بسم الله الرحمن الرحيم
خفايـــا الأنهـــار ؟!!
لا تحكموا بظواهر الأحوال .. الحيلة والدهاء والأسرار والتغطية من صفات الإنسان .. ذلك الإنسان الذي يمثل الجدل الفريد .. وكثرة الحيل والمكر في مجتمعات الإنسان أوجدت فطرة الشك والتردد في سلوكياته .. فالبعض من الناس يسعى كثيراً لنيل ما هو متواجد في خزانته .. وكثيراً ما يكون في باحة قلب من القلوب ومع ذلك يبحث عن باب يدخل به إلى ذلك القلب .. وذلك النوع من الإنسان لا يثق في خطوة أقدامه مهما أصدقت الأقدام .. وقد يكون في صحبة الحظ لسنوات ولا يدرك بنعمة الحظ إلا حين يرتحل الحظ .. ولا تحس الناس بأحوال الظمأ إلا حين تجف الأنهار وتمتنع الأمطار .. وهو ذاك السخاء المهدور من أنهر تبذل الليل والنهار .. والمبذول من النهر ليس لغاية .. إنما يعتاد الناس سخاء النهر دون ثناء أو مبالاة .. رغم مقدار الفضل العظيم من نهر كريم سخي لا يرتجي بالمثل .. والمودة ليست بالضرورة أن تترصد لغايات ومآرب الخواتم .. فهنالك من يبذل دون أن ينتظر المقابل بالمثل والمقدار .. ورب قلب يلتقي بقلب ليس بينهما إلا عمق المحبة والوداد .. بعيداً عن مقاصد تلوح خلف الستائر .. قلوب صغيرة وكبيرة تتعانق عمقاً ومودةَ واثقةً بمحبة في الله .. وتلتقي تلك الأفئدة المخلصة في جوف غدير صافي المياه دون الشوائب .. سياج من الطهر تكون لأهلها الأصفياء الأتقياء بعفة الملائكة .. وعلة الإنسان تتجلى حين تهرب خصال العفة عند أول ضحكة من الشيطان .. عندها تقع الواقعة التي تعكر صفاء الأنهار .. حيث تنهار قلاع الأخلاق والكمال .. وتفقد الساحات لحظات الملائكة الأوفياء التي كانت تمتطي خيول العزة والبراءة .. والتي كانت تضحك من الأعماق في صفاء ومودة ونقاء .. والكل يتحدى بجرأة الكبرياء حيث الصفحة البيضاء الخالية من شوائب السيرة .. وتلك لحظات من أروع اللحظات في مسار الإنسان العظيم .. لحظات تجتمع فيها قلوب تخلوا من المآرب والمقاصد .. ولكن إذا سقطت نقطة مداد من يد الشيطان في بحر الملائكة فإنها تعكر ذلك البحر قتاماً وهلاكاً .. وتجعل السواحل تشتكي من السواد .. لتدخل أهله في خانة من موجبات الحياء والاستحياء .. وبعدها تلك الموجعات في الأحوال .. ومن العجب أن العيون تتعالى برفعة وتتسامى لسنوات وسنوات متى ما كانت بتلك السيرة البيضاء .. حين لا تطمس بلحظة رغبة فالتة .. ومتى ما كانت الأجواء تفوح بعطور الطهارة وجودة الخصال تبقى الأحوال عالية عظيمة .. ولكن إذا لاحت يوماً نقطة ذرة من ملامح النوايا الغير سوية والغير طيبة فإنها تسقط المقامات المحترمة التي كانت ذات يوم .. وتجعلها في الحضيض حين تميل الهامات نحو الثرى في خيبة وانكسار وحسرة .. والعيون التي تفقد الثقة في أنفس كانت عالية لها المكانة في القلوب .. فسيرة النفوس تكون راقية وعالية متى ما تمتاز بعلو المقاصد والغايات .. ومتى ما تتمسك بالفضائل وتكون بمقام الملائكة الكرام .. وحينها تلتقي النفوس مع بعضها في صفاء بحكمة الجليد الخالي من الغبار والعوالق .. وتجتهد لتجعل من نفوس الآخرين أنفساً طيبة خالية من الشوائب .. وتبعدها من علامات الملامة والفضائح .. وبذلك تكون هي الحريصة على طهر وسيرة الآخرين .. والمسافات تتنوع في مقاصد بني الإنسان .. فهنالك الإنسان المحمول فوق أجنحة الغايات والمآرب فيجاري الأهواء .. وهنالك الإنسان الذي يتقي غواية الشيطان ويسعى لإرضاء الرحمن .. والأرض لا تخلو أبداً من الصنفين .. فإما غالب على أمره يملك مقابض الزمام .. يتحاشى الموبقات ويتحاشى ما يجلب السواد والظنون .. وإما مغلوب على أمره يخوض في الأوحال .. تلك الحرب بين الخير والشر متى ما تواجدت في أنفس الإنسان .. ورب صفحة بيضاء تتجلى في ظاهرها بأروع الخصال .. ولكن في عمقها تلك المقاصد والنوايا من الأعمال والأفعال التي تقشعر لها الأبدان .. والإنسان جدل خادع ماكر في أكثر الأحيان .. والكثير من الأسرار هي لأهلها تلازم ليلاً ونهاراً حتى تنتهي بالقبور .. ولا يدري بها إلا قلة من الناس هي قد تكون شريكة بقدر في تلك الأسرار والأفعال .. وكم في علم لله من أسرار للخلائق هو ساترها !! .. فلا يتوهم المتوهمون في جلاء الصور وبياض الثياب .. فإن المخزون وراء الحجب من الأسرار هو فوق مقدرات الخيال .. ولو قالت الأسرار سيرتها يوماً وكشفت عن نفسها جهاراً نهاراً لسقطت الهامات والقلاع ولماجت الجبال .. وابن آدم هو أدرى بأسرار نفسه وخفاياها .. ومن أكبر الأخطاء أن يجتهد البعض في تنقيب تلك الأسرار .. فبحكمة من الله فالكثير من الساحات والمجتمعات تظهر وكأنها ذلك النهر البرئ الهادئ الخالي من العيوب .. ولكن ذلك النهر ستار يحجب في عمقه الكثير من الأوحال .. وخلايا المجتمعات بأسرارها تلك الموغلة في الكتمان .. والذي يجتهد في كشف تلك الأسرار إنما يخوض في أعماق النهر لتحريك مستور الأحوال والأوحال .. ويتسبب في تعكير الأجواء بالقدر الذي يجلب الويلات .. وبالقدر الذي يفضح ويجرح الواجهات الكثيرة التي يسترها طلاء الزيف .
ــــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش