جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
#وادي #النمل
#قصة
#من #تأليف
علي الفشني
****************************************************************
وقف يتأمل تلك الحشرات الزاحفة والطائرة التي اضطرتها حرارة الشمس الى مجافاة مضجعها ومهاجرة مسكنها فخرجت تزاحمه في معيشته وتصدع عرش راحته فراغ اليها ضربا باليمين وبالشمال عامدا الى استرداد ما سلبته من راحة ثم أطرق للحظة وتأمل:
ـ ماذا لو تبدل الحال وصرت في موضع تلك الحشرات وصارت هي في موضعي ماذا كانت صانعة بي؟
واجتاحه الخمول من اسفله الى اعلاه وكان واقفا فجلس وارخى جميع عضلات جسده وسلم نفسه للنوم فأخذته سنة وفي هذه الأثناء ارتقت اليه نملة فالتفت اليها بغير وعي وقال لها بطريقة حالمة مستطردا:
ـ وانت ماذا ستفعلين .. ستقتلينني ثأرا أم مزاحمة أم ستمنحينني عفوك أم ماذا انت صانعة بي أم ماذا....؟
لم يتم حيث بدأ يتضاءل وينطوي وتقصر قامته وبدا كل شيء من حوله عملاقا وبالفعل صار في حجم النملة وصارت النملة في حجمه وسطع وجهه بالبهجة حين فكر انه يستطيع ان يتسلل الى وادي النمل الكائن بأحد الشقوق بباب منزله ولكنه انتابته حالة من الرعب عندما وجد النملة شيء عظيم كأنها وحش كبير فر من قصص الاساطير القديمة رأسها كبير قياسا مع حجم جسمها لها بطن بيضاوية وخصر صغير تملأ الحيز الذي يتواجد به وخشي أن تحطمه وهي لا تشعر او ربما تقتله انتقاما فأراد أن يلوذ بالفرار فهرول نحو وادي النمل بحيث يكون خلفها فلا تؤذيه مارا من بين اقدامها واخذت النملة تتلاشاه بحرص شديد خشية ان تؤذيه فتعجب من صنيعها وتذكر مدى حرصه هو على التخلص من هذه الحشرات والقضاء عليها ثم اردف يقول:
ـ انها تستحق انها مزعجة .. مقلقة للراحة
وفي ذات الوقت تملكته الدهشة من تباين ارادته وارادة النملة وتساءل: (هل النملة اوسع مني رحمة وأرق احساسا ام أنها تزعم ذلك لتضرب به مثلا ويصبح عندها خبرا) وأخذ يتأمل النملة وكيف انها استطاعت ان تغير مسار أعظم جيش في التاريخ جيش نبي الله سليمان عليه السلام وان يخلد اسمها في القران الكريم فاراد ان يتتبع اثارها ويدرس عاداتها وسلوكياتها فقرر ان يأوي الى واديها وبسرعة وفي غمضة عين قفز الى وادي النمل تلك الشق بباب منزله ولم يصب بأدنى اذى ونظر امامه لكن كل ما امامه كان نملا واثبا على قدميه اعدادا لا حصر لها تبد في تجمعها ككائن واحد ورأى على مرمى بصره نملة تتقدمهم كأنها توجههم لعمل شيء ما لم يضع ولا لحظة وتقدم اليها مسرعا كالرياح ليسمعها تقول وهي تلوح بذراعيها: (( خذوا حذركم وادخلوا مساكنكم)) كان قد اقترب من خلف ظهرها حين لوحت بالانصراف لكنه ما عاد يرى النمل الغفير ووجد نفسه امامها لوحدها وجها لوجه وبدت النملة في وضع استعداد للدفاع عن مستعمرتهم ظن ساعتها ان بقاءه محفوف بالخطر خاصة بعد ان صار يماثلها في الحجم ربما تكون المصارعة سجال بينهما وربما تتغلب عليه النملة فانتظر يفكر وفرك عينيه ثم ظل يراقب النملة وسرعان ما انقضت عليه النملة وعضت عليه بفكيها ورفعته لأعلى فاطلق صرخة مكتومة وقال: ((أهكذا تكرمون ضيوفكم جئتكم زائرا)) وجه هذه العبارة الى النملة والى نفسه متعجبا.
قالت النملة:
ـ تلك حيلة اخرى
رد عليها قائلا:
ـ الحيلة وسيلة الضعفاء فلماذا الاحتيال وانا استطيع ان احطمكم بخنصري
رمقته النملة بنظرات حداد:
ـ انت معتدي
ثم قالت مستطردة:
ـ ما سنفعله بك هو حق مشروع انت استخدمته قبل ذلك
حاول كثيرا ان يحرر نفسه من قبضة فكيها ولكنه لم يستطع الى ذلك سبيلا الى ان خارت قواه وتسلل الوهن الى نفسه ولم يفتر يردد: (( انا زائر جئتكم للتعارف)).
في هذه الأثناء خرجت مجموعة من النمل من شق بمؤخرة وادي النمل وتحركت في صف واحد متوجهة الي النملة في خطوة منتظمة وكلما مرت مجموعة النمل بشق في الوادي خرجت منه مجموعة مماثلة التحقت بها الى ان صارت المجموعات صفا عظيما أوله عند النملة واخره في زيل الوادي تنهدت النملة بعمق ووضعته على ظهر مجموعة النمل التي امامها كأنه كم مهمل فنظر اليها وحاول ان يتكلم لكنه غص في دموعه لدقيقة او اثنتين فمنعه الانتحاب من اخراج صوته قالت النملة: ((كذلك الجمه الكبر)) وشرعت مجموعات النمل في هزه بقوة ونقله من مجموعة الى اخرى واخيرا استرد صوته ومضى يقول:
ـ صرت من مدخرات النمل
ويطلق الضحكات ويردد:
ـ صرت من مدخرات النمل
واستمر هكذا الى ان سقط من فوق ظهر مجموعات النمل وقال وهو يدعك عينيه:
ـ مدخرات النمل
ثم استطرد بشيء من الشدة:
ـ اصبحت اشغل حيزا من الفراغ
استيقظ من غفلته وقام يبحث عن النملة في نفسه وعلى الارض الى ان وجدها فامسك بها ووضعها نصب عينيه ليتبادلا النظرات ثم صاح منتصرا:
ـ انت الان معتدية اليس كذلك
ثم اطلق حنجرته ترسل الضحكات وما لبث ان انفرجت شفتاه عن ابتسامة عريضة قائلا:
ـ العفو من شيم الكرام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي الفشني