بسم الله الرحمن الرحيم
كـم أهلكتنــا تــلك الاختصــارات ؟!!
الحكمة الصائبة هي الأمة التي تجمعها عروة العقيدة السامية في بوتقة من التعاضد والمودة والإخاء .. لتكون القلعة المنيعة .. تلك القلعة التي أساساها الحجارة الصلدة المتماسكة .. والتي تتحطم عندها مؤامرات الأعداء .. وتتلاشى عندها كيد الكائدين .. ولكنهم أبـوا فاختصروها وقالوا بل هي القومية .. ثم اختصروها وقالوا بل هي الدولة .. ثم اختصروها وقالوا بل هي العشيرة والقبيلة .. ثم اختصروها وقالوا بل هي الجهة والمنطقة والإقليم .. ثم اختصروها وقالوا بل هي المدينة والحضر .. ثم اختصروها وقالوا بل هي القرية .. ثم اختصروها وقالوا بل هي البلدة .. ثم اختصروها وقالوا بل هي الأبناء والعمومة .. ثم اختصروها وقالوا بل هي الأسرة والبيت والأرحام .. ثم اختصروها وقالوا بل هي الرفقة في الرحم الواحد .. ثم اختصروها وقالوا بل هو الواحد الذات المشوب بقمة الأنا .. ومن ناحية أخرى تلك العقيدة السامية العالية الكاملة المكتملة اختصروها لتكون بمسميات الطوائف ( السنية والشيعية وخلافها ) .. وبعد ذلك بدأت اختصارات الطوائف لتمثل الجماعات والطرق .. ثم كل طريقة تم اختصارها إلى مئات الاختصارات بمئات الملل والمسميات .. جبل عملاق يعادل أعتى وأقوى جبال الأرض هيبة وقوةَ وسلطاناَ يتراجع ويتنازل في الحجم بحكمة الاختصارات حتى أصبح في النهاية ذلك القزم الذي لا يذكر .. وكل ذلك يجري في ظلال الحكمة الضائعة المفقودة التي ضلت جادة العقول السوية .. تلك الحكمة التي تقول الشتات ضعف ومهانة .. والإجماع قوة ومكانة .. ويطيب للناس بجهالة تفشت في عصر الصغار وبغباء مفرط أن تستبدل الذي هو الأدنى ( المذلة ) بالتي هي العزة الأقوى والأنفع .. فأوجدت الصورة تلك اللوحة السوداء الكالحة التي تغطي واجهات الأمة اليوم .. حيث تلك الغربان التي تنعق في وديان الضياع والإنفراد .. وكل جهة تعزف ألحانها الجنائزية الحزينة لوحدها .. تفقد الوفاق والاتفاق وتفقد الجوقة الداعمة .. كما تفقد ذلك الكورال الذي يدعم النغم ويمنع النشاز .. والأوجع أن الكل ما زال يصر في أن يحمل منفرداَ ذلك الثقل من هموم كالجبال .. تلك الهموم التي كانت تهون لو أنها تحملها قلوب الأمة ولا تحملها قلوب الشتات .. والحكمة تقول أن الأثقال تتنازل خفة حين يهزمها الإجماع .. وغابت الحكمة في الساحات .. وكل مختصر من الجماعات يؤثر النفس بأنانية مفرطة ثم يكون متاحاَ لقنص المتربصين .. هي في غشاوة وجهالة تطلب العزة والمكانة دون أن تملك عدة العزة والمكانة .. ثم تكون الطامة الكبرى حين يخلق الاختصار والتشرذم تلك الجماعات المتطرفة المبالغة في التطرف والتي تضر بالعقيدة ضرراَ بليغاَ .. وظهرت هنا وهناك تلك الجماعات التي تدعي أنها من فئة المسلمين وكل أعمالها مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي .. وتلك الصور القاتمة الكالحة التي تجري من جماعة ( بوكو حرام ) في نيجيريا باسم الإسلام والمسلمين هي صور تشوه الدين العظيم تشويهاَ كبيراَ .. والإسلام لا يجوز بقتل وحرق وسلب كل من لا يدخل في الإسلام .. وهم يرون ذلك من أركان الإسلام حيث يحللون إبادة وقتل وحرق كل من لا يكون مسلماَ على وجه الأرض .. وبالأمس تلك الصورة الكالحة التي شوهت الإسلام حين تعدوا على مدرسة مسيحية للبنات وقاموا بخطف مجموعة كبيرة من الفتيات الصغيرات .. وتم ترحيلهن لدولة مجاورة ثم تم عرضهن للبيع أمام مشهد ومسمع من العالم أجمع .. وكل ذلك تحت شعار الإسلام وقد برروا الفعلة بأن الإسلام يسمح ببيع أسرى الحروب .. وحينما تعالت أصوات العالم من المسلمين وغير المسلمين على تلك العملية المقززة التي يرفضها الإسلام جملة وتفصيلاَ جاءوا بفرية جديدة في الإسلام حيث أجبروا على الأسرى من الصغيرات بدخول الإسلام قسراَ وجبراَ .. وجاءت الأنباء تظهر مجموعات من تلك الأسيرات وهي تلبس الأزياء الإسلامية مرغمة .. فأندهش العالم من ذلك التصرف الأرعن الذي يخالف كل تعاليم الأديان السماوية .. كما جاءت الأنباء تظهر أهالي الأطفال الذين كانوا في حيرة وذهول من ذلك الدين الذي يفرض على الناس بالقوة والجبروت .. والإسلام برئ من كل ذلك وليس في حاجة لذلك النوع من الإسلام الجبري المفروض ..
{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
وتلك الجماعات المتطرفة تظن أنها تخدم الإسلام بتلك التصرفات .. ولا تدري أنها تجلب للإسلام نعوتاَ وكراهية في أنحاء العالم .. كما أنها تكسب لعنات المسلمين أينما تواجدوا .
ـــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش