WA-WEEKLY

 


   حين ترتفع اليد بالسلاح وتلتف السبابة حول الزناد وتضع العين بصمتها فوق أسفل منتصف الهدف، لا يتبقى بين الممثلين وإنزال الستار إلا ضغطة زر عابثة. لكن حوار الرصاص والدماء لا ينتهي دوما حيث تستقر الرصاصة لا سيما إن كانت الدماء حارة كما ينبغي. ولا يصفر الجمهور بالضرورة بعد كل سقوط ويسدل الستار على جسد مسجى تحت أضواء باهتة. ولا ينزل الغراب حتما بعد كل اغتيال ليعلم القاتل كيف يواري سوءة أخيه، أحيانا تبقى الجثة في المكان لتفوح منها رائحة الكلمات. فبعض الكلمات حتما لا تموت.
لم يكن قيصر روما ألكسندر الثاني ديكتاتورا أبدا حين أصدر فرمانا بتحرير العبيد عام 1861، ولم يكن مستبدا البتة وهو يصدر قوانين الإصلاح الاجتماعي الواحد تلو الآخر. لكن زمرة المعارضين لحكمه وقفوا لكلماته بالمرصاد، واستبدوا بديمقراطيتهم ووضعوا عجلة الإصلاح السياسي أمام حصان القيصر، وتمكنوا بالفعل من اغتياله عام 1880 بعد محاولتين فاشلتين لقنصه.
كان القيصر يتنزه كعادته في عربته المصفحة حين ترصد له ثلة من بعض ممثلي "الإرادة الشعبية" وألقوا على عربته قنبلة يدوية. لكن الرجل الذي أمّن قفصه الصدري داخل عربة نابليونية مصفحة لم يصب بأذى. بيد أنه حين هم بالهروب، باغتته قنبلة أخرى أصيب على إثرها عشرون رجلا من رجال حاميته. أما هو، فلم يسعفه أطباء قصره الشتوي بعد أن فقد رجليه وبعضا من أحشائه.
لكن محرر العبيد لم يمت هناك، ولم ترقص ذئاب القناصة فوق دمائه وأشلائه المبعثرة. فعلى أنقاضه، أقام ولده ألكسندر الثالث كنيسة ضخمة كان الناس يفدون إليها من كل حدب روماني. وظلت ذكرى الحاكم الليبرالي تتردد في أنحاء المكان زمنا لأن قاتليه عجزوا عن إيجاد خليفة له يستطيع قيادة روما من خطمها نحو أي مجد. وبكى على الرجل من البسطاء والمحررين أضعاف أضعاف من شربوا نخب اغتياله حول طاولات الخيانة.
من الزعماء من يتنفس الزمان لرحيلهم الصعداء، ومنهم من تحاول البلاد استنساخهم دون جدوى، فتكتفي بالدموع والحسرة. ومن القادة من تخفي سلالتهم شواهد قبورهم خوفا على أجداثهم من النبش، ومنهم من يزورهم الناس بعد رحيلهم زرافات ووحدانا ليتبركوا بذكراهم ويبكوا على تاريخهم. ويظل الحكم الأول والأخير للبسطاء لا لقادة الفكر أو النخبة السياسية. فهؤلاء أقدر الناس على الحكم على السير لأنهم لا يحكمون بأهوائهم بل يُحَكمون بطونهم وجيوبهم ومخادعهم
رحل ألكساندر الثاني عام 1880، ووجد مغتالوه آلاف المبررات لقنصه، لكن البسطاء الذين فكوا للتو أساور العبودية من حول معاصمهم وأزالوا الأختام من وراء أقفيتهم المسفوعة لم يجدوا ما يكفرون به عن خطيئة القتلة إلا الدموع والجوع والفقر. ولم يشعر القتلة وهم يغسلون أياديهم من دمائه أنهم كانوا مجرد كومبارس في مسلسل لعين يعيد مشاهده على أبصارنا وأسماعنا كل صباح ومساء
لكن اغتيالات اليوم في سوريا أو في لبنان لا تجد ما يبررها ولا من يبررها، لكن تزامنها يلقي حجارة الشك في سلة واحدة. فهناك من يداعب أوتارنا الدينية المشدودة ويعبث بعواطفنا المستثارة ليدخلنا في نفق الخلاف. هناك من يدق على مسامير المذهبية المقيتة في عقولنا المستباحة ليحصد من جهلنا ما يستعصي على طائراته وفيالق جنده. هنالك من يخرج المشاهد كلها ويرقب ردود أفعالنا السخيفة ويضحك ملء فيه حتى يستلقي على قفاه
أما نحن، فلا نجيد إلا الرقص على حباله المشدودة فوق حدودنا المستباحة، ونرفض التوقف ولو للحظة لنجمع أطراف المشاهد الهزلية فوق خشبات مسارحنا المترامية. على الزناد اليوم تلتف أصابع لكنها ليست كأصابعنا، وتصوب نحو صدورنا أعين ليست كعيوننا، ترصد تحركاتنا وتجيد شد الخيوط اللامرئية التي تحرك وصلات أجسادنا المنهكة. وفي كلا المعسكرين نحتشد لننفخ في كير الفتن ونؤجج نار الكراهية التي إن اشتعلت في بلادنا، فلن تبقي ولن تذر إلا هياكل متفحمة لن تجد من يبني فوقها مسجدا أو من يأتي لزيارتها إلا لبناء المستعمرات.

