بسم الله الرحمن الرحيم
تـلك مظـلة يرونها جحيماَ ونراهـا واحـةََ !!!
الحقائق تثبت أن طموحات الإنسان لا تقف عند سقف أعلى يمثل الحد والخاتمة .. ولا تقف عند زاوية محدودة تمثل نهاية المطاف .. بل هي طموحات متتالية غير مكتفية حتى نهاية العمر .. ويصدق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه :
روى البخاري في صحيحه ج 7 ص 175 عن ( ابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . وروى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ) .
هي سنة الحياة أن تشتكي الأنفس من مكابدة الدنيا والحياة ومعاناتها .. وكالعادة فإن تلك الأنفس في البداية تريد الأدنى الذي يعني الكفاف .. ثم رويداَ تطمع في المزيد ثم المزيد .. والأعلى ثم الأعلى .. فيكون القياس مقبولاَ إذا جانب العقل والمنطق .. والحكمة ضالة المؤمن .. ولكن تتباين الظواهر لتجلب صوراَ في طيها العجب ثم العجب .. وقد يتفق الجميع بأن شكاوى الناس هي عامة .. ولكن لا يتفق الجمع بأن الكل يتساوى في مقدار ونوعية الداء .. .. وفي ساحات التباكي والتشاكي نلتقي بالمفجوع حقاَ وحقيقةَ .. كما نلتقي بالمخدوع الذي يتوهم البلاء والابتلاء .. فنرى جماعات تشتكي مع زمرة المشتكين فنسألهم في ذهول ما خطبكم يا هؤلاء ؟؟.. فيجيبون بأن الأمور في بلادهم لا تطاق .. وأن الحياة هناك قاسية مريرة للغاية .. وأنهم يعانون من ضيق الأحوال والمعيشة .. ويتلقون الويلات من ظلم الحكومات والحكام .. وأنهم دائماَ وأبداَ في خانة التهميش والإذلال .. فنتعجب من تلك الإجابات ثم نقول في أنفسنا يا ليت هؤلاء القوم يعلمون !!.. فلو علموا مقدار المعاناة وقسوة الظروف والحياة في البلاد الأخرى لحمدوا الله وشكروه ليلاَ ونهاراَ .. ولو علموا مقدار التهميش والإذلال والإركاع في بلاد الآخرين لآثروا الصمت ولما كانوا في زمرة المشتكين .. فتلك البلاد التي يتحدثون عنها يعرفها الكثير من الناس .. فهي بالمقارنة مع البلاد الأخرى التي يشتكي أهلها تعتبر جنة وارفة في أرض الله .. وتعلم الناس جيداَ مقدار النعم المتوفرة بفضل الله في تلك البلاد .. كما تعلم جيداَ مقدار الاستقرار والأمن بالمقارنة بالدول الأخرى .. وتعلم جيداَ مقدار الرخاء والبناء والتعمير الذي يفوق الكثير من بلاد العالم .. كما تعلم جيداَ مقدار الفرص المتاحة للعيشة الكريمة للناس في تلك البلاد .. فهي تلك البلاد التي أنعم الله عليها بالخيرات التي تمثل الهبة الوافرة التي تكفي الجميع وتفيض .. وبذاك القدر الذي يبعد عن أهلها المشقة والمعاناة وتبعدهم من المعيشة الضنكة .. ثم بالقدر الذي يغطي حاجات الجميع .. حاجات الطامعين وحاجات القانعين .. وفرة تغطي زلات السارقين والناهبين .. كما تغطي حاجات المعتدلين والمحسنين .. وتلك البلاد بلغت باعاَ طويلاَ في مجال العمران والبناء .. وقطعت أشواطاَ طويلة في ساحات التنمية وركائز الاقتصاد .. وذلك بالمقارنة مع البلاد الأخرى المجاورة وغير المجاورة .. وخاصة وقد اكتملت فيها خطط إرساء البنية التحتية التي تعنى خطوة