من كان يصدق أن الأيام سوف تدور ويقف كل أقطاب النظام السابق أمام القضاء‏،  يواجهون تهم التربح والفساد والإفساد واستغلال النفوذ والتحريض علي القتل‏، مجردين من كل جاه وسلطان إلا حقهم في المواطنة الذي يضمن لهم محاكمة نزيهة‏!‏

اعترف بأن الأمر بدا لي في البداية قاسياً بعض الشئ، خاصة بالنسبة لشيخ تجاوز الثمانين يعاني من مرض عضال،  ربما لأنني انتمي إلي جيل سابق تربي في السياسة علي إمكان قبول الحل الوسط، علي عكس جيل جديد يصر علي كامل حقه، وربما لأنني ريفي يعطي للعاطفة قدرا اكبر مثل غالبية المصريين، لكن قرار النيابة العامة بالإبقاء علي الرئيس السابق محبوسا في مكان لائق في المستشفي، علي ان أري الصورة من زوايا أخري مختلفة، ربما تكون اكثر واقعية وأقل رومانسية لكنها الأقرب إلي الحقيقة، لأن العدالة ينبغي ألا تتجزأ، وإذا كان الجميع يواجهون اتهامات محددة تمليها أدلة وأسانيد تراها النيابة العامة صحيحة، فكيف يمكن استثناء رأس النظام الذي يتحمل بحكم سلطاته الدستورية الواسعة مسئولية لابد ان تتوازن مع حجم سلطاته، لأنه في البداية والنهاية صاحب الأمر والنهي وإلا اختل ميزان العدالة.

وأظن أن وجود هذا الجمع الحاشد من قمم النظام في زنزانات مزرعة طرة، يؤكد أن مصر غادرت علي نحو نهائي لا عودة فيه مرحلة تاريخية طويلة غابت فيها المساءلة والحساب، واختلط فيها العام والخاص، وتقاعس خلالها حكم القانون عن الوصول إلي النسق الأعلى من شخوص الدولة والمجتمع لأنه في ظل سلطة الحكم الفردي، الذي تم تخليده وتوريثه، غالبا ما ينسي الحاكم ان هناك دستورا وقانونا يتعين احترامهما لأنه يعتقد أنه الدستور والقانون لكن الوضع اختلف علي نحو جذري، وذلك في حد ذاته علامة فارقة في تاريخ الحكم في مصر، تجعل من المساءلة والحساب ناموسا مقدسا لا يمكن تجاوزه، وتمكن حكم القانون من الوصول إلي الجميع كانوا في القاعدة أو القمة، وهذا هو مغزي الدولة المدنية القانونية التي يريدها الجميع.

وتكمن الفضيلة الثالثة لما حدث في أنه درس عظيم للمستقبل يلزم كل حاكم أن يتذكر دائما أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وان الحساب آت لا محالة، وأن هناك قيدا مشروعا يكبح جماح إرادته يتمثل في احترام الدستور والقانون، وأنه سوف يتجرد يوما ما من زهو السلطان ليصبح مجرد مواطن عادي.

ولست أشك في ان قضاء مصر الشامخ سوف يوفر للجميع محاكمة أمينة، يمثلون فيها أمام قاضيهم الطبيعي، تحفظ كرامتهم باعتبارهم مواطنين أبرياء إلى أن يثبت العكس، وتتوافر فيها كل ضمانات العدالة كي تكبر مصر الثورة أكبر وأكبر في عيون العالم أجمع.

المصدر: مكرم محمد أحمد- الأهرام المصرية
  • Currently 106/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 475 مشاهدة

ساحة النقاش

WafaaFarag
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

452,708