الرياضة واللعب : فوائد نفسية وصحية لا مثيل لها
د. لطفي الشربيني
استشاري الطب النفسي
Shifa Psychological Website))
* اللعب، تنفيس عن طاقات العنف والعدوان والإحباط النفسي، وهو سر الشباب الدائم.
* رياضة المشي لها أثار نفسية وصحية غير محدودة
* علماء النفس ينصحون بممارسة الرياضة للوقاية والعلاج من التوتر والقلق والاكتئاب
من النصائح المعتادة التي يواجهها الأطباء بصفة عامة للمرضى والأصحاء على حد سواء ضرورة ممارسة الرياضة المنتظمة لفوائدها التي تنعكس على الصحة العامة للفرد .. لكن الجديد هو ما جاء في أخر التقارير الطبية حول الفوائد النفسية للرياضة البدنية.. والتأثير الإيجابي للرياضة البدنية المنتظمة حتى ولو كانت في صورة المشي لفترة قصيرة يوميا – الذي قد يؤدي على الوقاية من الاضطرابات النفسية ورفع الحالة المعنوية والمزاجية..أكثر من ذلكما جاء في الأبحاث الحديثة حول تأثير الرياضة العلاجي لحالات القلق والتوتر والاكتئاب..بل إن المشي لعدة دقائق يوميا قد يكون العلاج الملائم لليأس والإحباط والتشاؤم ..وفى الوقت نفسه تشير التقارير إلى أن 60% من الناس يتحركون أقل مما يجب ، وأن 25% لا يمارسون أي نشاط بالمرة.
ما هو اللعب ؟ ولماذا نلعب ؟
إذا أردنا أن نطرح سؤالاً لتعريف اللعب فنقول:
ما هو اللعب؟
وهنا نجد أنفسنا مرة أخرى نحاول الحديث عن أشياء نعرفها جيداً بكلمات لا نعرفها مما يجعل الناس تتهم علم النفس والطب النفسي بالتعقيد، عموماً فاللعب هو أي سلوك يقوم به الفرد بدون غاية عملية مسبقة، وهو نشاط سار ممتع يتضمن إشباعاً للحاجات، كما أنه وسيلة للتعبير عن النفس وطريقة لفهم العالم من حولنا، وفي اللعب تظهر الرغبات والمخاوف والمناهج والصراعات والهموم وكل خفايا العقل الباطن، ومن هنا كانت أهمية اللعب كأسلوب تعلم ودراسة وتشخيص وعلاج أيضاً، حيث يعتبر العلاج باللعب إحدى وسائل العلاج الهامة في الطب النفسي.
ولكن … لماذا نلعب ؟
قبل الإجابة علي هذا السؤال يجب أن نقول بأن اللعب غالباً ما يرتبط في الأذهان بمرحلة الطفولة، ولكن هناك حاجة إلى ممارسة اللعب في كل مراحل العمر حيث يمكن أن يتطور اللعب ليلائم أسلوبه مراحل العمر المختلفة، ففي الطفولة يكون اللعب بسيطاً يغلب علية الطابع العضلي، ويكون في الغالب فردياً، ثم يدخل في أسلوب اللعب بعد ذلك الذكاء والتفكير ويصبح جماعياً يعتمد علي المشاركة، ويتطور بعد ذلك إلى أسلوب المباريات حيث تظهر فيه روح الجماعة والتمسك بقواعد اللعب وقوانينه.
فنحن نلعب حتى نقوم بالتنفيس عن طاقة زائدة لدينا، وهذا التنفيس رغم أنه يبدو وكأنه غير هادف إلا أن ذلك يمكن أن يعلمنا فيما بعد أن نمارس التنفيس الهادف لطاقاتنا في العمل المثمر البناء، واللعب هو بلا شك وسيلة للتسلية والترفيه والترويح عن النفس بعد العمل حيث يجدد النشاط، وفوق ذلك فإنه نشاط دفاعي نفسي هام ذلك أنه يتضمن علاجاً لمواقف الإحباط المختلفة في الحياة، فهو تعبير عن ما بداخلنا من طاقة عدوان وقتال بدلاً من كبت هذه الغرائز أو ظهورها في ممارسة العمل أو في الحياة.
اللعب: المتعة والشباب الدائم:
إن ممارسة اللعب من شأنها أن تمنح الإنسان الشباب الدائم، فليس هناك من الناحية النظرية عمر معين يتوجب فيه التوقف عن الاستمتاع بالحياة، والتخلي عن الانطلاق والسرور، لأن ذلك حين يحدث فإن معناه الاستسلام طواعية للإرهاق والتوتر والكآبة، رغم ما يشيع في ثقافتنا الشرقية من أن اللعب لصغار السن فقط، وكما يقول الشاعر العربي الذي ينكر أن يكون اللعب لكبار السن : "… ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب؟" ، وهنا أذكر أن إحدى الصحف البريطانية قد كتبت حين توفى المفكر الإنجليزي المعروف "برتراند راسل" تقول: "مات بالأمس شاب إنجليزي في الثامنة والتسعين من عمره" ، حيث ينعم بالقوة والحيوية وعاش كشاب حتى آخر لحظات حياته.
ومن الذي يقول بأن حياتنا أن تقتصر علي العمل والكفاح المستمر؟ إننا إذا تصورنا أننا نعيش من أجل ضروريات الحياة فقط فإن ذلك معناه حياة شاقة غير محتملة، والإنسان لا يتميز إلا إذا عمد إلى إنفاق بعض من طاقته في أمور ليست جوهرية لحياته، واللعب هو أحد هذه الأنشطة التي تبدو كمالية وغير ضرورية لكنها كانت ولا تزال إحدى طرق التقدم والإبداع، فاللعب قد يضحى عظيم الفائدة، ولنا أن نعلم أن الإنسان كثيراً ما توصل إلى استخلاص الآلات النافعة من أشياء كان يلهو بها، فاللعب تجربة مفتوحة قد تكون الطريق إلى الاكتشاف والتعلم وظهور المواهب.
اللعب والصحة النفسية:
وفي العيادة النفسية يمكن أن نجعل من اللعب أحد المفاتيح لفهم شخصية المريض، فالقدرة علي الاستمتاع باللعب هي إحدى العلامات الصحية التي تدل ليس فقط علي توفر المهارة والاهتمام لدي الفرد بل علي خلوه من كل ما يقلق راحة البال مثل القلق وتأنيب الضمير ولوم النفس، حيث أنه من المفترض أن تكون ردود أفعالنا أثناء اللعب هي الحماس والإثارة، والتلقائية والشعور بالبهجة، هذا علي فرض أننا أناس أسوياء، لكننا نلاحظ أن بعض المضطربين نفسياً لا يمكن لهم أثناء اللعب التخلص من همومهم، فنراهم حتى في المواقف التي تكون مناسبة للهو وهم في حالة شد نفسي وتوتر قد يصل إلى حد الغضب، أو ترى البعض يرهق نفسه في سبيل تحقيق الفوز والتفوق، ولا يقبل أي خطأ من نفسه أو من غيره، ويعتبر الخسارة في اللعب مشكلة خطيرة يصعب أن يتقبلها، وهؤلاء أكثر عرضة للإحباط والاكتئاب ولا يمكنهم جني أي فائدة من اللعب لعجزهم عن التسامي فوق همومهم.
ومن النصائح المعتادة التي نوجهها دائماً إلى مرضانا للوصول إلى حالة الصحة النفسية والتوازن الانفعالي هو ممارسة الهوايات خصوصاً اللعب والرياضة البدنية، وأحياناً أري أننا كأصحاء أحوج ما نكون إلى مثل تلك النصيحة حيث تطغى مشاغل حياتنا اليومية في معظم الأحيان علي الوقت المخصص للترفيه واللعب، فنجد الكثير من الشباب يكتفي بمتابعة أخبار الرياضة والرياضيين دون محاولة ممارسة الرياضة بنفسه، وهذا لا يكفي رغم أنني أجد حتى في الاهتمام بالرياضة وأخبارها جانب إيجابي فكثيراً ما يكون الحديث حول مباريات الكرة ونتائجها ونجومها متنفساً جيداً للكثير من الانفعالات، وأحياناً استخدم ما لدي من معلومات في هذا المجال كمادة للحديث والتواصل مع الآخرين حتى مع مرضى العيادة النفسية وتكون هذه فرصة مواتية لامتصاص التوتر الذي يحيط بمقابلة الطبيب في المرة الأولي والذي يحتاج إلى بدء الحديث في موضوع محايد حتى تحدث الألفة وبذلك نصل إلى الهدف.
