بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيــرة )
صاحبــة الوجــه الصبـــوح !!
اقتربت من الجموع في حياء شديد .. ثم وقفت عند زاوية تخفي معالم الجسم إلا ذلك الوجه الصبوح .. كانت تنظر في الوجوه خلسة وكأنها تريد وجهاَ بمواصفات معينة .. ولكن أسارير الحيرة في ملامح الوجه تشير أنها لم تجد الضالة ضمن الوجوه .. وقد أخطأت حين ظنت أنها تسرق النظرات بعيدة عن أعين المتطفلين .. تلك الأعين الماهرة التي كانت تراقب بحذر والتي لا تهدر السانحة سداَ .. وقد أطلت بوجه مشرق رغم تلك الملامح التي تتراوح بين الإبهام والوفرة في بيئة من الأضواء المترددة المتخاذلة .. فهي تقف في زاوية تعشق الخلط بين القتامة والظلام .. ولكن رغم ذلك الوهن في قوة الأنوار فإن جمال الوجه قد طغى وأبهر ثم تمكن في إشعال الأشجان .. وقد تجلت الروعة في تقاطع الوجه حيث الدقة والرقة في النسب والتناسب .. وحيث النعومة والليونة والنضارة حول سواحل الأحداق والخدود .. ثم زادت اللوحة حلاوةَ وطراوةَ بتلك البسمة الخاطفة الوضاحة المنيرة .. وقد كشفت البسمة لمحة طارئة لبياض درر من الأسنان .. والإشارات توحي أنها خفيفة الدم ومحبوبة السجية .. وفي لحظات قليلة أوجدت لوحة فريدة تؤكد المعجزة في صنع الخالق البديع الخلاق .. وحينها تحدثت أنفس الجالسين مع الذات .. وتحركت الأشجان في تلك الأفئدة المتعطشة .. وتفاعلت الأنفس مع تلك النوازل من مباهج الحسن والمحاسن .. ثم أبحرت تلك الأنفس في عوالم الأحلام .. وهي تلك الأنفس التي لا تملك الجرأة بالتجاهر .. إلا أنها كانت تملك المساحات في الخيال .. وقد انتقل عدوى الإبهار والانبهار لذلك الشاب الجالس في الركن المعاكس .. والذي افتتن كثيراَ بلوحة الكمال والجمال .. وعندما شاهد ذلك الوجه لأول مرة سافر في أروقة الوسواس .. فقالت له النفس : تلك هي الأعراف والقيود قد تمنع الإقدام والإفصاح في عوالم الحقيقة والواقع .. فما الذي يمنعك من الإبحار والسفر في عوالم الخيال ؟ .. ثم تدخل القلب ليجاري النفس بالقول أن حمى المحارم هي عقيمة في عوالم الأطياف .. ولكن للنفس ذلك الحق في التجوال في عوالم الأمنيات والأحلام .. كانت عيون الشاب في تلك اللحظات تتمعن بشدة في ذلك الوجه الصبوح .. ثم سافر بذهنه بعيداَ في عالم الخيال والأحلام .. يصنع لنفسه مشواراَ فضفاضاَ في أروقة أحلام اليقظة .. وقد تخطى في ذلك المشوار جميع قيود الأعراف وتعدى سياج المنع والزجر .. حيث أوجد في الخيال تلك اللوحة المستحيلة التي تجمع الشمل بصاحبة الوجه الصبوح .. وها هي تلك الدرة المصونة تجلس بجواره وهي تلبس البياض من ثياب الزفاف .. وهو ذلك الفارس المبجل الذي يتوسط الحفل كالبدر المنير .. وتلك هي سرادق الحفل تشع بزينة الأنوار والألوان .. هنالك يجلس العريس وبجواره تجلس العروسة .. يتجاوران فوق زينة الأرائك والأنامل فوق الأنامل .. ثم تكاملت اللوحة في الخيال حيث الرفاق والأخلاء الذين يحيطونهم بأجمل التهاني والأفراح .. وتلك الزغاريد من الحسان .. فيا لها من مشهد يطرب الوجدان .. ولكن علة الأحلام أنها عالم من الأوهام والسراب ! .. فقد تنبه الشاب فجأة ليجد نفسه مرة أخرى فوق صهوة العزوبية .. وأنه ما زال تائهاَ في وديان الحقيقة المريرة .. فأغمض عينيه مرة أخرى ليعاود السيرة .. ويعيش تلك اللحظات السعيدة مع صاحبة الوجه الصبوح وهي تترفل في ثياب الزفاف .. ولكن هيهات فإن الخيال قد شارف الختام .. وتلك هي صاحبة الوجه الصبوح ما زالت تقف عند الزاوية الخفية .. وما زالت تتفحص في الوجوه .. ثم فجأة أخرجت جهاز الموبائل من شنطة اليد لتتحدث بصوت هامس غير مسموع .. ثم سارعت بالمغادرة .
لقد رحلت السحابة دون أن تمطر بالمزيد من أمطار الحسن والمحاسن .. رحلت وقد قتلت أنفساَ لا تستحق ذلك العقاب .. فتلك الحياة قاسية ظالمة مقيدة بشروط وأحكام .. ولا ينال فيها كل أمر مستطاب .. وبالرغم من أنها تفيض بألوان المباهج إلا أنها محفوفة بتلك السياج التي تمنع الأحلام .. وليس كل الثمار هو ذلك المتاح للقطاف .. فكم تشاهد الأعين من مباهج الزينة في الحياة ثم تتراجع متخاذلة حين تدرك أنها محاطة بسياج الأعراف والأحكام .. وتلك المجريات في حياة الإنسان محتومة بمسارات الأقدار والأقسام .. ولو أطلق العنان لرغبات النفوس لتمزقت حلل المحاسن تحت أيدي المتنافسين .. ولكن الحكمة تقتضي بأن كل وجه صبوح في هذا الوجود هو لأحدهم في لوح الأقدار .. فهنيئاَ لذلك المحظوظ .. وعندها لا تفيد أحداَ لعنة الإخفاق .. لأن الحظوظ مقيدة بالمسطور في الأزل .. وقد أدرك ذلك الشاب تلك الحقيقة فقام من مقعده وهو يفكر في علل الحظوظ .. ثم تمهل في التفكير قليلاَ .. فتلك هي ابنة العم وتلك هي ابنة الخال .. والأعراف تؤكد أن له الأولوية والأفضلية حين يتقدم بالحلال .. وعندها كان القرار الصائب .. فقد عاد مسرعاَ للدار ثم تحدث مع والده وطلب منه أن يخطب له ( فلانة ) أبنه عمه .. عندها كانت الفرحة عظيمة في قلب ذلك الوالد الذي انتظر تلك اللحظة طويلاَ .. فأخذ الابن في أحضانه والدموع تملأ عينه بالفرحة والسرور .. والقصة في أحداثها قد تلوم تلك الجريئة صاحبة الوجه الصبوح .. فقد تجرأت دون قصد في إشعال الأشجان في النفوس .. ولكنها أيضاَ استحقت الوسام في صدرها عندما تمثلت قدراَ يجمع الشمل بين قلبين بالحلال .. ومجريات الأقدار في الحياة دائماَ تسبقها الأسباب .. وتلك الجميلة كانت بأسبابها حين اتخذت الوقفة في تلك الزاوية .. ولكنها دون أن تدري كانت سبباَ من الأسباب !! .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش