قسم الفارماكولوجي الشعبة الطبية المركز القومي للبحوث

<!--<!--<!--

هي مخلوقات لا ترى بالعين المجردة، يتكون جسمها من خلية واحدة، نحتاج لتكبيرها العديد من المرات تحت الميكرسكوب حتى يمكننا رؤيتها فمئات الملايين منها تتجمع لتظهر كرأس دبوس صغير، لكنها تعيش وتأكل وتتكاثر مثلنا بل وتجد في نفسها الشجاعة لتهاجمنا أيضا. تعمل البكتيريا بشكل جماعي حيث تتشارك مع خلايا أخرى للقيام بمهمات عديدة مثل تقاسم المواد المغذية، والتنقل مع بكتيريا أخرى، وحتى الانتحار من أجل بقاء مستعمراتهم.

 

وجديد العلم اليوم يفاجئنا .. بأنها تتكلم أيضا بظاهرة تسمى (استشعار النصاب)، وهو نظام قائم على التنبيه والاستجابة يكون مرتبطا بالكثافة العددية، حيث أثبت العلماء أن هذه المخلوقات تهاجمنا بطريقة جماعية وليست فردية بعدما تتواصل فيما بينها بواسطة مواد كيميائية تعتبر شفرات التواصل التي يتحاورون بها، فلا يمكن أن تبدأ في مهاجمة أجسامنا إلا بعد أن تستشعر النصاب وهو العدد الذي يمكن أن تبدأ به مهاجمة أجسامنا ومواجهة جهازنا المناعي .. وكأن هذه الميكروبات لديها من الذكاء ما يكفي كي توفر طاقاتها حتى تتوفر لديها المقدرة على القتال. حينها تبدأ بإفراز المواد الكيميائية اللازمة كشفرات تواصل فتعطي بها أشارة البدء لتهاجم جسم العائل بطريقة جماعية.

 

والميكروبات تستخدم قدرتها على استشعار النصاب في تنظيم عدة سلوكيات تبعا لكثافتها العددية كتشكيل الأغشية الحيوية الرقيقة لحمايتها وشراستها نحو احداث عدوى بالعائل ومقاومتها المضادات الحيوية. ويمكن أن يتم استشعار النصاب بين خلايا جرثومية من نوع واحد، كما يمكن أن يتم بين خلايا تابعة لعدة أنواع مختلفة.

 

ينظم استشعار النصاب عدة عمليات مختلفة تعتمد في أساسها على الكثافة العددية، أو على معدل انتشار الخلايا في الوسط، حيث تستخدم الجراثيم أنواعا مختلفة من الجزيئات كإشارات تتبادلها فيما بينها، ومن أشهر الجزيئات الإشارية الببتيدات واللاكتونات والمحفزات الذاتية.

 

إن هذا السلوك المتناسق بين الخلايا الجرثومية له آلية منضبطة، حيث تنتج الجراثيم التي تستشعر النصاب جزيئات إشارية معينة تسمى الفيرومونات أو المحفزات الذاتية والتي تفرزها بشكل تلقائي، كذلك فإن لهذه الجراثيم مستقبلات حساسة نوعيا لجزيئات الاشارة، وعندما يرتبط المحفز بالمستقبل يتنشط نسخ مورثات معينة، بما فيها تلك المورثات المسؤولة عن تركيب المحفز. ولأن هناك احتمالا ضعيفا بأن تتحسس الجراثيم المحفز الذي أفرزته بنفسها، فلا بد من أن تتصادم الخلية بالجزيئات الإشارية التي أفرزتها خلايا أخرى غيرها موجودة معها في نفس الوسط ليتفعل النسخ المورثي. وعندما تكون الخلايا الجرثومية المتجاورة قليلة فبالتالي تكون متباعدة فإن تباعدها يخفض من تركيز المحفز في الوسط المحيط حتى ينعدم تقريبا فلا تنتج إلا القليل من المحفز. ولكن كلما ازداد تجمع الجراثيم يزداد تركيب المزيد من المحفز إلى أن يصبح المستقبل مفعلا تماما وهذا يزيد نشاط مورثات خاصة، مسببا بدءء الخلايا كلها بالنسخ في نفس الوقت تقريبا.

 

والخلاصة .. أن الميكروبات تشعر بكثافة مجتمعاتها من خلال التحدث مع بعضها البعض بإستخدام نوع من الاتصال الكيميائي المعروف بإسم استشعار النصاب. وكلما زادت الكثافة العددية داخل المجتمعات البكتيرية، زادت قوة التواصل بين الخلايا، ما يؤدي إلى تنسيق أكبر في كيفية الدفاعات المناعية.

فمن علمها كيفية العمل الجماعي؟!

ومن علمها شفرات التواصل؟!

ومن علمها إستراتيجيات الدفاع وفنون القتال؟!

ومن علمها نظريات التنمية الذاتية لقدراتها وكيفية تطوير كفائتها لمقاومة المضادات الحيوية والمطهرات التي نطورها يوما بعد يوم من أجل معاركنا اليومية معها؟!

 

يعكف العلماء حاليا على فك هذه الشفرات والتي كان أولها الشفرة الكيميائية لاستشعار النصاب، كما قاموا بإجراء تجارب بإضافة مواد مضللة حتى تضلل الميكروبات فلا تستشعر النصاب وبالتالي لا تبدا في مهاجمة العائل كطريقة للوقاية منها.

 

وحتى الآن .. فليس علينا نحن إلا أن يكون لدينا أيضا من الذكاء ما يكفي بتفادي التعرض على المستوى الشخصي للتلوث الميكروبي بكل أشكاله وكفانا الله مع هذه المخلوقات الذكية شر القتال. فديننا الحنيف يحث على النظافة والوضوء خمس مرات يوميا. كما أن هذا الأمر يستلزم تضافر عدة جهات كالبيئة والصحة ومجالس الأحياء لعدم ترك أكوام القمامة المنتشرة في كل مكان مرتعا لهذه الميكروبات وبؤرا للتلوث تضر بالصحة العامة وتهدر أموالا طائلة في العلاج يمكن أن توفرها الدولة.

وأخيرا .. لا أجد إلا أن أقول سبحان الله!!

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا الإسراء - 44

د/ منال محمد السيد

 

المصدر: د/ منال محمد السيد

قسم الفارماكولوجي الشعبة الطبية المركز القومي للبحوث

Pharmacologydep
•إعداد قاعدة علمية راسخة تتمثل فى شباب الباحثين يتم امدادهم بكافة و أحدث الامكانيات و الخبرات الحديثة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

42,057