عالية في تقدم البلاد .. ولكن يقال الأحلام بمقدار ساحاتها .. وظل الشجرة التي يتنعم به البعض ثم يظنه رمضاء ليشتكي يعتبر حلماَ عزيزا لدى الآخرين الذين يفقدون ذلك الظل .. ويظلون طوال الحياة في نطاق الشمس والهجير .. فهؤلاء الذين يشتكون من رداءة الأحوال في تلك البلاد المحظوظة يجهلون كثيراَ معاني القسوة الحقيقية في الحياة !! .. والنظرة المتعمقة تؤكد أن الذي يشتكي في تلك البلاد السعيدة ما هو إلا متكاسل يبتغي اللقمة حاضرة بغير جهد حتى مشارف الفم .. أو هو ذلك المتسلط الطامع الذي يبتغي المزيد من وديان الذهب .. وبالتالي تسقط تلك المبررات الواهية التي يقدمونها لتظل موضع تعجب عند المقارنة بواقع الحال في بلاد الآخرين .. وهم بالطبع يجهلون كلياَ المآل وقسوة الأحوال في ساحات الآخرين .. ولا يعرفون معنى المعاناة الحقيقية التي تعادل العلقم والحنظل في المذاق .. حيث معدلات الفروض والرسوم والمسميات الكثيرة المضروبة فوق رقاب الناس .. من الجبايات والسلب والنهب المسلح بمسميات الرسوم المتفرقة .. التي تقوم بها الدول التي تفترض أن تعين الناس ولا تشقيهم .. والبعض من تلك الدول بتجرد فاضح يحتمي بمسميات البدع في الدين لأخذ المزيد والمزيد من أموال الناس .. فهناك الزكاة على المحاصيل يوم حصادها .. والزكاة على المحاصيل يوم ترحيلها .. والزكاة يوم عبورها من ولاية لولاية أخرى .. والزكاة يوم تنزيلها .. والزكاة يوم بيعها .. والزكاة يوم أكلها .. والقياس في ذلك في كل أنواع الزكاة .. في الأنعام وفي الذهب وفي الأموال .. بجانب المسميات الأخرى مثل الضرائب ومسميات العوائد و مسميات العتب ومسميات الدمغات والنفايات .. والكثير الكثير من المسميات .. وكذلك الرسوم الكبيرة المبالغ فيها عند كل معاملة لدى دواوين الدولة .. وكل خطوة في مسار الحياة في تلك البلاد لا تتم إلا مقابل رسوم وفروض .. وحتى أن الشوارع في بعض تلك الدول تكتظ برجال المرور الذين تركوا واجب الوظيفة الأساسية المنوطة بهم ليتفرقوا ويهتموا فقط بالرسوم وبالجبايات .. فنجدهم عند كل إشارة مرور وعند كل منحنى وعند كل ركن وعند كل زاوية يحاصرون الناس ويكرهونهم العيشة .. يبحثون عن مخالفات قد تتواجد وقد لا تتواجد .. وإذا لم تتواجد يخلقون المبررات الواهية لدرجة أن البعض منهم يبحث عن خدشة صغيرة في زجاج السيارة لتكون مجال مخالفة يستحق الرسوم .. و تكون مظاهر الكئابة التي تكدر الأنفس عندما تشاهد رجل الأمن المفترض فيه أن يكون ذلك الحامي العزيز ليصبح ذلك المتسلط القاسي وفي يده دفتر الجبايات .. ليمارس حالات النهب والقلع جهارا ونهاراَ في صورة غير حضارية وغير عصرية .. فنقول لهؤلاء الذين يتوهمون المعاناة في بلادهم دعوا عنكم الشكوى والتباكي فأنتم في نعمة كبيرة بفضل الله سبحانه وتعالى .. فاحمدوا الله على تلكم النعمة حمداَ يليق بمقامه واشكروا فضله .. ودعوا الشكوى والمعاناة الحقيقية لأهلها الذين يكتوون حقاَ بنار وقسوة الظروف والحياة .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش