الدَّلَّال
إنِّي أنا الدَّلَّالُ في زَمَنِ الْعَجَبْ
وَبِضاعَتي هذا القَطيعُ من الْعَرَبْ
لَمَّا اشْتَرَيْتُ دَفَعْتُ كُلَّ ذَخيرَتي
واكْتَلْتُ مُبْتَهِجاً بِميزانِ الذَّهَبْ
غامَرْتُ مُنْتَظِراً رَوَاجَ تجارتي
بِعُروبَةٍ كانتْ تُعِزُّ مَنِ انْتَسَبْ
لكنَّ دُولابَ الليالي دائرٌ
لِيَعودَ رأسُ العِزِّ يوماً للذَّنَبْ
إذْ إنَّني لَمَّا عَرَضْتُ بضاعتي
بِمَزادِ أرْبابِ المعالي والرُّتَبْ
ما جاءني إلا صدى صوتي أنا
((مَن يشتري منِّي العروبةَ والعربْ))؟!
فَرَفَعْتُ في سوقِ الرِّجالِ عَقيرتي
عَلِّي ألاقي مَنْ يُساوِمُنِي اقْتَرَبْ
ناديتُ أهلَ السُّوقِ هَيَّا ما بِكُم ؟!
هاؤمْ بضاعةَ مُنْتَقٍ فيها الحَسَبْ
فَهُمُ الذينَ على الْمَفاخِرِ نُشِّئوا
حيثُ المَكارِمُ شَمْسُهُمْ لا تُحْتَجَبْ
وَهُمُ الذينَ تَكَحَّلَتْ عينُ السَّما
مِنْ عِزِّهِمْ في السَّابقاتِ مِن الحِقَبْ
كِسْرَى وقَيصَرُ جُنْدِلُوا بِسُيوفِهم
حينَ اسْتَطالوا ضِدَّ أبناءِ الغضَبْ
وَلِكُلِّ مَلْهوفٍ رَجاهم نُصْرَةً
هَبُّوا زُرافاتٍ يُلَبُّونَ الطَّلبْ
بَسْطُ الأيادي من أقَلِّ خِصالِهم
للبائسينَ وكُلِّ مَنْ لَهُمُ انْتَدَبْ
أُفُقُ الْمَعالي تحتَ سَطْوَةِ مُلْكِهم
والْمُعْصِراتُ لِغَيرِهم لم تُحْتَلَبْ
هذي أُصولُ بضاعتي فَتَفَضَّلوا
وإذا بِصَوتٍ هامسٍ لي عن كَثَبْ
نِعمَ البضاعةُ لو نَمَتْ كَأُصولِها
لكنَّ سُوسَ الذُّلِّ قد نَخَرَ الْعَصَبْ
فَنَمَتْ فروعٌ سُوسُها بِرُؤوسِها
لا تَنحَني للهِ بلْ لِمَنِ اغْتَصَبْ
هانَتْ فَهانَتْ أرضُها وسماؤها
للغاصبين تَبيعُها أو قُلْ تَهَبْ
ما كانَ يَحْرُمُ للأعادي مَسُّهُ
حِلٌّ لَهُمْ من دونِ جُهْدٍ أو تَعبْ
حتى اسْتَباحوا أرضَنا وَدِيارَنا
وَمُقَدَّساً كان الْمَسَاسُ به الْعَطَبْ
ما عادَ فيهم نَخْوَةٌ ومُروءةٌ
وشجاعةٌ حتى المعالي تُكْتَسَبْ
زرعوا المَخاوِفَ والخُنوعَ لِيَحْصُدوا
جِيلاً يُسابِقُ في التَّنازُلِ والْهَرَبْ
مَرَدوا على جَرْعِ الْهَوَانِ بِنَكْهَةٍ
وَطَنِيَّةٍ حينَ الأراضي تُنْتَهَبْ
بل حارَبوا الشُّرَفاءَ في أوطانِهم
حيثُ الدَّناءةُ مِن أعاديها الأَدَبْ
فَغَدا عُلُوُّ الشَّأنِ مُقْتَصِراً على
أهلِ الهَوى وَذَوي المعازِفِ والطَّرَبْ
ومُمَثِّلينَ ذُرَا البُطولةِ نَكَّسُوا
بئسَ البُطولَةُ في الدِّيَاثَةِ مِنْ لَقَبْ
فَصَرَخْتُ غيرَ مُصَدِّقٍ ما غَصَّني
وَيْلي على ماضٍ تَهَاوَى وانْقَلَبْ
مَنْ ذا يُعِيدُ إلى العُروبَةِ روحَها
لِيَعودَ للأكْوانِ شَرْقٌ قد غَرَبْ؟!
وَيَعودَ خَدُّ الشَّمْسِ في أوطانِنا
مُتَوَهِّجاً يَرْمي الأعادي بِاللهَبْ
تَبّاً لِأسواقِ الرُّجولَةِ أَقْفَرَتْ
إذْ لا رِجالَ سِوى ذُكورٍ مِن خَشَبْ
حيثُ الذي أَثْقَلْتُهُ بِزَبَرْجَدٍ
حُزَماً يُباعُ كَمِثْلِ أَعْوادِ القَصَبْ
حتى أَضَعْتُ ذَخيرَتي وتجارتي،
وَبِضاعَتي الْمُزْجاةُ كَومٌ من حَطَبْ
يا وَيْحَ مَنْ كانت تجارَتُهُ بِلا
رُشْدٍ، ولا عِلْمٍ بِلَيلٍ قد وَقَبْ
لا تَعْذلوني إنْ عَرَضْتُ قَطيعَكم
لِلبَيعِ في عَصْرِ الرَّمادَةِ وَالْوَصَبْ
ضَاقَ الْمَدَى ذَرْعاً بِحَجْمِ مُصيبَتي
يا ليتَني ما عِشْتُ في زَمَنِ الْعَجَبْ
💚🌿❤️🌹
المعلم المظلوم: محمد عمر
٩_٢_٢٠٢٤