليساعدها ذلك على التركيز في دراسة الموضوع ويوجهها أثناء التعلم.
2. تحدد الموضوع الرئيسي المراد دراسته سواء كان مفهوما أو تجربة عملية أو إجراءات معينة بحيث يكون العنوان الرئيسي وتسجل هذا العنوان داخل القرص الدائري.
3. تحدد جانبين يتناولهما الموضوع الرئيسي بحيث يكونان عنوانين متفرعين عن الموضوع الرئيسي إذا كان الموضوع يحتمل ذلك وتسجلهما على جانبي المنحنى في القرص الدائري.
4. تقسم الموضوع الرئيسي إلى سبعة أفكار رئيسية (قد تزيد أو تنقص بندين) وتكتب عبارة لكل منها ثم تلخصها في عنوان يوضح خلاصة الفكرة.
5. ترسم أيقونة (شكلاً أو صورة أو رسمًا مبسطًا) لكل من العناوين السبعة بحيث تساعدها على تذكر هذه العناوين.
6. تبدأ بتعبئة القطاعات الخارجية لشكل البيت الدائري مبتدئة بالقطاع المشير إلى الساعة 12 وباتجاه عقارب الساعة مستخدمة العناوين القصيرة والأيقونات المرافقة لها في كل قطاع من القطاعات السبعة. ويمكن للمتعلمة الاستعانة برسومات و صور جاهزة وقد تقدمها المعلمة لتساعد المتعلمة على الابتكار.
7. إذا شعرت المتعلمة بحاجتها إلى التوسع في نقطة معينة يمكنها استخدام شكل "القطاع المكبر" للشرح والتعليق.
8. تستخدم نموذج "ضبط شكل البيت الدائري" لمراعاة شروط بناء الشكل بحيث تصبح المتعلمة موجهة ذاتيا.
9. بعد الانتهاء من بناء الشكل تكتب الطالبة عن الموضوع.
ثانيا: ما وراء المعرفة Metacognition
ظهر مصطلح ما وراء المعرفة في السبعينيات حيث عرفه فلافل وزملاؤه بأنه "معرفة الفرد بعملياته المعرفية ونواتجها وما يتصل بتلك المعرفة" (Flavell, 1976). و يعرفه ليندزرام Lindstram (1995) بأنه معرفة الفرد بإستراتيجيات وعمليات التفكير الخاصة به والقدرة على تنظيم تلك العمليات والتحكم بها. وقد تزايد الاهتمام بهذا المصطلح على المستويين النظري والتطبيقي وأثبتت أهميته في التعلم الفعال (فتحي الزيات، 1996) و تعتبر ما وراء المعرفة مهارة إدارة التفكير أي التفكير في التفكير ((Adey & Shayer, 1993 التي تشير إلى مستويات تفكير عليا تشمل التحكم بالعمليات المعرفية لأنشطة التعلم كالتخطيط و المتابعة و التقويم للتعلم فهي كما شبهها بليكي و سبنس Blakey and Spence (1990) مثل المدير المسئول عن إدارة المؤسسة . ويفرق أنور الشرقاوي (1991) بين المعرفة و ما وراء المعرفة فمصطلح المعرفة يعني العمليات النفسية التي بواسطتها يتحول المدخل الحسي فيطور ويختزن لدى الفرد لحين استدعائه في المواقف المختلفة في حين أن مصطلح ما وراء المعرفة يعني وعي الفرد بالعمليات التي يمارسها في مواقف التعلم المختلفة . فالإستراتيجيات المعرفية هي التي يستخدمها الفرد لتحقيق هدف ما مثل فهم النص في الكتاب بينما إستراتيجيات ما وراء المعرفة هي التي يستخدمها للتأكد من الوصول للهدف مثل سؤال نفسه لتقييم مدى فهمه للنص وهي عادة تسبق أو تعقب العمليات المعرفية . كما أن المعرفة تعني الإستراتيجيات والعمليات المعرفية التي يستخدمها المتعلم للتعلم بينما ما وراء المعرفة تعني ما يعرفه المتعلم عن إدراكه وقدرته على التحكم بها (Georgiades,2004).
ويعتقد الباحثون بوجود علاقة بين التعلم المعرفي و ما وراء المعرفة فالزيادة السريعة في الاهتمام بنظريات التعلم المعرفية أدت إلى زيادة الاهتمام بما وراء المعرفة . وتهتم نظريات التعلم المعرفي بالعمليات المعرفية التي تجري داخل النظام العقلي للفرد ومن هذه النظريات نظرية أوزوبل للتعلم بالمعنى التي أثرت البحث في مجال التربية العلمية حيث يرى أوزوبل أن التعلم ذا المعنى يحدث بربط المعلومات الجديدة بالمعلومات وثيقة الصلة بها الموجودة في البنية المعرفية للمتعلم وهو يختلف عن التعلم بالحفظ الذي يحدث بإدخال المعلومات الجديدة على شكل كيانات مستقلة منعزلة عن النظام المفهومي للمتعلم فيصعب على المتعلم إدراك العلاقات بين تلك المعلومات أو استخدامها في مواقف جديدة. (Ausubel,1968) . أي أن التعلم ذا المعنى يعني تطوير بنية معرفية منظمة جداً حيث المعلومات منظمة ومترابطة وممثلة بنماذج متشابكة.
وقد أدى الاهتمام بما وراء المعرفة إلى ظهور دراسات تناولت التدريس باستخدام إستراتيجيات ما وراء المعرفة فقد استخدم نوبليس Nobles (1993) إستراتيجيات ما وراء المعرفة مثل خرائط المفاهيم والشكل V المعرفي في تدريس موضوع الضوء والألوان لتلاميذ الخامس الابتدائي وذلك بهدف تحسين التعلم ذي المعنى وتوصل إلى تفوق المجموعة التجريبية على الضابطة في تحسين تعلم العلوم ذي المعنى. واستخدم بيث Beeth (1998) بعض إستراتيجيات ما وراء المعرفة كإستراتيجيات التفسير والتوضيح والتساؤل الذاتي في تدريس تلاميذ الصف الخامس الابتدائي مفهومي القوة والحركة وتوصل إلى أن ذلك أدى إلى تصحيح تصوراتهم عن المفاهيم العلمية وإلى جعلهم أكثر إيجابية في عملية التعلم. كما توصل وايت وفريدركسنWhite and Frederiksen (1998) إلى أن إستراتيجيات ما وراء المعرفة القائمة على الاستقصاء لتدريس العلوم بالمرحلة الإعدادية أفاد التلاميذ ذوي التحصيل المنخفض والمرتفع كما أدى إلى نمو في بعض مهارات التفكير.
كذلك قامت منى شهاب (2000) بدراسة بهدف تعرف أثر استخدام إستراتيجيات ما وراء المعرفة في تحصيل العلوم وتنمية مهارات عمليات العلم التكاملية والتفكير الابتكاري لدى تلاميذ الصف الثالث الإعدادي في وحدة الصوت والضوء وذلك باستخدام التساؤل الذاتي وخرائط المفاهيم وعمل الرسومات التخطيطية والتلخيص والشرح وربط موضوع الدرس بالمعرفة السابقة وأظهرت النتائج تفوق المجموعة التجريبية على المجموعة الضابطة في التحصيل ومهارات عمليات العلم التكاملية والتفكير الابتكاري. أيضا بحثت أمينة الجندي ومنير صادق (2001) في نفس المتغيرات وتوصلا إلى نفس النتيجة مع التلاميذ ذوي السعات العقلية المختلفة. كما اهتمت ليلى حسام الدين (2002) بدراسة أثر استخدام إستراتيجيات ما وراء المعرفة على الفهم القرائي والتحصيل والتي تبين فاعليتها لدى طلاب الصف الثاني الإعدادي في العلوم. واهتم جورجيادس Georghiades (2004) بدراسة أثر التعلم القائم على ما وراء المعرفة على ثبات مفاهيم العلوم عند الأطفال وقدرتهم على استعمالها واستخدم لذلك المناقشات و خرائط المفاهيم و كتابة السجلات والرسومات. وتكونت عينة البحث من تلاميذ في سن الخمس سنوات يدرسون وحدة "الكهربية" لمدة أربعة أسابيع في قبرص. وباستخدام منهج البحث الكمي والكيفي توصل الباحث إلى أن التدريس ما وراء المعرفي يؤثر إيجابياً على ثبات مفاهيم العلوم لدى الأطفال وعلى مقدرتهم على استخدام هذه المعرفة في التمارين.
مهارات ما وراء المعرفة
يوضح شرو Schraw (1998) أن المهارات المعرفية هي التي يحتاجها المتعلم ليؤدي المهمة أما المهارات ما وراء المعرفية فهي المهارات الضرورية لإدراك كيف أديت المهمة. وقد أكد فتحي جروان ( 2002 ) على الدور الذي تلعبه مهارات ما وراء المعرفة في التعلم من حيث أهميتها في معالجة المعلومات، وبالتالي لا يجوز إهمالها أو الافتراض بأن المتعلم يمكن أن يجيدها بصورة غير مباشرة عن طريق دراسة محتوى مادة التدريس.
وقد أجريت حديثاً دراسات مهتمة بمهارات ما وراء المعرفة حيث هدفت دراسة محمود الوهر ومحمد أبو عليا (1999) إلى تحديد مستوى امتلاك الطلبة لمعارف ما وراء المعرفة الثلاث: التقريرية والإجرائية والشرطية وذلك في مجال الإعداد للامتحانات وأدائها حيث قام الباحثان بتصميم اختبار مكون من (54) فقرة لقياس ذلك. وبينت النتائج تدني مستوى امتلاك الطلبة للمعارف وأن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية (< 0.5) في مستوى امتلاك الطلبة للمعرفة ما وراء المعرفة الشرطية تبعاً للتحصيل كما بينت أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية (< 0.5) في مستوى امتلاك الطلبة لأشكال المعرفة الثلاث التقريرية والإجرائية والشرطية تبعاً لتفاعل متغيري التحصيل والمستوى الدراسي. واقترح أيمن سعيد (2002) إستراتيجية التعلم القائم على الاستبطان لتنمية مهارات ما راء المعرفة وتتكون هذه الإستراتيجية من أربع مراحل هي مرحلة اختبار الأفكار السابقة ومرحلة أداء المهمة ومرحلة الأسئلة المركبة ومرحلة سجلات الأداء التعليمي وباستخدام المنهج التجريبي أثبتت النتائج فعالية الإستراتيجية المقترحة في تنمية مهارات ما وراء المعرفة وتحسين مستوى تحصيل المتعلمين لمادة الفيزياء. كما توصلت دراسة دونللي Donnelly إلى فعالية برنامج تدريبي قائم على العمل والأنشطة لتنمية مهارات ما وراء المعرفة لدى طلبة الجامعة. (Donnelly,1996). واستخدمت نادية لطف الله (2002) إستراتيجيات لتنمية مهارات ما وراء المعرفة أثناء تدريس موضوع "مداخل تدريس العلوم" للطلاب المعلمين, وأشارت النتائج إلى أثر إيجابي في بقاء أثر التعلم وإلى تفوق طلاب مجموعة الدراسة التجريبية على طلاب المجموعة الضابطة في مهارات ما وراء المعرفة باستخدام مقياس التقييم الذاتي لمهارات ما رواء المعرفة وأيضاً عن طريق بطاقة الملاحظة لأداء الطلاب لهذه المهارات خلال فترة التدريب الميداني. كما هدفت دراسة أحمد جابر السيد (2002) إلى تنمية مهارات ما وراء المعرفة لدى الطلاب المعلمين من خلال استقصاء فعالية برنامج مقترح لتنمية هذه المهارات والوعي بها وتكونت عينة الدراسة من (33) طالباً وطالبة في كلية التربية بسوهاج تخصص الدراسات الاجتماعية وتم تطبيق بطاقة الملاحظة ومقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة ودلت النتائج على فعالية البرنامج في تحسين أداء الطلاب المعلمين لمهارات ما وراء المعرفة ووعيهم بها.
أما على المستوى العالمي فإن التفكير ما وراء المعرفي يعتبر أحد الأعمدة الأساسية في مشروع تسريع النمو العقلي من خلال التربية العلمية (كيس)(CASE) Cognitive Accelaration Through Science Education لتطوير قدرات التلاميذ على التعلم في بريطانيا. وهذا المشروع عبارة عن 30 درساً عنوانها "التفكير في العلوم" "Thinking Science" قدمت خلال سنتين لأعمار التلاميذ من 11-12 سنة. وقد أظهرت الدراسة نتائج إيجابية على المدى البعيد حيث كان تحصيل المشاركين أفضل في مواد مختلفة وبعد سنتين من انتهاء المشروع (Adey and Shyer, 1993). وفي استراليا شمل مشروع المساعدة على التعلم الفعال (بيل) Project to Enhance Effective Learning (PEEL) بعد ما وراء المعرفة كبعد أساسي في تعليم تلاميذ المرحلة المتوسطة والثانوية. ويختلف هذا المشروع عن غيره من المشاريع بأنه لا يشمل فصلاً معيناً أو وقتاً معيناً ولكن شمل كل الدروس لمعلمي اللغة الإنجليزية والتاريخ والجغرافيا والعلوم والتجارة.
أبعاد ما وراء المعرفة
بالرغم من وجود العديد من التعريفات والتفسيرات لما وراء المعرفة إلا أن معظمها يشترك في احتواء المفهوم على مكونين أساسين هما معرفة المعرفة والتحكم بالمعرفة. وهذان البعدان متداخلان فمعرفة المعرفة يؤدي إلى التحكم بالمعرفة والتحكم بالمعرفة يؤدي إلى إدراك المعرفة(Scharw and Graham, 1997) . فمعرفة المعرفة تعني معرفة الإستراتيجيات العامة لمهمة ما ومعرفة الظروف التي تناسب تطبيقها وكذلك معرفة فعاليتها. أي على سبيل المثال معرفة بالإستراتيجيات المختلفة لقراءة كتاب والإستراتيجيات المناسبة لمراقبة والتأكد من فهمه لما يقرؤه وكذلك معرفة بنقاط قوته وضعفه في القراءة أما التحكم بالمعرفة فهي الاستخدام الفعلي لتلك الإستراتيجيات من مراقبة و ضبط فعلي وتنظيم لعملية التعلم.
وتشير البحوث إلى العديد من التصنيفات التي تحمل نفس المعنى لمهارات ما وراء المعرفة فمثلاً تصنف ما وراء المعرفة في مجالين كبيرين (Jacobs & Paris, 1987, Flavel, 1987) هما : أولاً: التقويم الذاتي للمعرفة Self- appraisal Cognition ويشمل المعرفة (التصريحية والإجرائية والشرطية). وثانياً: الإدارة الذاتية للمعرفة Self – management of cognition وتشمل: 1) التخطيط: الاختيار المتعمد لإستراتيجيات معنية لتحقيق أهداف معينة. 2) التقويم: ويتضمن تقدير مدى التقدم الحالي في عمليات محددة ويحدث أثناء مراحل العملية التعليمية. 3) التنظيم: ويتضمن مراجعة مدى التقدم نحو إجراء الأهداف الرئيسية والفرعية وتعديل السلوك إذا كان ضرورياً.
ويرى مارازانو Marazano (1998) أن مفهوم ما وراء المعرفة يشمل مكونين أساسين هما: أولا : المعرفة والتحكم الذاتي ويشمل الالتزام والمواقف والانتباه. ثانيا : المعرفة والتحكم بالإجراءات ويشمل أهمية المعرفة والسيطرة التنفيذية للسلوك، وأهمية المعرفة إما أن تكون تصريحية أو إجرائية أو شرطية، أما السيطرة التنفيذية للسلوك فتساعد على التقويم والتخطيط والتنظيم.
ويرى بينترش وديجورت Pintrich and Degroot (1990) أن مفهوم ما وراء المعرفة له ثلاث مكونات هي التخطيط والمراقبة وتعديل الإدراك أما أونيل وأبيدي O'neil and Abedi (1996) فأضافا إلى ذلك مكون الوعي لاعتقادهما بأنه لا يمكن أن يكون هناك تفكير ما وراء معرفي بدون شعور بالوعي بما وراء المعرفة. ويشير شرو ودينسون Schraw & Dennison (1994) إلى أن ما وراء المعرفة لها مكونان هما: مكون المعرفة ويشمل معرفة (تقريرية، إجرائية، شرطية) ومكون التنظيم و يشمل التخطيط وإدارة الإستراتيجيات والمراقبة وتصحيح أخطاء التعلم والتقويم. أما فتحي جروان (1999) فيصنفها إلى: 1) التخطيط. 2) المراقبة والتحكم، 3)التقييم.
وقد تبنت الباحثة في هذا البحث الحالي التعريف الذي اعتبره باريس و وينوجراد Paris and Winograd (1990) من أكثر التعاريف التي أقرها الباحثون وهو أن ما وراء المعرفة يشمل نوعين هما التقويم الذاتي للمعرفة Self appraisal of cognition والإدارة الذاتية للمعرفة self management of cognition .
وبما أن التفكير ما وراء المعرفي هو تفكير في التفكير أي هو وعي داخلي وليس إجراء ظاهريا فقد يكون الفرد نفسه غالبا ليس على وعي بهذا الإجراء فمثلا انتظار الطالب قبل الإجابة قد يكون بسبب جهله بالإجابة وقد يكون انتظاره دليلاً على مراجعته و تنظيمه لخطوات تفكيره . لذلك يقاس التفكير ما وراء المعرفي عادة عن طريق الاستدلال عليه من خلال أداء الطالب أو تقديره من خلال مقابلته وسؤاله أو التحليل من خلال التفكير بصوت مسموع ولكن توبياس وهاورد (Tobias and Haward, 1995) يعتقدان أن طرق القياس هذه قد يصعب تطبيقها في التعليم لأن ذلك يتطلب فحص الطلاب فرادى وملاحظة سلوكهم عن قرب.
ثالثا: السعة العقلية
وهي المكون الرابع النشط من مكونات الذاكرة (الذاكرة الحسية والذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى والسعة العقلية) والتي تقوم بتجهيز المعلومات عند استدعائها من الذاكرة وتفاعلها مع مثيرات البيئة في الموقف التعليمي. وعرفها بسكاليون بأنها "مخزون الطاقة العقلية الذي يمكن تخصيصه لزيادة فعالية وحدات المعلومات ذات الصلة بالسؤال ويقاس هذا المخزون بأكبر عدد من المخططات المختلفة التي يمكن لهذه السعة أن تضيفها في السلوك العقلي للمتعلم" (عن فاطمة رزق, 1993:38) و تزداد السعة العقلية بزيادة العمر الزمني للفرد بمعدل مخطط واحد (وحدة واحدة) لكل سنتين فتبلغ وحدة واحدة من عمر (3-4) سنوات في مرحلة ما قبل العمليات المبكرة وتصل إلى سبع وحدات في سن 15 وأكثر في مرحلة العمليات المجردة المتأخرة أي أن السبع وحدات تمثل الحد الأقصى الذي تستطيع السعة العقلية تشغيله بنجاح أثناء أداء المهمة. ويمكن زيادة كفاءة السعة العقلية في تشغيل وتجهيز المعلومات عن طريق تنظيم وتنسيق المعلومات والمفاهيم العلمية في صورة وحدات ذات معنى بحيث لا يمثل حملاً زائداً عليها مما يسهل عملية الفهم والاستيعاب للمعلومات والمفاهيم العلمية ً.
وقد قامت إسعاد البنا وحمدي البنا (1990) بدراسة العلاقة بين السعة العقلية والتحصيل الدراسي وأنماط التفكير والتعلم لدى الطلاب الجامعيين وأشارت النتائج إلى وجود علاقة بين درجات التحصيل في الكيمياء ودرجات النمط الأيسر عند ذوي السعة العقلية (5) ودرجات النمط الأيمن والنمط المتكامل عند ذوي السعة العقلية (6,7). كما توصلت هناء عباس (1991) إلى وجود تأثير دال إحصائيا للسعة العقلية على التحصيل في العلوم وكذلك تأثير دال إحصائيا للتفاعل بين السعة العقلية وطريقة التدريس على التحصيل في العلوم لدى تلاميذ الصف الثاني الإعدادي. وكذلك أشارت دراسة عادل سرايا (1995) إلى أن السعة العقلية تؤثر تأثيرا دالا إحصائيا على تحصيل المفاهيم العلمية لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية، في حين توصل كمال زيتون (1997) إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية في درجات التحصيل الدراسي في المتغير المتعلق بالسعة العقلية عند استخدام إستراتيجية خرائط المفاهيم ودوائرها. وهدفت دراسة عبد الرزاق سويلم (2003) إلى دراسة التفاعل بين استخدام العصف الذهني والسعة العقلية في تدريس العلوم على تنمية عمليات العلم والتفكير الابتكاري والتحصيل لدى تلاميذ الصف الثاني الإعدادي وأظهرت النت
ساحة النقاش