لماذا أكتب ؟
لم أسأل نفسي سابقا لماذا أكتب، حتى أتت الراقية كلود صوما وطرحت السؤال.
استجمعت أوراقي وذكرياتي لأكون جاهزة للإجابة. أنا ابنة شاعر، ولدت والكلمة تضيء عالمنا. سمعتها ورأيت أربابها في منزلنا. صوت أبي ، يصدح بها، ملأ ذاكرتي، وصنع طفولتي وشبابي.
ثمّ أتت جدّتي لأمّي تلمّع بريق موهبتي، هي التي حرمها الاغتراب من رؤية أربعة من أولادها زمنا طويلا. كانت تأتي إليّ وتطلب منّي، أنا الصغيرة، كتابة رسائل تبكي الحجر، وكنت أكتب. لقد اعتمدتني كاتبة رسائلها، ومبكية أولادها ردحا طويلا من الزمن.
وأتى معلّمي، أستاذ اللغة العربية كميل خوري رحمه الله، وكنت في الصف السادس، وربّت يوما على كتفي قائلا : لديك مستقبل يا صغيرة.
هي أوراق ذكرياتي ترتسم أمامي، وتكشف لي أنّ علاقتي بالكتابة قديمة وعميقة، وقد تكون ولدت معي.
الكتابة رسمت دروبي، معلّمة ومفتّشة تربويّة وروائيّة شاعرة وأديبة. أجد الكلمة صديقتي في كلّ ذلك، وهي رفيقة دربي أينما حللت.
اليوم أكتب لأنّني أحمل وزنة عظيمة عليّ استثمارها لتعطي وزنات، جاد الله بها عليّ. أكتب لتأدية رسالة مقدّسة تحمل مشاعر الإنسان وفكره وقضاياه وعذاباته وآلامه وأفراحه وكلّ ما يهتزّ في داخله. أكتب لأنّ صدري يمتلئ ويفيض وينساب على الصفحات، وإن لم أفعل ذلك لا أشعر بالراحة، لا بل أشعر بأنّني خنت كَرَمَ الربّ عليّ. وأكتب لأترك بصمة مروري في هذا الكون، إذ من الصعب جدّا عليّ أن آتي وأرحل دون حصاد إنسانيّ وأدبيّ وفكريّ قيّم.
أكتب كي لا أموت .
منى رفيق بولس
هذه الصورة تعود إلى يوم توقيعي كتابي الأوّل _ روايتي بعنوان " رنا " .. وتحمل فرح الكاتبة بمولودها ..
