بسم الله الرحمن الرحيم
قـال أحدهم مـن يشـتري عمـري ؟..؟؟؟؟
توقف عن السير وقال حتى هنا وكفى .. فالشكوى دامت وطالت .. وهي تلك الشكوى المعهودة التي تلازم العمر .. شكوى الإنسان في متاهات الحياة والدنيا .. والمكابدة في الحياة هي سنة .. وقد خلق الإنسان في كبد .. فلا يشذ أحد عن تلك السنة .. الشقاء للبعض قد يكون من أول يوم وحتى الممات .. من لحظة القدوم إلى الدنيا فتعلن الدنيا بأنها لا ترحب بأحد .. وقد تتواجد جذور الشقاء من قبل التواجد في الأرحام .. ثم قد تتوافر الأسباب وتتلاحق في وبعد الرحم .. يأتي الإنسان إلى الدنيا وهو يصرخ لعلمه بالتوالي وبالعواقب .. فلا يشفع له البكاء .. وكل قادم للدنيا كذلك يبكي .. وهل يفيد البكاء .. وتلك ناصية توحي أن الإنسان يبدأ بالشكوى من أول لحظة ومن أول خطوة في أعتاب الدنيا والحياة .. وهي تلك اللحظة التي تنطلق منها بدايات الصراع والمكابدة .
هناك من يبذل الكثير من التملق لإرضاء الدنيا .. والدنيا كالمهر المراهق لعوبة تارة تغري بالعطاء .. وتارة تقلب للناس ظهر المجن .. والناس فيهم من يسايرها بكل أنواع التحايل والصبر .. وفيهم من يتقارب إليها وداَ وحباً فتبتعد الدنيا عنه بغضاً وكرهاَ .. ويداعبها غزلاً وعناقاً فتمتنع عنه قولاَ وفعلاًً .. فهي كعادتها عصية وظالمة لمن يركض خلفها .. ورفضها قاطع ولا يقبل التراجع .. والإنسان بشر وهو ذلك المخلوق من دم ولحم .. ويملك الكثير من العواطف ويملك الكثير من الإحساس والشعور .. فتأتي عليه لحظات من اليأس .. وتولد لديه رغبات في إنهاء الحياة .. فيتوقف عن المسايرة ويقول من يشتري عمري .. وبالعدم فالانتحار .. يعرض ما يبقي من عمره بأرخص الأثمان فلا يجد من يشتري .. وهناك في الكون مثله من يشتكي بنفس الداء .. فلو كان الأمر جدلاً يغلب فيه الطلب على العرض لعرضت الناس بواقي أعمارها في الأسواق .. ولكن من يشتري البكاء إلا من يريد البكاء .
فهؤلاء لا يشاطرون الحكمة في مسايرة الحياة .. فقد أبدوا حبهم وشغفهم للدنيا فعلمت الدنيا بضعفهم فأذلتهم بالتدلل .. وأذاقتهم المرارة .. فلو كانوا حكماء وعقلاء ولبقاًء لأعطوا الدنيا ظهورهم واجتهدوا لمرحلة هي أحسن وأدوم .. وتلك هي مسارات أهل الصلاح والتقوى والإيمان .. وهم قلة عاقلة تقاوم إغراءات الدنيا وتبتعد عن مسارات الهوى .. ونادراَ ما يرغبون في الدنيا .. وهؤلاء يتعجبون كثيراً من ذلك الذي يتجرأ ويلوذ بالانتحار .. فيرون أن الدنيا ومتاعها لا تستأهل أن يهدر الإنسان حياته من أجلها .. والمعاناة فيها لا تعادل ولا جزءاَ يسيراً من معاناة المنتحر بالعقاب في الآخرة بالمكوث الأبدي في نار جهنم خالدا مخلداً أبداَ .. ولا يقدم على ذلك إلا من يجهل مقادير الأمور .. ولكن تلك هي حيلة ومكر ومؤامرة من الشيطان .. فهي مكيدة يجتهد بها إبليس عليه لعنة الله حتى يورد الإنسان في التهلكة .. وكذلك هي تلك النفس الأمارة بالسوء .. والشيطان أمره قائم بالعداوة للإنسان إلى قيام الساعة .. وما زال يوسوس في صدر الإنسان حتى يبعده عن الجنان .. ويقول له ليلاً ونهاراً إلى متى وأنت مهان وأنت في ذلك العزاب .. ويكرر له القول حتى يرسخ الجحود والإنكار في الأذهان .. فيحتج الإنسان على الأقدار ثم يفكر في الانتحار .. وذلك هو قمة الجحود والإنكار . أعاذنا الله وإياكم من كيد الشيطان .. وأن يرسخ الحمد والشكر فينا في السراء والضراء .
ساحة النقاش