أسباب العدوان :

        يرجع " فرويد " العدوان إلى غريزة الهدف داخلنا في ترابطها وتعارضها مع غريزة الحب والحياة .

        أما " غاستون بوتول " يرجع العدوان إلى ثلاثة عقد هي :

أولاً : عقدة التضحية

        يفترض " بوتول " بأنها العقدة التي تعبر عن الصراع بين الأجيال جيل الآباء وجيل الأبناء ، الآباء الذين سيغصب سلطانهم وأموالهم وكفاحهم الجيل الذي يليهم ، ويبدو رمز التضحية الذي جاء به القصص الديني بمحاولة ذبح " إبراهيم " لأبنه " إسماعيل " فيحل محله كبش آت من السماء ، معبراً عن ذلك الصراع بين الآباء والأبناء ، بخوف الأب من جحود خليفته ، ولعل إعدام كثيرين من ورثة الملوك القدامى كفليب المقدوني أو إيفان الرهيب أو سليمان الحكيم ليعبر عن تلك العقدة الكامنة فينا أصدق تعبيراً ، لكن التطور البشري والحضاري أنزع العقدة من مجالها الفردي لتختفي ولكن لتظهر في الحياة الجماعية ، فبدلت الضحايا ، فبعد أن كانوا من المولودين حديثاً أو من الأبناء في القرابين للآلهة تتم الضحية الآن بالشبان في مذبح الحروب أهلية كانت أم خارجية ، وتجري الأمور كما لو كان كل جيل يعني بتوريث الجيل الذي يليه صندوقاً مليئاً بنزاعات المستقبل ويورثه كل معدات المذابح المقبلة وكل البنى الاجتماعية المولدة لأي عدوان ، فيورثه مثلاً القنبلة النووية ويعلمه كيف يستخدمها لا كيف يمكن تجنبها ، وإن مقولة " هتلر " الذي صرح بأن مذابحه الضخمة ستتضمن بقاء رايخة الثالث " لألف سنة " كانت في أحد جوانبها تعبيراً فجأة عن التضحية بجيل شاب من أجل مستقبل رايخ لم يقف على قدميه إلا عدة سنوات من الرعب .

ثانياً : عقدة كبش الفداء :

        تشتمل التنشئة في كل المجتمعات على الإشارة إلى عدو تقليدي معين ، وقد يكون هذا العدو قبلية أو قومية مجاورة تلعب دور العدو التقليدي والموروث ، وهذا العدو يتحمل باستمرار كل الأزمات والمصاعب ووجوده بشكل خطر على المجتمع ليصبح التوتر أمراً بدعو للانفجار ، ويقول " بوتول " المجتمعات ، إذن ، كالأفراد تخس لا شعورياً بالحاجة لإيجاد المبررات ، فتتراكم الاضطرابات والمعضلات وحالات القلق لتعبر عن نفسها بأشكال عدوانية ، تنتشر في أشكال شتى ، فمثلاً يعتبر كل منا سلاح الآخرين سلاحاً هجومياً ولكنه يعتبر سلاحه الخاص سلاحاً دفاعياً ، فكبش الفداء هو شرط الوعي الجيد في الروح العدوانية .

ثالثاً : عقدة ديموقليس

        وهي تعبر عن الخوف الدائم وعدم الأمن كما يفترض " بوتول " ذلك الخوف الذي أحس به " ديموقليس " وهو التابع لأميرة " دنيس " ملك سيراقوصة ، والذي إحتل مكانة لعدة أيام ووجد نفسه في مكان سيدة يتصدر حفلة فخمة يحيط به خلالها كل رجال القصر وهم ينفذون أوامره ، لكنه اكتشف فوق رأسه سيفاً ثقيلاً مربوطاً بحبل رفيع جاهز للسقوط عليه في كل لحظة وتوجيه طعنه نافذة إليه أي أن أميرة لا يزال حاضراً في هذا السيف المعلق .

 

        ويفترض " بوتول " بأن عقدة " ديموقليس " ذات شكلين الأول : هو الإحساس بضعف مصيرنا الذي يملي علينا الاستسلام والانقياد والثاني هو التهديف الذي يثير الغضب والروح العدوانية ، فيحاول المرء المهدد بالخطر التفتيش عن المسئولين عن تهديده .

 

        وهناك شكل جديد من عقدة " ديموقليس " يسميه " بوتول " (عقدة الازدحام) وهي عقدة التهديد من تكاثر البشرية المهول ومعاناة نصف سكان العالم من الجوع ، ويشير "بوتول" بأن عقدة " ديموقليس " ليست فردية فقط ، وإنما هي أكثر فعالية عندما تنطبق على المجتمعات وعندئذ يغدو عملها عدوانياً إذا يصبح المضطهد مضطهداً ويصبح الإحساس بعدم الأمن عقدة أقوى من كل المحاكمات الفعلية الممكنة ، وتخلق هذه العقدة إجماعاً في هذا الخليط من الخوف والروح العدوانية التي تميز السياسة الدولية وهكذا  .

 

        ويلخص " بوتول " العقد الثلاث قائلاً أنها تماماً كميولنا الفطرية الأخرى كائنة فينا كإطارات فارغة ، وتمتلئ بمضمون محدد وتتخذ اتجاهاً مشتركاً حسب نماذج الحضارات من جهة وحسب الظروف والأحداث من جهة أخرى .

 

        ويرى محمد حسن علاوى (1998) ، أن العوامل المثيرة للعدوان تتمثل في :

1-         الإحباط .

2-         المهاجمة أو الإهانة الشخصية .

3-         الشعور بالألم .

4-         الاستثارة .

5-         الشعور بعدم الراحة .

6-         البطالة (قلة فرص العمل) .

7-         التعصب والتحامل على الأفراد .

8-         الاتجاه السلبي للتنشئة الاجتماعية .

9-         التحريض على العدوان من قبل أفراد أو جماعات ضد غيرها بغية الهيمنة عليها .

10-    ضعف إمكانيات ظروف المعيشة .

11-    ضعف الميل للمجاراة الاجتماعية بالإضافة إلى قلة تعزيز المجتمع لها .

12-    كثرة التحرر تؤدى إلى العنف .

13-    ضعف العوامل الاقتصادية .

14-    القمع والحرمان على إصدار الأحكام واتخاذ القرارات والمخاطرة والمسئولية .

15-    الضعف الاقتصادي والسياسي بين الأفراد .

16-    عدم القدرة على تلبية الحاجات .

17-    عدم خفض التوتر .

18-    زيادة الملاحظة أو التقليد للسلوك العدواني .

 

        ويشير " كامل الباقر " إلى أن أهم أسباب العدوان لدى الأطفال تتحدد في :

1-         التغير في السلطة الضابطة وعدم ثباتها ، مما يؤدى إلى اختلاط القيم فى نظر الصغار .

2-         الشعور بالخيبة الاجتماعية ، كالتأخر الدراسي والإخفاق في كسب حب الآخرين .

3-         الشعور بمحاباة ذوى السلطة لغيره ، وتفضيل ذلك الغير عليه .

4-         المبالغة في تقييم الحرية ، والتدخل في الشئون الخاصة بالصغار .

5-         توتر الجو المنزلي الذي يعيش فيه الأطفال ، من جراء غضب الوالدين .

6-         وجود نقص جسمي في الشخص ، مما يضعف قدرته على مواقف الحياة أحياناً ، مما يجعله أكثر عدواناً .

        ويذكر محمود الزياد (1980) إلى أن نسبة العدوان ترتبط بما يلي :

1-         تعلم الاستجابات العدوانية في مواقف الإحباط .

2-         شدة الدافع أو العادة التي تعرضت للإحباط .

3-         عدد الإحباطات السابقة .

 

        ويرجع أصحاب النظرية النسبية أن سبب العدوان يمكن وراء مفهوم الكفاءة أو الفاعلية ، حيث يرتبط مفهوم العدوان عند الفرد بمفهوم الكفاءة ويحقق الفرد الكفاءة عن طريق العدوان أي كسر كفاءة الآخرين ليحقق الفرد السيطرة ، ويكون الهدف الأساسي للشخص العدواني هو قهر كفاءة الآخرين لكي يشعر هو بالكفاءة .

 

        كذلك أشـارت تجارب " ألبرت باندور " (1973) إلى أن السلوك العدواني يمكن تعلمه كأي سلوك أخر أما من خلال تعزيز هذا السلوك مباشرة أو من خلال تقليد سلوك نماذج عدوانية ، سواء كانت النماذج حية أو متلفزة ، وتشير الدراسات في هذا المجال أيضاً إلى أن السلوك المتعلم بهذه الطريقة يميل لأن يبقى مع الفرد مدة طويلة من عمره ويفسر ذلك في ضوء نظرية التعلم الاجتماعي (1) .

