نفحات من الأدب والفن من النشيد الثامن إلياذة هوميروس اجتماع الألمب
(من الحضارات التي بقت أثرا بعد عين نذكر الحضارة اليونانية،فبعد أن تحدثنا عن ديننا نبع الحضارة الخالدة في عيد ميلاد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم،ديننا الذي سرعان ما انتشر عبر العالم وتقبلته الشعوب المتعطشة للحرية والعدل المفقودين في ظل الحضارات السابقة،سأقدم نموذجا يحكي جانبا من حضارة اليونان القديم حسب رواية شاعر اليونان العملاق هوميروس في إلياذته التي أبرز فيها جانبا من المعتقدات والخرافات السائدة ،وقد اخترت منها ما أورده في النشيد الثامن تحت عنوان (مجلس الآلهة وما دار فيه من خلافات وموقف رب الأرباب وحزمه ودكتاتوريته وفرضه رأيه بالتهديد والوعيد).
الأدب فن إنساني اعتمد للتعبير عن مكنونات وآمال وآلام الشعوب، ورغم اختلاف البيئات واختلاف المشارب والأهواء فإن الأساس واحد.المهم والجيد أن الآداب بناء على صبغتها الإنسانية يتم تبادلها أخذا وعطاء وتأثرا ،هذا نموذج من الأدب اليوناني القديم وقد لمسنا فيه الحكمة وجمال الصورة والوصف واطلعنا على المعتقدات السائدة ورغم الخيال الجامح واللامعقول والتصرفات التي تتناقض وتتضارب إلا أن الجمال يطغى ويعم.. هذه نفحات من إلياذة الشاعر اليوناني هوميروس ترجمة الأديب والشاعر الكبير سليمان البستاني.
المقدمة: شرح ما دار في اجتماع قمة جبل الألمب والقرارات
أطل الفجر بوجه سمح صبوح، يحمل مرهف النور الذهبي، يهاجم به بقايا الدجى المتخفية في أماكن الظل.هذا ما تضمنه وصف هوميروس لفجرٍ طالما انتظره رب الأرباب زفس zeus ،الذي بات ليلته مهموما منشغلا مفكرا في أمر الحرب الدائرة رحاها بين الطرواديين والإغريقيين، وكفتها الراجحة للطرواديين بسبب استقالة آخيل بطل الإغريق على خلاف بينه وبين الملك أغا ممنون،حيث ترك قومه بلا ظهير.وضع زفس جدول أعمال لما قرر وقدر، ثم استدعى الآلهة ليتلو عليهم ما قرّره وقدّره،وليتوعد ويحذر ويذكر. ركل الأرض بقدمه فاهتزت وزلزلت لينهض جموع الآلهة مرعوبين مرتجفين ، تبع ذلك صوت فاق الرعد صم آذانهم نهرهم مشيرا إلى قمة جبل الألمب،المكان الذي اختاره ليعقد فيه الاجتماع،هذا الاجتماع الذي خصصه لتنبيه الآلهة وتحذيرهم من الانتصار لأي فريق ودعوتهم بصرامة وجد إلى البقاء على الحياد مهما كان المنتصرأوالمنهزم،عقدت الجلسة وفيها صال زفس وجال، أصاخوا جميعا حرمة وتهيبا، ولم يستطع أحد منهم أن ينبس ببنت شفة،خوفا من بطش مثيرا لصواعق(لم يُسم زفسZeus باسمه إنما اختير له وصف مرعب مهيب :مثير الصواعق).وكان الاستثناء عندما تدخلت آثينا (ابنته المدللة) وهي تحاول انتقاء الألفاظ راجية أن يسمح بالتدخل لا بالمشاركة في المعركة بل بالنصح والتوجيه. لان لها زفس وبش في وجهها، ووافق على طلبها. وهذه نفحات تصور الأحداث .وكان لقوة وثراء اللغة العربية جميل الأثر في وصف الأحداث ودقة تصوير المواقف والوقائع وقد أبدع العلامة سليمان البستاني في الترجمة وانتقاء ما أشفى وأوفى من الألفاظ والتعابير التي زادت الإلياذة جمالا وتألقا بزّ الأصل وتفوّق عليه. .وقد برزت الروعة في الأبيات الأخيرة لما انتهى الاجتماع وأحضرت العربة ووصفها ووصف الجياد والحوافر والأعراف والمسافات التي طويت ووصوله إلى منطقة غرغرا. والأروع هي مسحة الصرامة والتصميم لما غادر الاجتماع دون أن يتكلم أو يشير بالوداع، جعل الجميع يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أي خطوة مخافة أن تغضب صاحب الأمر. رب مهيمن ومقتدر عظيــم°°°°ومع الجــــلال غفــــار رحيم
إلهنا الحق في الفكر والنهى°°°°برهانه يدركه العقــــل السليم
رسولنـــا حاز السماحة كلها°°°°وما افتــــروه ريحـــــه عديـم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله،نحمده تعالى على إنه رؤوف رحمن رحيم،كما وصف ذاته تعالى.الحمد لله أنه تعالى عظيم قوي كريم وإن صفاته الرحمة والمغفرة والتوبة وسعة العلم.بخلاف ذلك قدم لنا الشاعر الفيلسوف اليوناني هوميروس رب أربابهم Zeus في صورة الدكتاتور الفظ الغليظ،كان يخاطب مجلس الآلهة كأنهم عبيد يؤمرون ولا حق لهم في الإعتراض على أمر أبرمه ولا يسمح بالتعقيب ولو بكلمة واحدة مهددا متوعدا،ومع ذلك فقد سجل عليه ازدواجية في معايير المعاملة حيث عوملت ابنته لما تدخلت بكل لطف وبشاشة عكس ما أبداه كما سنرى في أحداث النشيد الثامن أسفله.
طغاتنا اليوم نسوا ذكر إلهنا ووصاياه وإرشاداته وما ورد في كلامه تعالى كقوله :أدع إلى سبيل ربك بالحكمة...الآية. نسوا كل ذلك واعتمدوا حرفيا ما ورد من تخيلات وتصورات وخزعبلات على لسان الأديب اليوناني وطبقوها على شعوبهم ومن يأتمر بأمرهم .من يخالف أو يبدي اعتراضا يؤوب منكوبا يخضبه الدم ،وإلا من بيته ومن بين أبنائه إلى ظلمات السجن والنفي والتهجير يلقى ويرجم،وهي تماما تهديدات زفسZeus في مجلس الآلهة ،الفرق الوحيد إن تهديدات زفس لم تصل إلى حد التنفيذ بينما طغاتنا فعلوا بنا الأفاعيل قولا وعملا في الواقع المعيش ولا زالوا.
الملاحظ أن جميع لغات العالم لم تجد الترجمة الوافية الشافية الكافية لشطر البيت:كسا الفجر وجه الأرض ثوبا مزعفرا. وكانت الصعوبة في اختيار لون الزعفران الأصفر المشوب بالحمرة.العربية استطاعت ان تفي بالغرض بأكثر وضوح وبيان. وهذا نص النشيد. أحمد المقراني
كسا الفجر وجه الأرض ثوبا مزعفرا°°°وزفس أبو الأهوال في أرفع الذرى
على قمـــــــة الألمـــب تُصغي مهابة°°°لمنــــــــطقه الأرباب ألّف محضرا
فقال"(ليعلم كــــــــــــــل رب وربـة°°°بما اليوم في صدري فؤادي أضمرا
فلا ينبذنَّ الأمر عاص بــــل اذعنوا°°°لأُنفــــــــــــذَ ما أبرمت أمـرا مقدرا
لنصــــرة أي القــوم من يجر منكم °°°يؤوبــــــن منكوبا يخضبه الــــــــدم
وإلا فمن شــــــــم الألمب براحتي °°° إلى الظلمات الدهــــــم يُلقى ويُرجم
إلى حيث أبواب الحديد قد استوت °°°على عتب الفــــــــولاذ والقعر مظلم
إلى هــوة بيــــن الجحـــــيم وبينها °°°مجال كأقصى الجو عن أسفل الثرى
فتدرون كـــم بالطَّول أسمو وأشرُف°°°وإن شئـــــتم فابلوا الحقيقة تعـــــرفوا
وأرخوا مــن الزرقا سلاسـل عسجد°°°وكلـــــــكم في منتـــــــــــهاها تألفوا
فلن تبلـــــغوا من زفس وهو وليكم °°°منـــــالا وإن تعــــــــنوا وإن تتكلفوا
ولكنني أيـــــــان شئـــــت جررتها °°° ومن دونــــــكم اجترُّ أرضا وأبحرا
ومن حولي أولمبي الرفيع أديــرها °°°يعلق فيه الكــــون وهـــــــو أسيرها
فيعلم كل الجن والإنــــــــس مبلغي°°°من الطَّول والأكــــــوان أني أميرها)
أصاخوا سكــــوتًا حرمةً وتهــــيبًا °°°فقالت آثيــــــنا يستـــــــفيض زفيرها:
(أجـــــل أبتـــــا يا قيم القوم جمـلة°°°قــــواك علمنا لن تديـــــن وتقهـــــــرا
ولكننا نــــــرثي لحال الأغـــــارق°°°يبيدهم المـــــقدور تحــــت اليلامـــــق
أطعنا فــــــلا نأتي النـــزال وإنما °°°نمـــدهم بالــــرأي خــــــــوف البوائق
وإلا فهذا الســـخط يجتثُّ أصلهم)°°°فــــبش لها يرنو مثيــــــــــر الصواعق
وقال:(لئن راعـتك مني صـرامة °°°فعــنك جميل الــرفق لســــت لأ ذخرا)
ولاحت تزيـن الخيل من تحت مضــمد°°°حــوافر فـــولاذ وأعــــراف عسجد
بمركــبة غراء نــــــاط صــــــروعها°°°وفــــي حلة الإبــــــريز حــلَّ بسؤدد
وفي يــــده سوط النضار يســــــوقها °°°من القبــــــة الزرقاء للأرض تغتدي
فبُلِّغ إيذا جمة السيـــحِ منــــــــــــهلا°°°وأم الضـــــــواري واستقرَّ بغـــرغرا°
° مكان على سفوح الألمب به الظل والماء والراحة والاستقرار .غادر غاضبا دون أن يختم الاجتماع وقد اعتمد على نفسه في إعداد العربة وشدها إلى الجياد دون أن ينبس ببنت شفة وهو ما زاد الآلهة تهيبا ورهبة وخوفا.
تحياتي أحمد المقراني