إذا انزويتُ عن الأنظار يَعْرِفُني
غِرُّ الحياة وشِيب الدهر من قِدَمِ
روحٌ تَلالتْ كحَبِّ الدُّر في حَلَقٍ
والنورُ منها كبدر الليل للظُّلَمِ
إذا غدوتُ إلى أفْياء ضَيْعَتِنَا
خَلَّفْتُ ذِكْراً يَعُمُّ الأرض بالقِيَمِ
لا المالَ أطْلبهُ أو كاد يُشْغلني
وما التفاخر بالأحْساب من شِيَمَي
بَقَرْتُ أسْراب أحلامي عدا حُلُمٍ
هام اشتياقاً إلى العلياء كالنُّجُمِ
فإنْ ذُكِرْتْ بوادي الشعر أطْرَبني
ذِكْري، وغَنَّى بصدري طائر النغمِ
وإنْ جفاني رفاق الدرب لم أَلُمِ
وسرتُ في وِحْدةٍ أطْوي بها ألمي
فأمْزج النُّدَماء الحِبْرَ بالقلمِ
فأستفيقُ على بُرْءٍ من الكَلَمِ
كذا أعيشُ ولا أقْتاتُ ذِلَّتَها
ولا أُداهنُ يوماً بائع الذِّمَمِ
فالحُرُّ لا يرتضي الأغلال ثانيةً
أو ينتحي ذِلَّةً عن شاهق القممِ
والناسُ في طلب الدنيا مذاهبهمْ
شتَّى وما فِتَنُ الأشياخِ كالحُلُمِ
ألوتْ سنين النوى عن ذِكْرِ قافِيَةٍ
غاصتْ إلى دُررِ الألفاظ والحِكَمِ
ثم اعتلتْ أُفُقَ الأشعارِ تَذْرِفُها
كما ارتشاحُ الندى في هَبَّةِ النسَمِ
للهِ دُرُّ مَنِ الأمجاد هِمَّتهُ
أنَّى يُضامُ وعينُ الجِدِّ لم تَنمِ
عبد اللطيف عباده