بعيدا ً عن سياسات ولهجات التخوين والتخويف المستمرة التي تتبادلها القوى المعارضة للنظام مع جماعة الإخوان المسلمين, فلابد لنا أن نتفق أن كلا الفريقين على يقين بمغارم التظاهرات شبه اليومية والاعتصامات واغلاق الميادين العامة وتعطيل المصالح الحكومية وتوقف حركة الانتاج واحداث شلل فى عملية التحول الديمقراطى والولادة المتعسرة لمصر الجديدة، التى ينشدها الشعب الصامت متوافقا مع النظام والمعارضة.. الا ان الكل يختلف على مقدمات تلك الولادة ومدخلات عملية التحول؛ الأمر الذى شوه هذا التحول ووضع مستقبل مصر برمته على حافة الهوية. وأن هذا التحول لعامين كاملين بات يمر ببطيء شديد وعلى رفات الشهداء وأنقاض المرافق العامة، وبالشكل الذى جعل المواطن العادى يكفر سراً وعلناً بالثورة، ويرى أنه ليس فى الفريقين المتصارعين من هو كفئ لإدارة البلاد .. والبعض يعتقد أنهما لا يصلحان، ولا يرى فى أحدهما بديلا لنظام مبارك، رغم ما وُصم به من فساد. الأمر الذى جعلنا نقر كمراقبين للمشهد السياسى أن الوطن الآن يمضى لمستقبله حاف وفوق صفيح ساخن.
ورغم خبراتنا العديدة كمصريين بفنون الحوار والاقناع والتفاوض للدرجة التى أصبحنا بها نصد تلك الخبرات لكثير من الدول العربية والاجنبية أحيانا، الا أننا فشلنا فى تحقيق أدنى درجات الوفاق الوطنى على الأرض، واذا نحينا فكرة التخوين والتآمر والطموح السياسى لأى الفريقين، تصبح الأزمة الحقيقية فى مصر تكمن فى قنوات الحوار بين مؤسسة الرئاسة والمعارضة. وأن مصدر هذه الأزمة يكمن فى التنافر المعرفى بين الفريقين .. فكل من مؤسسة الرئاسة والمعارضة يتصور بل وعلى يقين بأن على صواب ويمتلك الحقيقة المطلقة والأخر خطأ على طول الخط. وإذا كان لكلا الفريقين قناعاته الشخصية التى تدفعه دفعا لارتكاب سلوكيات يعتقد هو فى صحتها ولا تجنى مصر من ورائها إلا الخراب ،، فدعونا نناقش الجميع فى قناعاته ونحول حالات التنافر المعرفى بينهما إلى تقارب معرفي ، ربما يساعدنا فى الوصول إلى الحد الادنى من الوفاق الوطني.
وهذا يستلزم أن يجتمع الطرفان مع أنفسهما، ليعترف أما نفسه بأخطاءه وخيانته للثورة، مصارحاً إياها بهدفه من الصراع ، هل هو مصر ومستقبلها المنشود، أم الوصول أو التمكين من السلطة.
فإذا كان الصراع حقاً من أجل الوصول بمصر إلى صورتها المثلى فى أعين ثائريها ومكانتها التى تستحق، فقد سقط الخلاف. أما إذا كان الصراع يضر بالمن القومى، فيجب ايقافه على الفور. وليس ثمة دليل على تأثر الأمن القومى بهذا الصراع أكثر من تعرض مصر لعمليات إفلاس ربما تكون منظمة أو مقصودة ، تشير فيها اصبع الاتهام إلى الفريقين ، وربما تجبر الشعب فى القريب إلى ثورة جديدة، ليس لإسقاط نظام والإتيان بالبديل ، وإنما ثورة من أجل الطعام، ومن ثم وبعد هذه المكاشفة التى تجريها الأطراف المتصارعة مع الذات لا بد لها من لقاء فعلي، يحضره كل طرف ويحضر كل طرف معه قائمة أحلامه وتنازلاته ، ويبث الحوار على الهواء مباشرة لتشارك فيه كل أطياف الشعب، وعلى الطرف الذى يرفض الحضور أو المشاركة أن ينبذ من المجتمع ويوصم بالخيانة العظمى والتأمر، شريطة أن تأتى مؤسسة الرئاسة بنواياها الحسنة وليس حوار من أجل الحوار. وإذا كانت المعارضة قد رفضت دعوة الرئيس للحوار فى المرات السابقة. فإننى أدعو الأن القوى المعارضة للإعداد للحوار ودعوة مؤسسة الرئاسة للحضور .. وعلى الرئيس أن يستجيب ليس عن ضعف وانما حقنا لدماء الأبرياء وحرصاً على مستقبل الوطن..