عالم مصاب بالجنون
منى رفيق بولس
لبنان
ماذا بقي من الإنسان؟!
ماذا بقي من فكره وإنسانيته؟!
إلقاء نظرة سريعة تكشف الفاجعة الكبرى التي مني بها الإنسان، في حضوره ورسالته ودوره.
حروب طاحنة وتدمير لوجه الأرض، سفك للدماء وقتل للبشرية وقتل للأحلام والحقوق، أطفال يموتون من قبل أن يولدوا، وصغار لم ينبت بعد زغب أجنحتهم يقتلون، وشباب طموح تعدم أحلامه في مهدها، آباء وأمهات ينوحون، عويلهم يملأ آذان الكون، وشيوخ يقضون تحت الدمار.
أمراض تحضّر في المختبرات الشرّيرة وترمى في أرجاء واسعة من الكوكب، تتسلّل إلى الأجساد اليافعة وتلك المرهقة، لا فرق طالما تجد ما تتغذّى به، تكثر النّعوش، وتطول تظاهرة الرّحيل.
لا شيء غير الرّحيل المبكّر، والشرّ لا يستكين ولا يغفو، وعيه فاق حدود العقل، جشعه لا يعرف الاكتفاء، وخبثه يدير الوقت وفق غاياته وطموحاته، وقد بسط سلطته على كل جهات الأرض وجلس يدخّن حقده وبشاعته ويلوّث الحياة.
مخيلته رهيبة، وإبداعاته لا مثيل لها، يزرع الأفكار الشائنة ويتحدّى الله في خلقه، ليس في قوانينه ذكر أو أنثى، ولا فرق عنده بين إنسان أو حيوان. يلقي قنابله في حضرة البلهاء ويعمي عيونهم بوهجها، يغسل أدمغتهم ويجمّل في عيونهم تغيير جنسهم وصوتهم ونوعهم، فيعشقون النباح والمواء، أو استبدال البنطال بالفستان، والعكس صحيح. تعلو جلبة المثليين، ويرتفع صراخ حقوق الإنسان والحرية الشخصية، تنهار القيم تحت وابل الفساد كما تنهار الأبنية الشاهقة تحت وابل الحقد، ويموت الإنسان.
ما هذا الجنون؟!
ما هذا الدمار؟!
وما هو وجه المستقبل في كون ضاعت مقاييسه وقيمه وأخلاقه وإنسانيته؟!
هل سنعيش لنرى وجه الآتي، أم إنّنا سنمشي في تظاهرة الرّحيل غير آسفين على حياة تخنقها جلبة المتسلّطين والفاسدين والأغبياء؟!