بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي الربيـع هنـاك دموع  ؟.؟؟؟ 

(  قصـة قصيرة  )


يا طائر الليل أسكب الصمت على أحزانك ولا تنادي .. فالآذان ماتت ولن يسمعك اليوم أحد .. ولا تظن أن الرياض ما زالت تجري فيها ينابيع الحياة .. إنما هي قد تحولت إلى ساحات موت علقت فيها المشانق .. وروادها إما قاتل أو مقتول ..  والجداول فيها تجري بدماء الشهداء الأبرار .. خضاب بحمرة عفرت تربة طاهرة  فوقها آثار أقدام ملائكة وأخرى آثار الشياطين .. وهي الآن ساحات ربيع بمسمى لأناس .. كما هي أصبحت ساحات تركيع بمسمى لآخرين يريدون موسماَ غير الربيع  .. فيها يتنازع من ينادي بالتهليل والتكبير ثم الاجتهاد بالتبديل وفيها من ينادي بالماضي ليكون الماضي بالتخليد والتبجيل .. وهناك أنفس في عالم المجهول تضحي وتبذل راغبة أو غير راغبة .. وأخرى تقاتل راغبة وغير راغبة ..  والأعين خرجت عن خواطر الأخلاق والأعراف لترى ما تريد أن تراها دون سواها .. جدل عنيف بين الماضي الذي يتشبث بقوة بجذوره في الأرض .. وبين حاضر يناضل ليقتلع شجرةَ خبيثة حتى لا يكون لها قرار .
         هناك جلست طفلة صغيرة بريئة في عامها الثامن من العمر على الأرض فوق حجر بعشوائية دون أن تخطط لتلك الجلسة  .. وقبضت جوانب وجهها بأناملها ..  وعينها تزرف دموعاَ حارةَ .. نظراتها شاردة بعيدة .. تنظر في الأفق البعيد بمنظار المجهول ذاك القادم بكفوف الأقدار .. وقد رأت من الأهوال والفواجع ما تقشعر لها أبدان الكبار ناهيك أن أبدان الصغار .. في أعماقها تنظر في حيرة إلى الدنيا وإلى قسوة الحياة .. هربت من بيت أبيها برفقة الأسرة .. وقد توالت الضربات العنيفة من الجو والأرض على الحي الذي يقطنون فيه .. وبدأت أرجاء المنزل تتساقط عليهم بفعل الهزات العنيفة .. وبفعل تصادمات دانات الصواريخ ..  حيناَ بعد حين كانت هناك صيحات وصرخات الآلام والأنات في ساحات الجيرة  .. وعند ذلك أدرك الأب والأسرة بخطورة الموقف وقرروا الفرار فوراَ من ذلك الأتون .. خرجوا من المنزل في لحظات حرجة جداَ .. وكان الوالد يقود أفراد أسرته ويتقدم بهم في الشوارع متفادياَ القذائف في حذر شديد ..  وهي كانت تمسك بأنامل أمها الخائفة الوجلة وهناك باقي أفراد الأسرة  ..  ثلاثة إخوان يكبرونها سناَ وبنت أخرى كانت أصغر منها  .. الضربات كانت عنيفة من كل الاتجاهات  ..  والمعارك تدور في كل الشوارع والميادين .. والقتال كان مشوباَ بالعشوائية المفرطة والفوضى .. وفجأة سمعوا صوت الأم وهي تصرخ ثم تسقط على الأرض .. وفي لحظات مرعبة التفوا حولها فوجدوها وقد أصيبت إصابة مباشرة وهي تنازع الرمق الأخير .. سحبت يدها من يد بنتها ثم أمسكت بيد الأب وهي تشير إليه بالاقتراب .. وعندما دنا منها قالت له أولادي وبناتي في ذمة الله  وفي ذمتك وتحت حماية الله وحمايتك .. وأنا الآن أفارق الدنيا وأفارق سربك .. ثم نطقت بالشهادتين وأسلمت روحها .. وفي تلك اللحظة توالت وازدادت الضربات العنيفة المزمجرة المدمرة ..  وظروف الضربات والأوضاع الهالكة لم تسمح لأحد أن يتوقف حتى يترحم على روح أحد .. بل ركضوا جميعاَ في هلع شديد وتفرقوا في كل الاتجاهات ليتقوا القذائف النازلة عليهم كالمطر   .. وتشتتوا إلى نواحي متفرقة ..  الأخت الصغيرة ثم أثنين من الإخوة اختفوا فجأة في زحمة الفوضى ..  وبقيت هي وواحد من إخوانها في معية الأب .. وهي بعد ذلك لا تذكر شيئاَ غير أنها كانت تمسك بيد أبيها في اللحظات الأخيرة عندما طلب منها أبوها أن تركض بشدة بعد أن أصيب بطلقة في صدره .. فركضت قليلاَ ثم عادت إليه مرة أخرى لتجده ينازع الموت .. دنت منه وهي تبكي بحرقة .. فقال لها بصوت ضعيف جداَ : أركضي يا بنيتي وأخرجي من هذا الجحيم .. ثم أردف قائلاَ :  كم كنت أتمنى أن أواصل معك مشوار الحياة ولكن يبدوا أنك سوف تواصلين المشوار لوحدك .. فالمرجو أن لا تنسيني من دعائك في أعقاب الصلوات  .. ثم فجأة غاب في سكوت الموت .. لم تنتظر المسكينة كثيراَ بل واصلت ركضها ومشت في مشوار المجهول وهي شبه غائبة عن الأحداث التي تدور حولها .. وبعد زمن هي لا تعرف مقداره وجدت نفسها خارج أطراف المدينة .. فجلست هناك على الأرض وهي مرهقة وفي إعياء شديد .. تنظر للدنيا غير تلك النظرة التي كانت في الماضي  .. بل هي تنظر إليها الآن بوشاح السواد  .. وفي أعماقها لا تريد أن تواصل المشوار في معية الدنيا بعد تلك الأحداث  ..  بل تتمنى لو أنها لحقت بأبيها وأمها وباقي أفراد أسرتها في المصير  .. فلا ربيع يملك التلقيح لتنتج أثماراَ تعوض الأبوة والأمومة .. ولا سعادة في الدنيا بعد أنفس لأحبة رحلوا وتركوها وحيدة هائمة لا تدري بمصيرها ..  والربيع له أثمان عالية قد تكون هي الدماء والأبرار ..  فهناك من يدفعون وهناك من ينالون .. وتلك سنة النضال في الشعوب ..  وقد يشرق فجر سعادة على قوم ذات يوم فيتناولون ثمار البطولات دون أن يدروا بأهلها وبمن أوجدوها .. وهناك آخرون يقدمون التضحيات ويرتحلون عن هذه الدنيا لتكون السعادة لمن يأتي من بعدهم  .. وذلك المعنى جليل لمن يتمعن في قصة التضحيات .  

ـــــــ

الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 147 مشاهدة
نشرت فى 16 يناير 2013 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

766,096