وفي حياتي ومراحل عمري السابقة حاولت أن أتعلم قواعد الكثير من الألعاب وممارستها ولكن عدم التركيز في ناحية واحدة جعلني لا اصل إلى حد الإجادة في أي منها أو الاستمرار فكنت أشبه بمثل "جاك" الذي يفعل كل شيء ولا يجيد أي شيء ! لكني أرى في اللعب سر الشباب الدائم، ويتأكد لدي هذا الإحساس حين كنت أتمكن من استقطاع بعض الوقت لأنسى العمل والمسئوليات وأندمج في اللعب واللهو مع أطفالي كأحدهم، إن ذلك في الواقع يمنحني إحساساً غير عادي بالارتياح تزول معه كل آثار التعب والإجهاد.
فوائد بالجملة للرياضة البدنية
من وجهه نظر خبراء الطب النفسي فإن فوائد الرياضة كثير ومتعددة بالنسبة للصحة العامة والصحة النفسية على حد سواء منها على سبيل المثال :
* الآثار الصحية المعروفة للرياضة في تنشيط العضلات والمفاصل والجهاز الحركي بصفة عامة.
* فوائد للقلب والدورة الدموية والشرايين والجهاز التنفسي والتخلص من الشوارد الحرة الضارة بالصحة..مما يقبب احتمالات الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والجلطات بمعدل النصف تقريبا.
* الممارسة المنتظمة للرياضة هي العلاج الفعال لضبط وزن الجسم والتخلص من الوزن الزائد، ويساعد الجهاز الهضمي على التعامل مع الطعام والجسم على استهلاك الطاقة الزائدة.
* للرياضة المنتظمة مثل المشي لفترات قصيرة يوميا تأثير إيجابي على التخلص من اضطرابات النوم وتحسين القدرة على التفكير ومقاومة الإجهاد والتعب.
* يؤدي الانتظام في ممارسة الرياضة إلى زيادة الثقة بالنفس وتقليل مظاهر التوتر والقلق، والتخلص من اليأس والإحباط والتشاؤم.
* للرياضة تأثير إيجابي على تعزيز إيمان الفرد بقدراته ، والابتعاد عن السلبية ، وتحسين نظرته للحياة واكتسابه لمهارات إضافية تساعده على التوافق والصحة النفسية.
من المنظور الإسلامي...
فأن الدعوة على ممارسة الحركة والنشاط والسعي الدائم قد وردت واضحة في آيات القرآن الكريم في:
قوله تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض.." الجمعة
وقوله تعالى: "وأخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله" المزمل
كما أن ممارسة العبادات المعتادة وأهمها الصلاة تتضمن نوعا منتظما من الحركة والنشاط تبدأ من الوضوء والسعي إلي المساجد ثم إقامة الصلاة بما فيها من ركوع وسجود ووقوف وجلوس، وبالتالي فإن أداء الصلاة فيه الكثير من الفوائد البدنية بالإضافة إلي قيمتها الروحية كصلة بين الأنسان والخالق العظيم في مواقيت محددة متعاقبة على مدار اليوم والليلة.
كما في قوله تعالى : "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"
فممارسة الرياضة في صورها المختلفة تعد من أفضل وسائل الترويح عن النفس الذي ورد فيها حديث شريف لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة …." وهذه دعوة للاستفادة من الرياضة وأثارها النفسية الإيجابية على صحة الجسد والنفس.
ساحة النقاش