بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيـــرة )
( قصــة ) منديـــل الأســـرار !!
الحروف تخفي المعاني إن لم يفسر البعض بعضاَ .. فكيف يقال ذاك رجل رطل ؟؟ .. والعمق يحمل الصفتين فمعيار يكال به الوزن .. وصفة تسقط أوزان الرجال .. وسئلوا أهل الحرف إن كنتم لا تعلمون .. أمشاج يمتاز بالوصف حقاَ حيث خلط يعتنق المزج مع دواعي العلة في الصفات .. وديباجة الوجه بالحسن حق مكتسب غير ديباجة العرب والفرس .. ولو حسبنا القوادم حجماَ فإنها لا تحمل الوزن وحيداَ إنما السند والعون يبذل من بواقي الريش في الجناح .. والأمر يستلزم تلك الإشارات المباشرة التي لا تستسيغ المراوغة بالحروف .. ليكون المعنى المراد على المحجة البيضاء .. ورب العرش العظيم لقد يسر القرآن للذكر فكانت تلك الآيات العظيمة التي تحق الحق وتبعد الشبهات .. وهو القادر المقتدر الذي يملك العمق في أسرار الحروف .. والإقدام والتأخير في الحرف يعني الإبحار في المعاني العميقة البعيدة عن النوايا المبيتة .. وفالج النصح والحب والنماء غير فالج الداء .. ولكن يلزم الإشارة دون السكوت .. والبدعة غير الإبداع فيمن يتذوق لحن الحروف .. والجدل المتاح بغير ضوابط هو الذي يمكن الرويبضة أن يخوض في أمور الناس بغير علم .. والناس تملك الفواصل بالحروف دون أن تفي المقاصد والنوايا .. وجاء الكلام عندما قالت أنها ما تعمدت أن تتراشق يوماَ بالسباب .. ولكنها كانت تعني برشقها الضرب بالحجار لزوم الفواق .. وكأنها تريد أن تقول أن مقصدها كان حسناَ وهو إصلاح الاعوجاج .. وتلك لعمري مبررات أهونها تعادل ثقل الجبال .. والمفاضلة بين تلك المبررات هي مفاضلة بين الأسوأ والأسوأ .. والأعذار بها أكبر من الذنب كثيراَ .. أرادات أن تتراجع في خطواتها .. وهي التي أوجدت تلك الخطوات بعيوب الحفر والموانع التي تعسر العودة ولا تيسر .. ونسيت منديلها يوم أن بكت لتزيل دموعاَ زائفة بالتمثيل والخداع .. كانت قادمة إليه لإصلاح شرخ في مرآة في ظاهرها كانت صافية ذات يوم .. ولا تشوبها إطلاقاَ آثار الخلافات .. ذلك الصفاء الذي فقد الصدق فيما بعد .. وقد خانت الوفاء عندما لاح لها ساحل بديل يتوشح بمعالم الإغراء والمباهج .. فأرادت أن تأخذ ذلك المسار الذي فيه الكثير من مغريات الحياة .. وهي مغريات مبذولة ومسرفة بألوان الأحلام التي تركض إليها أمثالها في الحياة .. والحياة في الساحل الجديد كانت تعج بالمظاهر دون شروط الإخلاص في التعاملات .. وتفقد معالم الوفاء والالتزام .. حيث الحياة فيه تبيح الفوضى وكسر أقفال الضوابط .. ولا تتعامل بمفاهيم الثوابت الأدبية والأخلاقية .. أي أنه ساحل يمهد الإفلات دون لوم يشجب العيوب .. وتلك خصائص لأهلها ولأناس يريدونها كذلك .. وهي في قرار نفسها كانت ترغب وتميل لذلك النوع من الممارسات .. لأنها كانت في أعماقها شغوفة لخوض حياة مرحة تستجلب لها نوعاَ من سلوك تعني استغلال الآخرين .. فاجتهدت حتى كان لها موضع قدم في الساحل الآخر .. ولما تمكنت من ذلك بدأت في تحقيق بواعث الانشقاق ونكران الماضي .. فتنكرت للماضي بإجحاف شديد .. حيث أرادت أن تحدث أكبر الجروح للماضي وأهله .. وذلك قبل أن تلتحق بالساحل الجديد .. فتراشقت بالسباب دون أسباب توجب السباب .. وأبدعت في دواعي الخصام .. وبالغت في أخراج مكنونات صدرها تلك الكثيرة التي كان يسترها النفاق .. ولم تراعي الحكمة التي تقول : ( فارقوهم بالتي هي أحسن ) .. أما هو فقد تحمل فجور خصامها بصبر كبير .. دون أن يدري الأسباب الحقيقية .. وكان يحفظ لها في القلب وداَ وحباَ .. ويكن لها المقام والاحترام .. ولذلك لم يبادلها السباب بالسباب .. إنما آثر السكوت والرضوخ على مضض لمستجدات لم تكن يوماَ في الحسبان .. فهجرت ومضت في دربها الجديد حيث الساحل المرعب الذي لا يعرف حدود الوفاء .. ولكن خابت تجربتها في ذلك الساحل من أولى الخطوات .. فتنكروا لها بعد فترة وجيزة دون أن تتعمق وتتمتع بالقدر الكافي من المباهج .. فعلمت بأنها قد أخطأت الخيار وضلت المسار .. وأرادت أن تتراجع بسرعة قبل أن تجف وتنضب القلوب التي تحمل لها الود والإخلاص .. فعادت إليه مسرعةَ يوماَ وهي تذرف دموع التماسيح .. وقالت الكثير والكثير لتعيد مياه الماضي إلى مجاريها .. وأوجدت المبررات تلو المبررات لتحسين صورة الماضي لحظة الانشقاق .. ومسحت دموعها بمنديلها ثم وضعت المنديل فوق الأريكة التي تجلس عليها .. أما هو فلم يشفع غليلها بدلائل تعني قبول الأعذار والاعتذار منها .. كما أنه لم يبذل حرفاَ واحداَ يعنى التدخل في الحوار .. بل التزم الصمت بإصرار دون حرف منه وكأنه يتردد في اتخاذ القرار .. فلم تكن هناك لحظات جدال وأخذ ورد بينها وبينه .. ثم فجأة نظرت لساعة يدها وكأنها على موعد ثم خرجت مسرعة من عنده .. وقد نسيت منديلها فوق الأريكة .. وبعد أن وصلت إلى دارها اتصلت به هاتفياَ وتكلمت من جديد .. وعبر الهاتف كانت تظهر البكاء بحرقة شديدة .. وتظهر الندامة والحسرة على قرارها الماضي بالانشقاق .. فمال قلبه إليها قليلاَ .. وبدأ يتراجع عن موقفه ذلك المتصلب .. كما أن قلبه بدأ في قبول مبرراتها في أسباب الانشقاق .. رغم أنه لم يكن مقتنعاَ بها قاطعاَ .. فقال لها في الهاتف أنا في الطريق إليك لوضع النقاط فوق الحروف .. ولوضع المسار الجديد بشروط تقبل الترميم .. وتناسي الماضي بالقدر الذي يخفف قليلاَ من آلام التجريح والسباب عند الانشقاق .. فقام من مجلسه ولبس ثياب الخروج واستعد لمغادرة سكنه في الطريق إليها .. وعند الباب لمحت عينه منديلها الذي ما زال فوق الأريكة .. فأخذ المنديل من فوق الأريكة فإذا بورقة تسقط من داخل طبقات المنديل على الأرض .. فانحنى والتقط الورقة فوجد فيها كلاما بخط يدها .. وقرأ الورقة فإذا بالحروف فيها تحمل الكثير من الكلام الخطير عنه وعن الماضي معه .. وهي ورقة كانت قد كتبتها في يوم من الأيام عندما كانت تخطط لجولة الانشقاق .. والورقة عبارة عن رسالة لأحدهم بالساحل الجديد .. فيها قالت عنه الكثير من الصفات الجارحة والنعوت المقيتة .. وأنها تكره الماضي وتكره معالمه وأهله .. وجل كراهيتها يصب في ذلك الشخص الذي يدعي حبها رغم أنفها .. وهي في عمق نفسها لا تطيقه إطلاقاَ .. والأعجب أنها ذكرت اسمه صريحاَ دون مواراة .. بل أكثر من ذلك قالت عنه بأنه يمثل أسوأ الكوابيس في مسيرة حياتها .. وأنها لم تكره أحداَ في حياتها كما تكره صاحب ذلك الاسم وهو اسمه بين قوسين .. أصابه الذهول كثيراَ وتعجب من تلك الحروف التي قالت الكثير عنه وكلها مقت وكراهية .. فأصيب بخيبة بالغة .. فتراجع عن مشواره ثم جلس في مقعد وهو في حيرة شديدة .. ويخاطب نفسه في العمق بالقول هل يصل النفاق بالناس أن يكونوا في صورة الملائكة وهم يجلسون فوق عروش الشيطان !؟؟ .. وكيف لإنسان أن يتمكن من إخفاء مشاعره العدائية دون علامات لسنوات وسنوات ؟؟ .. وبدأ في مراجعة الأحداث في معية الماضي حيث هو وحيث هي .. ومرت الساعة والساعة وهو جالس في مقعده والهاتف يرن .. ثم يرن ويرن والإشارة تفيد بأنها هي التي تتصل .. فلم يتحرك من مجلسه إطلاقاَ ولم يرد على الهاتف .. وكان في وجوم وحزن شديد .. وأخيراَ كانت هناك طرقات على الباب فقام من مقعده ليفتح الباب للطارق .. فإذا هي بالباب وقد جاءت منزعجة جداَ .. تبدي علامات الغضب واللوم الشديد .. وتلوم بشدة على عدم الوصول لدارها حسب الوعد لها بالهاتف .. وكذلك الغضب الشديد على تجاهلها رغم اتصالاتها الهاتفية المتكررة المتوالية .. فلم يهتم لكلامها وثرثرتها كثيراَ .. كما أنه لم يرد عليها بحرف واحد .. إنما مد لها المنديل ثم مد لها تلك الورقة .. فأخذت المنديل والورقة .. ولكنها تفاجأت كثيراَ عندما شاهدت تلك الورقة بمعية المنديل .. وهي تعرف جيدَ محتويات تلك الورقة !! .. وقد علمت أن تلك الورقة فيها الكثير من التجريحات القاتلة .. وقد أخطأت تلك الورقة الطريق لتكون في يد ذلك المخدوع الغافل .. فتراجفت أوصالها .. وانتكس كبريائها ثم مالت بعينها إلى الأرض بخجل شديد .. ولم تقل حرفاَ واحداَ بعد ذلك .. بل تراجعت إلى الخلف بتخاذل شديد .. ثم غادرت المشهد نهائياَ .. بل غادرت البلدة كلياَ .. وكانت تلك اللحظة هي آخر مرة شاهدها فيها ذلك المخدوع .
ـــــــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش