أوّل وآخر الأسرار.
عادت من معصرة الحياة عطشى، بعد أن عقدت أنامل القسوة قلبها بكل قوّة، ومزقته كمنديل بددته أشعة الشمس الحارقة.
أخرجت ما تبقى من جعبتها ..فهي لا تريد أن تخبئ أحلامها ولا ترغب بأن تحتضن أمنياتها.
أمسكت كل ما في جعبتها دفعة واحدة ورمته في فم القدر ومعصرة الحياة المعقدة.
أرخت قبضتها لما شعرت بأن آيات السماء دواؤها، وبأن صوتها العميق الصادح باسم الله لن يسمعه إلا الله.
ثمة جرح عميق يبتلع كلماتها، يطعن شغفها، ويجفف احساسها، حتّى أن قلبها يحتاج الف أغنية حزينة تُسيّل دموع حبيسة في أعماقها.
تلك المَرّة مُرّة جدّاً ، فالدموع لامست قلبها لا خدّيها.
كانت كُلّما أصابها الجمود، وخيّط الحزن شفتيها بإبرة السكوت، أمسكت قلمها، ثم ذرفت دمعتها، وغنّت أغنية الوجود، لِتلحن لها الملائكة لحن الصمود والتحدّي والتوكل، مرددين أن كلٌ يجري بمستقر له، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها الله .
توضأت وصلّت صلاة الليل، ثم جلست تقرأ القرآن فغمرها الأمان والسلام الداخلي... أحاطها النور من كل الجهات فتبسّمت واستبشرت وعرفت أن سرّ الداء اللجوء إلى الله...
أدركت أن إيمانها مصدر قوّتها، وأن كونها مؤمنة صابرة لا يعني أنّها منزهة عن الألم والاختبار، بل يعني أن قربها من خالقها أوّل وآخر الأسرار، مصدر الأنوار والإشراق الذي يعلّمها متى وكيف تعيش ضعفها كاملاً ومتى تُظهر قوّتها بصحبة إبتسامتها المفعمة بالتسليم والرضا.
رهام غندور.