-التقرير الثالث-
وحدثني سخلون بن عنزة أثناء زيارته المشهورة لي عندما سالتُه عن حال الشعراء وأغراض الشعر لديهم قال بعد ثغاء طويل والامتعاض يصبغ وجهه والشرر يتطاير من عينيه : "إن حالَ الثغاءِ- أي الشعرِ- لديهم رديءٌ وإن معظمَ الصغارِ لديهم لا يجيدون المبادىءَ الاساسيةَ للثغاءِ بل إنهم يخلطون الثغاءَ بكثيرٍ من النواءِ والعواءِ والخوارِ والنهيقِ. وقال مُعلٌِلا: "وهذا يفسر لجوء عائلتِنا للغتِكم العربيةٍ الجميلةِ ومحاولاتِنا الاقتداء بشعراءِكم على مرِّ العصورِ خصوصًا المعاصرين الذين يملكون نواصيَ اللغةِ نحوًا وصرفًا بإتقانٍ عجيب." وأضافَ إثر ثغاءٍ خفيفٍ يشبه التنهيدةَ لدينا، إن اندفاعَ أخيه نحونا كان مبالغًا فيه لدرجةٍ انه وقعَ في غرامِ فتاة تُدعى "أثينا" من عائلةِ "الانجليزي" وهي عائلةٌ عربيةٌ أصيلةٌ. وكانت تبادلُه الغرام إذ كانت تقدم له باقةً من الزهورِ كلَّ يومٍ مرفقة بالمداعبةِ واللمسِ والهمسِ. ولكن ثلةٌ من الحاسدين ، عكس ما عندنا "نحن العرب الشرفاء"، أبَوْا إلا أن يفسدوا هذه العلاقة الشريفة بين الجنسين فتمّ طردُه الى بلدٍ بعيدٍ تاركًا فتاتَه تندبُ حظَّها.
هنا حكّ فحلون جنبَه بذراعِ الكنبةِ الخشبيِ عدة مرات وهمّ ان يفركَ قرنيه غير اني تمكنتُ ان انبهَه في الوقتِ المناسبِ فثغا معتذرًا ثم قال "وكنتُ أعرفُ أثينا بائعةَ الزهورِ حسنَ المعرفةِ اذ كانت تسكنُ في القريةِ المجاورةِ، وعلمتُ أنها كانت تفضلُ أن تقدمَ لسخلون ما عصيَ عليها بيعُهُ من الزهورِ بدلًا من أن تلقيَه في القمامةِ، ويُقال إنها تأفّفت من كسلِه وتحشّرِه بها فباعتْهُ يومَ الأضحى لجزارِ القريةِ بثمنٍ بخس. ولكن نحن بني عنزة على نقيض العرب، نحب الشائعات ونطيع من يذبحنا ونصدق قصصه الملفقة. فقلنا ان أباها بتشجيع المغرضين قام بحبسها في البيت ونفى سخلون. وقلنا إن سخلون، او "سخلون أثينا" تاه في البلدان والبوادي باحثا عن أثينا. وقال فيها الكثير من الشعر، والقصيدة أدناه من ارق ما رُوِيَ عنه. يا ليتك تنشر القصيدة."رغم الحرج من موضوع القصيدة في هذه الظروف الكارثية وكبر سني الا أني لم استطع مقاومة فحلون وإلحاحه. فحب الوطن والمحبوبة امران متلازمان زعم فحلون.
سخلون أثينا
رمـانـي اللحظُ والطـَّرفُ الكـَحيـلُ
ومَـشْـقٌ القَـدِّ والـخـَصرُ الـنَّــحـيـلُ
وثَـغــرٌ قــد تَــفَــعَّـم مــنْـهُ شَــهــدٌ
صَفـا لَـونًــا ومـــاءٌ سَــلسَـــبـــيــلُ
عجِـبتُ لِسـهمِ لَحظِـكِ كيف يُـردي
شُـجَـاعّا قـولُـهُ الـسَّيـفُ الـصَّـقيـلُ
قَـوامُكِ غُـصـنُ بـانٍ إِنْ تـثـنَّـى
كـأَنـَّمــا فـُـرعُ نَـخـلٍ إِذ يَــمـيـلُ
فــداؤُك بـتُّ أهـذي في أشتياقي
وعَـقـلي فـوقَ غَيـمـاتي ضَلـيلُ
فـُـؤادي يصْطَـلَيــهُ جِمـارُ نــارٍ
ولـيـسَ لــهُ إِلى الـمَـنـجـى دَلــيــلُ
فَـلـولا أن حـفـظتُ الـعَـهـدَ دَوْمًـا
مُـصـانًـا تـاجُـهُ الـعَــمَــلُ الـنَّـبـيـلُ
لَـمـا سـطَّرتُ فـي الـخِـلّان شـعـرًا
كَــمــا يَــهـواهُ قَــيــسٌ أو جَـمـيـلُ
ولـكِـنِّي كَـتـمـتُ جـَسيـمَ أمـري
لَـعــلَّ الـلـومَ مـن قَــلـبـي أزيـلُ
ونـاجـَيـتُ النجومَ حديثَ تَـوْقٍ
عـَسـى يُـلـقى لِـرؤيـاكُـم سبـيلُ
ســأصـمتُ دونـمـا أَعذارَ حـتـى
يـُبــَرَّدُ فـي جـفاكِ لـيَ الـغَـلـيـلُ
يَـقـيـناً سـوف أَجني من ثِمـاري
ولا أُعـنـَى بِـمــا طَـعَـنَ الـرَّذيـلُ
فَـبَـدري ظـاهِـرٌ مِـن بـعــدِ غـورٍ
وبَـدرُكِ دامَ لـيـــسَ لــهُ مَـثـيـلُ
ألا ليـتَ الـزَّمانَ يَـجـودُ كَـيـمــا
يُــؤازرنــي وَلـي أبَــدًا وَصــيـلُ
سيحمِلُـنـي النَّسيـمُ على جنـاحٍ
فـإنـي نـحـوَ سُـكْـنـاكُـم رَحـيـلُ
ويَأتـي الـغَوثُ من رَبـّـي جزيلا
لِـيُـرشِـدَنـي إذا الـبَـلـوى تَـهـيـلُ
جمال اسدي