        أما أصحاب نظرية الإحباط – العدوان ، فقد قدمه مجموعة من الباحثين في مجال علم النفس بجامعة (ييل Yale) الأمريكية " دولارد Dollard " ، " دوب Doob " ، " ميللر Miller " ، " سيرز Sears " عام (1939) على أساس أن العدوان قد يحدث كنتيجة لأحداث أو مواقف غير العوامل الفطرية داخل الفرد .

 

        وتستند هذه النظرية على فرضية هامة هي أن العدوان يحدث دائماً نتيجة للإحباط ، كما أن الإحباط (2) دائماً يؤدى إلى العدوان ، كما أن العدوان دائماً يكون موجهاً نحو مصدر الإحباط .

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) Social Learning

(2) Frustration

        وقد قام " بركوفتز Burkowitz 1993 " بإعادة صياغة هذه النظرية وأشار إلى أن الإحباط قد لا يستدعى بالضرورة السلوك العدائي ولكنه قد يسهم في زيادة استعداد الفرد للعدوان ، كما أن استجابة الفرد للعدوان يمكن تعديلها بالتعلم ، أي أن الفرد يمكن أن يتعلم عدم الاستجابة للعدوان كنتيجة للإحباط .

 

        ويفسر العدوان في ضوء نظرية الأنماط (1) على أساس أن نمط الشخصية العدوانية يكون واضحاً ويكون عند أصحاب النمط الصفراوي (2) ، كما يرى " أبو قراط ، النمط الدموي " (3) ، أما " يونج " فيرى أنه يوجد في النمط الإنبساطي (4) ، أما " شالدون " فيشير إلى أنه يوجد في النمط متوسط التركيب (5).

        وتشير نظرية التنفيس (6) إلى أن السلوك العدواني ما هو إلا عملية تفريغ للانفعالات المكبوتة لدى الفرد الأمر الذي يؤدي إلى الإقلال من المزيد من العدوان ، وأشارت بعض الدراسات الأخرى إلى أن السلوك العدواني – في ضوء هذه النظرية يمكن أن يؤدي إلى خفض العدوانية ، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى المزيد من العدوان .

 

        ويعتقد أنصار نظرية التنفيس من الباحثين في مجال علم النفس الرياضي أن الأنشطة الرياضية التي تتضمن درجة كبيرة من الاحتكاك البدني يمكن أن تكون بمثابة متنفس للسلوك العدواني ، كما أن السلوك العدواني لدى المشاهدين لبعض الأنشطة الرياضية قد يكون تفريغاً لبعض الانفعالات المكبوتة كنتيجة لأسباب أخرى خارج مجال الرياضة كالعوامل الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو غير ذلك من العوامل .

 

        ومن أسباب العدوان تلك الحوادث المؤلمة ، والتجارب المريرة والحياة القاسية التي تزيل حنان القلوب ولطف النفوس ، وتجمد المشاعر وتحجر العواطف وتجعل الإنسان ينظر إلى العالم وكأنه ساحة صراع يفوز فيها الأناني والمشاكس وينجح فيهـا من كان شــديد

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) Patterns Theory                (2) Choleric Pattern

(3) Sanguine Pattern (4) Extrovert Pattern

(5) Mesomorphic Pattern      (6) Catharsis Theory

المراس قوى اليأس قاسي القلب ، ونتيجة لما يتعرض لها الإنسان من تجارب قاسية ومما يعتلج في نفسه من انفعالات سلبية ، تحدث صراعات بين الضمير والأنا والغريزة غير أن الغريزة تكون قد انطلق جماحها وثارت ثائرتها ، بعد أن رأت أن العالم معاد لها .

(

        ويفسر العدوان في ضوء النظرية البيولوجية على أن العدوان سلوك غريزي أو وراثي يولد الفرد به ويشكل من خلال عمليات ارتقائية ، والعدوان يوجه أساسي وهو استجابة لهرمونات أو مؤثرات كيميائية أو حيوية أخرى ، ويعكس العدوان نشاطاً كهربياً في الجهـاز العصبي المركزي ، وقد اشتق هذا الغرض من المخ ، أو الاستثارة الكيميائية أو العصبية لهــذه الأجزاء  ، أمر يسهم في تسهيل أو منع السلوك العدواني ، فلقد وجـد " جيلادو Delgado " من خلال تجاربه على الحيوانات أن هناك مراكز معينة في المخ عندما تتم إثارتها عن طريق تيار كهربائي ، يصبح سلوك الحيوان عدوانياً .

        كذلك يظهر العدوان نتيجة إثارة جزء معين من منطقة الهيبوثلاموس إثارة كهربائية بسيطة يؤدي إلى ظهور سلوك الهجوم ، كما أن إثارة منطقة أخرى مجاورة من الهيبوثلاموس يؤدي إلى سلوك التسمر والقتل الهادي ، ولعل أشهر التجارب التي أجريت في هذا المجال هي تجربة " سميث وكنج وهوبل Smith, King, & Hoebel 1970 " على الجرذات البرية ، وكذلك أظهرت الدراسات التي أجريت على القردة في هذا المجال بأنه عنـد تهيج دماغ قرد ذكر متسلط عن طريق الأقطاب الكهربائية فإنه يلجأ إلى سلوك العدوان .

(

 

        ويشير محمد عبد الرحمن (1993) أن :

1-         هناك عوامل بيولوجية أخرى من بينها أن البناء الجسماني العضلي الذي لوحظ على العدوانيين والمجرمين .

2-         التعرض لكثير من الإصابات والحوادث في الطفولة التي تعكس نقص الضبط الداخلي .

3-         إهمال الأسرة في حماية أطفالها .

4-         الإدمان يعد سبب رئيسي في السلوك العدواني .

5-         الوليد غير مكتمل مدة الحمل .

 

        ويرى البعض أن العدوانية غريزة موروثة وأن تجارب الإنسان وعلاقاته الإنسانية إنما تؤثر عليها وتضعفها أو تقويها حسب نوع التربية والتقاليد والأنظمة الاجتماعية التي يعيش الإنسان في ظلها ويتفاعل معها ، ويقول آخرون بأنها مكتسبة وأن الإنسان يولد محايداً قابلاً لأن يتأثر بالخير والشر وأن المجتمع هو الذي يعلمه ما ينبغي أن يحب وما يجب أن يكره ، وما هي قوى الخير والشر وسبل الهدم والبناء ، بينما يرى رأي آخر أن العدوان جزء من تراث الإنسان يساعده على البقاء ويجنبه الخطر .

        ويبدو أن العدوانية ليست فقط نتاج الفشل والتربية والضغوط والعراقيل الاجتماعية ، بل هي دافع موروث لا يقل أهمية عن الغريزة الجنسية في قولها وأصالتها ، وفي كونها ضرورية لمجابهة الأخطار أو الهروب منها ، وقد جهزت الطبيعة جسم الإنسان بجهاز آلي ذاتي يظل على استعداد للنشاط إذا همزته إشارة خطر أو وجهة تهديد ، فالعدوانية بهذا المعنى مثحنة من الطاقة تتجمع تدريجياً داخل البدن كلما دعت الظروف ، ويتخلص منها الإنسان بطرق عديدة .

 

        بينما يرى أصحاب نظرية السمات أن الشخصية هي عبارة عن انتظام دينامي لمختلف سمات الفرد ، ويفسر أصحاب هذه النظرية العدوان على أساس تحديد السمات العامة للشخصية التي تكمن وراء السلوك ويشير على السمة باعتبارها الصفة الجسمية أو العقلية أو الاجتماعية أو الانفعالية أو السلوكية الفطرية أو المكتسبة التي يتميز بها الفرد وهي تعبر عن استعداد ثابت نسبياً لنوع معين من السلوك ، وقد قدم " ألبورت Allport " و " أيزنك Eysenk " و " كاتل Cattell " بحصر السمات العامة للشخصية ومن خلال ذلك يمكن التعرف على أصحاب النمط العدواني من خلال بعض السمات التي يتميز بها الفرد العدواني .

المصدر: جزء من دراسة للباحث ناجى داود إسحاق السيد
Nagydaoud

مع اطيب امنياتى بحياة سعيدة بناءة من اجل نهضة مصر

  • Currently 85/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 1134 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2011 بواسطة Nagydaoud

ساحة النقاش

دكتورناجى داود إسحاق السيد

Nagydaoud
هدف الموقع نشر ثقافة الارشاد النفسى والتربوى لدى الجميع من خلال تنمية مهارات سيكولوجيا التعامل مع الاخرين ، للوصول إلى جودة نوعية فى الحياة مما ينعكس على جودة العملية التعليمية مما يساهم فى تحقيق الجودة الشاملة فى شتى المجالات للارتقاء بوطننا الحبيب ، للتواصل والاستفسارات موبايل 01276238769 // 01281600291 /nnng75@hotmailcom »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

860,248