المصدر: عبد الرازق أحمد الشاعر أديب مصري مقيم بالإمارات [email protected]
WA-WEEKLY

صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة .. رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير : د. علاء الدين سعيد

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 84 مشاهدة

رئـيـــــــس مـجــلـــــــس الإدارة و رئـيــــــس الـتـحـــــــــريــــــر د. عـــلاء الـديــــن ســــــعــيــد

WA-WEEKLY
* السـنة الرابعة * العدد رقم ( 208 ) - ************ الخميس الموافق 27 نوفمبر 2014 تصــدر مـن الـقـاهـرة - جمهـورية مصــر العربيـة ====================== ALWATANULARABY JOURNAL ********* Chairman and Editor in Chief : ALAUDDIN SAID ====================== No. 208 - 27 of Nov 2014 ====================== CAIRO - ARAB REPUBLIC OF EGYPT »

ابحث

إشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك كل جديدنا ضع ايميلك هنا ثم اضغط للإشتراك

Delivered by FeedBurner

لا تنسَ الرجوع إلى أيميلك لتفعيل الإشتراك

لمراسـلتنا بأعمالكم و أخبارِكم و آراءِكم .. إيميلات إدارة النشر بالصحيفة 

  [email protected]
أو إلى
[email protected]
أو إلى
[email protected]

 برسـالة متضمنة السيرة الذاتية الموجزة موضحة بها بياناتكم وعنوانكم وجنسيتكم وصورة شخصية مختارة للنشر مع موضوعاتكم ، مع خالص تحياتنا وتمنياتنا 

  

أهم و آخر الأخبار

================================

  •   مفتي تونس: 16 تونسية سافرن الى سوريا ل"جهاد النكاح" الذي اعتبره "بغاء"
  •  طلاب إماراتيون يصممون سيارة تقطع ألف كم بلتر واحد من الوقود
  •  طيران الامارات يرعى بطولة فرنسا المفتوحة للتنس خمسة أعوام ..
  •  الأمم المتحدة تطلق تقريرها السنوي للتنمية البشرية لعام 2013
  • عاطف عبدالعزيز وقراءة في" الحياة السرية للآباء " للشاعر صلاح فاروق
  • أقـلامٌ و آراءٌ حُـرّة

    =================================

  • الكاتب العراقى دكتور : عزيز العلي ، يكتب : ثورة ربيع العراق ، والمعركة الاستخبارية الدبلوماسية
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : لغتنا الجميلة في عيدها .. هل اقترب نعيها ؟!
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : في يوم "داون" العالمي ، دعوة إلى مواجهة التحديات
  • حينما توشك الدولة على الافلاس ، هل يمكن انقاذها - بقلم الكاتب المصرى دكتور : حسين الكاشف

  • كُتـَّاب ٌ و أعمـِدَةٌ و أقلام

    ============================
     

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

          

      شاركونـا صفحاتنـا 
    على المواقع الأخرى

    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  

    تقارير و دراسات

    =========================

  • مصر- نقيب عمال مصانع الطوب:اصحاب مصانع الطوب اعلنوا توقف المصانع نهائيا بعد ان فوجئوا بان التفاوض كان حبرا على ورق ...
  • خاص " الوطن العربى "- اليمن : قضية صعده من وجهة نظر(الحوثيين) في ورشة عمل بصنعاء  
  • ننشر القائمة الأُولى لأسماء افراد جماعة الاخوان الذين إحتلّوا مناصب الدولة خلال 7 أشهر فقط 
  •  تقرير لـ"سي آي إيه" يُلمح إلى استخدام إسرائيل السلاح النووي في حرب 1973 ضد مصر وسوريا
  •  إسرائيل خططت لقتل خال صدام لنصب فخ لاغتياله خلال جنازته