بسم الله الرحمن الرحيم
قتلتنا الحيـرة في أهـل السيـرة !!
يحسبه أعمى ثم يتحسس أطراف بنانه ليدير دفة الخطوات .. وذاك الأعمى محسوب بالعمى رغم أعينه التي ترى .. ولكن حكم القوي أسقط الحقيقة ثم أٌقام العلة بغير علة .. فتعامى وهو غير أعمى .. وأخلص النية بالخضوع لفروض الأقوى .. ثم أقر بمبدأ السمع والطاعة .. والشك قائم في أخلاصه على المدى .. فربما تكون للصمت والخضوع مآرب أخرى .. والإنسان مفطوم على المنافع والمكر بين الورى .. ولا يكون الإخلاص رغم الجور والظلم إلا لمن ينال في صمته ما يوازي مقدار الهوى .. فكم يا ترى ثمن من يسمع ويرى الظلم ثم يقسم بالله بأنه لا يسمع ولا يرى .. وذاك المتمكن لظهر المطية يبذل الأعلاف ثم يمسك بالعصا .. تارة يزجر وتارة يدير دفة الهامة نحو الثرى .. وأما ذاك الذي رضي بأن يكون هو المطية فالعطاء له بالقدر الوفير حتى يقول كفى .. جدل بين أطراف الوثيقة وحسابات عرض جائر وقبول بالرضا .. وهناك تسقط الهيبة بمعيار الكرامة والذات العلا .. والأنفس تصبح سلعة تعرض وتباع ثم تكون لمن هو سعره الأعلى .. والقيم والمعاني النبيلة تصبح علة بغير أوزان لها فكم يا ترى .. توافق وتناغم رغم الجور ورغم الدناءة وتدوم السيرة فلا متسلط يسكت ولا مذلول يتوقف عن الجوى .
والأمثلة كثيرة ومنها تلك الأبواق التي نالت الشهرة بأنها تنادي بإظهار الحقائق مجردة ً.. ثم نراها فجأة تحت سلطان القوى .. تعمل بإشارات الآخرين .. بعد أن تفقد الحيادية وتصبح مجرد مطية تردد كالببغاء صدى أصوات أسيادها .. ومنها تلك الدول التي هي في عمق العشيرة ثم تتبنى مواقفها بإشارات من الخارج ومن الأعداء .. وبالإقرار منها دون إنكار .. فهي تدعي أنها أعمى وهي بصيرة .. وعند المحن تفقد الذات لتكون هي القاعدة التي تنطلق منها نار الأعداء .. والنفاق هنا أصبح رهناً يقبل التراضي والقبول .. ولا يشين أصحابها متى ما كانوا في حماية الأقوياء .. وتلك السيرة المحيرة عشناها لسنوات وسنوات .. فهل قدم الربيع العربي ليقول للأعمى أنت بصير .. وهل قدم الربيع العربي ليعيد معاني الكرامة والشهامة والرجولة لمواضعها في قواميس الأعراف .. وهل يستطيع احد بعد ذلك أن يتجرأ ويقول ذاك مبصر وذاك ضرير .. دون وجل من متملق أو خوف من متسلط .. أم سوف تكون الأحوال كما كانت قائمة .. فارس ومطية .. أهل مآرب وأهل أوامر ثم أهل سمع وطاعة .. ولو دامت الأحوال كما كانت سابقاً فإن الربيع العربي أهدر تلك الدماء الطاهرة سداً .. وتلك الأنفس البريئة تكون قد رحلت بغير أثمان .. وتصبح تلك الانتفاضات مجرد زوبعة في فنجان .. وتأخذ حيزاً من هوامش التاريخ بعد ذلك بغير انجازات وبغير أهداف تحققت .
ـــ
الكاتب السوداني / عمر عيسي محمد أحمد
ساحة النقاش