بسم الله الرحمن الرحيم
حـرف الصدق الذي يضيع في سلة الأكاذيب !!!
يقال في المثل ( الخبر اليوم بفلوس وغداَ ببلاش ) أي بدون مقابل .. والأيام تفضح كل مستور يكون في حينه ذلك السر الكبير .. وإذا انتشرت إشاعة بين الناس يقال عنها ( لا دخان بدون نار ) .. أي أن تلك الإشاعة وإن كانت مجرد ملامح إلا أنها لا تكون من فراغ .. بل لا بد أن يكون هناك جانب يحمل الصدق ويؤكد أن هناك مصادر بكيفية ما .. وذلك إذا استثنينا الإشاعات الكيدية فتلك تخرج من أحكام الإشاعات النمطية العادية .. وفي كل الأحوال فمن عادة الناس أنها تجتهد في الإشاعات حتى تجعلها كبيرة وإن كانت صغيرة .. والإشاعات إن لم تهبط وتقتل في مهدها وحينها فإنها تنتشر كالنار في الهشيم .. وتسبب الكثير من الأضرار للأفراد والجماعات .. وقد يكون ضحاياها من الأبرياء الأبرار .. والترياق الوحيد الذي يداوي استفحال داء الإشاعة هو كشف الحقائق بالسرعة القصـوى .. وذلك الكشف للحقائق يخرس الكثير من الألسن التي تجيد الثرثرة في الظلام .. فالإشاعة تمثل الأشباح التي أوكارها الظلام .. وكشف الحقائق يمثل ذلك المصباح الذي يطرد الظلام ويطرد الأشباح .. ولذلك إذا طالت فترة الإشاعة بالصمت فأعلم أن تلك الإشاعة فيها الكثير من الحقائق .. والسكوت مرده إما العجز في قتل مصادر العيب من الأساس .. وإما تلك الفترة التي تستنزف في تغطية عيوب الحالة .. والكثير من الناس لديه حب الاستطلاع لمعرفة الأسرار والخفايا .. فيجتهد كثيراَ في الحصول على تلك الأسرار .. كما يجتهد كثيراَ في خوض تلك المسائل والأحوال التي تكون عادة في أجواء من الضبابية والقتام .. وهناك فئات من الناس تربأ بنفسها وتبتعد من الساحات التي يكون فيها القيل والقال .. وهو يكتفي بالمعالم التي تخصه في الحياة دون التدخل في شئون الآخرين .. ومثل ذلك الإنسان هو في المسار الأخلاقي السليم .. ولكن يمثل ندرة في مجتمعات اليوم .. والمجتمعات العربية كثيفة بتلك الإشاعات ( النمطية والكيدية ) .. والكثافة فاقت الحد الأقصى بدرجات فالتة .. حيث اختلطت الحقائق المفيدة بالأكاذيب الضارة .. فذاك فرعون وهو في حقيقته موسى .. وذاك موسى وهو في حقيقته فرعون .. والألسن تشكل الناس والرموز والاتجاهات حسب أهواءها .. وحسب ميولها العقدي أو السياسي أو الطائفي أو العنصري .. وتجري اللعنات على من لا يستحقون اللعنة .. كما تجري الثناء والتشكرات على من يستحقون اللعنة من أوسع أبوابها اللعنات .. حيث هؤلاء الذين يجاهرون بالإفساد بمعاونة إبليس والشيطان .. فقد اختلطت المعايير واختلط الحابل بالنابل .. والأنباء والأخبار في هذا العصر ترد للناس بكثافة لا مثيل لها عبر الوسائل التي أصبحت متاحة بدرجات تحيـر العقول .. ولكنها بكثافة وهمية تفقد المصداقية في الكثير .. فالحقائق فيها قليلة جداَ أما جلها فهو ذاك الزبد الذي يماثل زبد البحار في قيمتها ولا تعني شيئاَ .. والآن في هذا العصر من يتحري الصدق ويتحرى مصادر الحقائق هو كمن يبحث عن إبرة في كومة القش .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش