وهب الله عزّ وجلّ الإنسان ملكات متعددة ليتميز بها على باقي المخلوقات، وهبه العقل، الإرادة والذكاء ليفكر ويعمل ويبتكر، فالعقل هو الآلة التي تعمل بإستمرار دون كلل، هو الطاقة الكبيرة، هو العطاء المستمر الذي لا ينضب معينه أبداً.
الإختراعات التي ينجزها الإنسان هي نتيجة لإمتلاكه عقلاً نيراً، إمتاز به عن الحيوان الذي ليس له القدرة على التفكير لأن لا عقل له. فالعقل هو الذي يبني ويقود البشرية، ولكن ماذا يميز إنساناً عن آخر؟ لماذا نجد هذا مخترعاً وذلك إنساناً عادياً؟ هل لأنّ الأخير لا يمتلك عقلاً؟. لا... ولكن عندما يصل الإنسان إلى درجة الإختراع يكون صاحب مخيلة خلاقة... فلا عبقرية حقيقية بدون مخيلة تخترع وتستكشف وتكون متميزة بدرجة رفيعة من الطاقة والقدرات. فالإختراع يتطلب جهداً فكرياً واعياً وإرادة تهدف لغاية محددة ومتأثرة بالفكر والمجتمع والذكاء في أسمى درجاته فلا يكتشف الدواء مثلاً شخص غير متخصص في الصيدلة وعلم الأدوية. ولا يكون أديباً وشاعراً من يجهل الشعر والأدب.
ولكن هل المخترع فقط هو المتفوق في الحياة ونحن نجد أمامنا الآن المتفوقين ولكنهم ليسوا بمخترعين؟ وأقصد هنا بالتفوق التفوق في كل مجالات الحياة وليس فقط في المجالين العلمي والأدبي.
والتفوق هو نجاح الإنسان في المجال الذي إختاره لنفسه، هو وصول الإنسان إلى غايته. والمتفوق هو الذي يملك إرادة حية وصلابة موقف ومثابرة أوصلاه إلى ذروة النجاح. وهو صاحب الإرادة الفذة والموقف الجريء. هو المصمم على تحقيق هدفه مهما وقفت الصعوبات في وجهه ومهما مرت عليه من ظروف صعبة فلا يرضخ أمامها بل يحاول أن يتخطاها ويجعلها سلماً يتسلق عليه للوصول لهدفه.
فالإرادة هي صلابة الموقف وحزم الهمة والمثابرة الدائمة لتحقيق هدف ما.
والمتفوق أيضاً هو الإنسان الذكي المتوقظ الذهن، حاضر البديهة، هو القادر على التكيف مع كل موقف جديد، وحل كل مشكلة يتعرض لها. هو صاحب القدرة العقلية والفكرية في آن معاً.
ومما لا شك فيه إن تحلي الإنسان بصفتي الإرادة والذكاء تجعل منه متفوقاً في كل مجالات الحياة. فالطالب المتفوق هو المثابر والذكي في آن واحد. ولكن المثابرة الحادة والإرادة القوية لدى الطالب توصله إلى مرتبة التفوق مع أنّه يكون متمتع بدرجة من الذكاء عادية جدّاً. فكم من طالب ذكي نجح نجاحاً عادياً، بينما وصل إلى مرتبة التفوق ذلك الطالب المفترض أنّه عادي الذكاء ولكنه مثابر لا يهمل واجباته، صاحب إرادة قوية لا يتكاسل، ولا يتوانى عن القيام بكل ما يجب أن يقوم به، وهاكم بعض الأمثلة الحية... فمن النملة نأخذ عبرة ودرساً في أهمية المثابرة، تلك الحشرة التي لا ذكاء عندها ولا عقل، ولكن بعملها المتواصل، وجهادها المستمر أعطت للأسكندر ذلك القائد العظيم ملك اليونان درساً في العزم والمثابرة. فعندما تراجع الاسكندر أمام ضربات الفرس واقتربت الهزيمة من اليونانيين جلس الاسكندر يفكر في مصير المعركة واذ به يلحظ نملة صغيرة تحاول صعود مرتفع من الرمل وهي تحمل حبة من القمح، وما ان تصل إلى رأس المرتفع حتى تسقط، إلا إنها تعاود الصعود من جديد، وبقيت على هذه الحال تصعد وتسقط وهي لا تمل من الجهاد حتى إستطاعت أخيراً أن تصل إلى غايتها.
عندها إشتدت عزيمة الاسكندر – وهو الإنسان الذكي المقدام – والذي كان على قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة – أمر جنوده بمتابعة المعركة حتى استطاع الفوز بالنصر النهائي.
فبالإرادة والمثابرة وصل الإسكندر إلى التفوق في معركته.
وها هي قصة السلحفاة والأرنب تعطينا درساً في أهمية الإرادة والثبات والمواظبة فبالرغم من سرعة الأرنب وبطء السلحفاة فقد وصلت هذه الأخيرة قبله إلى الهدف. فالثبات والمواظبة مكناها من كسب السباق بينما إهمال الأرنب وطيشه جعلاه يخسر الشوط برغم الفارق الظاهر بين بطء زحف الأولى وسرعة جري الثاني.
فليس المهم أن تكون لنا المواهب والقدرة فنستسلم لكرة الغرور بل المهم أن نستعمل موهبتنا وقدرتنا ونثابر ونواظب على عملنا باستمرار ودوام. فرب تلميذ عادي مواظب مثابر على دراسته تفوق على تلميذ أكثر ذكاء منه حتى كان هذا الأخير طائشاً مهملاً متردداً مغروراً. إذاً الذكاء وحده غير كافٍ أبداً لنتفوق في الحياة لابدّ من وجود الإرادة والعزم فبهما نصل إلى ذروة التفوق.
نستنتج إذا بأنّ الذكاء والإرادة وحدة متكاملة متجانسة متداخلة، بهما نصل، وبدونهما نخسر، فهما يوقظان عقل الإنسان وينورانه ويحميانه من الكسل والخمول اللذان هما أكبر عدو للبشرية.
تبقى كلمة أخيرة وهي إنّ الذكاء والإرادة القوية يؤديان إلى الاتقان في العمل. وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك بالحديث الشريف وما مضمونه: "رحم الله امرء عمل عملاً فأتقنه".
ساحة النقاش