بسم الله الرحمن الرحيم
يــوم التخـرج مـن الجامعـة !!
من المظاهر التي أصبحت شائعة في هذا العصر ظاهرة احتفال الجامعات بتخرج الدفعات الأخيرة منها .. وتلك الاحتفالات إعلان عن رحيل جيل من صفوفها إلى معترك الحياة وهو متسلح بسلاح العلم والمعرفة .. وتلك لحظات تماثل حال طائر القطرس العملاق حيث يدرب الابن على مقدرة الطيران شهوراَ وأياماَ .. وفي ذات يوم يطلقه ليركب المجهول فوق محيطات وبحار العالم .. وذلك الطائر يدرك جيداَ أن ذلك الابن الذي غادر العش لتوه في مجاهل المحيطات قد يلتقي به ثانية في ساحة من ساحات الحياة وقد لا يلتقي به حتى نهاية العمر .. فالابن يبتعد عن الساحل متسلحاَ بالمقدرة على الطيران واثقاَ من الخطوات .. مقتحماَ مجهول المحيطات والبحار تلك التي لم يراها من قبل .. والأب ينظر إلى الابن النظرة الأخيرة وهو يبتعد عن الساحل والدموع في عينيه .. هو في أعماقه يفتخر بالانجاز وبالدور الكبير الذي قام به وفي نفس الوقت يتحسر على فقدان المعية .. ذلك هو يوم من أيام اللقاء بين فئة من الناس ومؤسسة من المؤسسات العريقة التي تكون قد أدت دورها بجدارة .. ثم هو إعلان عن انتهاء مرحلة وبداية مرحلة لجيل من الأجيال .
في الاحتفال قال الأب الذي يمثل الآباء .. يا بني يوم مولدك جئتنا ضيفاَ لتقيم عندنا .. ففرحنا بك وبلقائك كثيراَ .. فيا نعم ضيف تقر به الأعين .. ثم كان مشوار الحياة بالمعية .. فيها لحظات هناء وسعادة وفيها لحظات توجيه وتربية .. وفيها لحظات وفاق واختلاف .. وفيها لحظات عناء وأفراح وأتراح .. وكنا نراك تكبر يوماَ بعد يوم وفي الأعماق تغمرنا السعادة .. كما كنا نحرص بشدة أن نقوم بواجب التربية نحوكم .. وجل ما نتمناه أن نكون قد أوفينا واجب الضيافة على الوجه الأكمل الذي يرضي الله .. ذلك الواجب الكبير الذي يعني الإعداد لمواجهة الحياة بمواصفات الأخلاق والدين .. ثم واجب المعرفة والعلم والتعلم .. فها نحن اليوم نراك تمسك في يدك شهادة تعني أنك قد تسلحت بما يفيدك من العلم .. أما أنا فأحس في أعماقي بالفخر الكبير وأحس بأنني أديت واجباَ كان يثقل كاهلي .. ثم أحجب دمعة في عيني حتى لا تراني في صورة الرجل الضعيف رغم أني بشر مثل غيري .. وفي نفس اللحظات أعلم جيداَ بأن دوري نحوك قد شارف على الانتهاء .. بينما آن دورك في بداية معركة طويلة لأداء واجب سوف يكون عليك ذات يوم عندما يزورك مولود في دارك .. فأحسن إليه الضيافة يا بنـي .. وسوف تكون لك حياتك الخاصة وبيتك الخاص .. وربما قد تأخذني الظروف يوماَ لأزورك وأقيم عندك في بيتك .. وعندها أكون أنا الضيف وأنت المضيف .. فأنت جئتني من سفر لتقيم عندي ووجهتك كانت الإقامة .. أما أنا فأجئ إليك لأكون ضيفك ووجهتي السفر .. وشتان بين مسافر يريد الإقامة وبين مغادر ينتظر الرحيل .. فكن على ذلك القدر الذي يتحمل الثقل ولا يتأفف .. في ضيافتي كنت أرجو بقاءك ونماءك وكنت لا أقدر أن أفقدك لحظة .. وفي ضيافتك المرجو أن لا تستعجل برحيلي فالأمر ليس بيدي وبيدك .. ومهما فعلت فإن القلب قلب والد لا يريد لحظة نار لفلذة كبده .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش