في يوم اللغة العربية «1آذار/ مارس» من كل عام تخرج إلينا مجامع اللغة العربية، ومؤسساتها الحكومية والأهلية ببيانات وفعاليات متواضعة تكتفي خلالها ب "التذكير بحق لغتنا العربية الفصيحة"، و"الدعوة إلى حملة إعلامية"، و"تهيب بأبناء الأمة كافةً والمعنيين في الوطن العربي خاصة"، و"ليضطلع كل بدوره في الدفاع عن العربية"، و"لا بد من إيلاء اللغة العربية اهتماماً ورعاية خاصتين باعتبارها وعاء للفكر والثقافة العربية ولارتباطها بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا"، و"لا بد أن تصبح أداة تحديث في وجه محاولات التغريب والتشويه التي تتعرض لها ثقافتنا العربية"، و"على أبناء الأمة كافةً مسؤولية حماية حدود لغتنا التي هي الوطن الروحي لأمتنا"، وغير ذلك من العبارات العامة المألوفة التي كثر استهلاكها وترديدها منذ سنوات طويلة دون أن تضيف جديداً في زمن حرج تواجه فيه لغتنا العربية محنة قاسية بسبب إقصائها المتزايد عن مجالات العمل والتعليم والتعلّم والتواصل في معظم أرجاء الوطن العربي، وبسبب مواجهتها تحديات تبدأ ولا تنتهي، فهي تعاني ضآلة ما يترجم منها وإليها، مقارنة حتى مع بعض اللغات غير العالمية، وكذلك ضعف محتواها الرقمي على الشابكة (الإنترنت)، وضعفها المتصاعد في مواكبتها للتقانة ومستجدات العصر المتطور والمتغير، وعدم توحيد المصطلحات التي تضعها الجهات المتخصّصة المختلفة، وغيرها كثير وكثير، الأمر الذي تتسع معه الفجوة التي تفصلها عن اللغات العالمية في عصر المعرفة المتسارع إلى درجة يتعذر معها ردمها مستقبلاً.
نعم.. لم تفلح أكثر من قمة عربية كانت قد أدرجت قضية تعزيز اللغة العربية على جدول أعمالها في تحقيق خطة عمل ذات خطوات ملموسة في قضية تمكين اللغة العربية وتبني السياسات اللازمة لتعزيز مكانتها ودعم مجامعها ورجالاتها.
كنت أتوقع في هذا اليوم أن نكون أكثر تحديداً في وصف الداء والدواء، ووضع النقاط على الحروف حتى في عجالة هذه المناسبة، كنت أتطلع إلى معرفة المستجدات في عناصر البيئة التشريعية والقانونية والمالية الأساسية لتمكين اللغة العربية والنهوض بها، وكذلك في رصد واقعها ... أين تقدمنا وأين أخفقنا في مشاريع تعزيز المحتوى الرقمي العربي، وفي مراصد اللغة العربية في أمة اقرأ، وغيرها.
نعم لا يسعنا في هذا اليوم، إلا تشديد النقض الذاتي والإشارة بقوة وعزم إلى مواقع تقصيرنا ومسؤوليتنا الكبيرة على ما أصابها، وإخفاقنا كحكومات وأفراد في تعزيزها والنهوض بها، فكثيرا ما حمّلنا الاستعمار من قبل مسؤولية إقصائها و تهميشها، وها نحن اليوم نحمّل بعضنا البعض تارةً، ونحمّل العولمة تارةً أخرى، وقلما حمّلنا أنفسنا جميعاً المسؤولية.