تنبيه الغافلين على خطورة الاستهزاء بالدين وعباد الله الصالحين

الحمد لله رب العالمين ، ولاعدوان إلا على الظالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين من الكفار والمنافقين ، وعلى آله وأصحابه حماة الدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

أيها المسلمون: ، إن من علاماتِ الإيمانِ الظاهرة التي يتحلى بها كلُّ مسلم ،تعظيمُ شعائر الله وحرماته ، وإن من تعظيمِ حرماتِ الله وشعائرِه؛ تعظيمُ شهرِ الصومِ شهرِ رمضانَ المبارك ،والبعدُ عما يغضب اللهَ فيه ، وإن من أعظم المنكرات التي ينبغي الابتعادُ عنها في كلِّ وقت وزمان، ويعظمُ الجرمُ باقترافه في شهر القرآن ألا وهو موضوعُ الاستهزاءِ بالدين وبشرائِعه وبحملته والمتمسكين به ، فإن هذا أمرٌ خطير، ومنكرٌ عظيم ، يجب اجتنابُه والتوبُة منه،لأنه يقدح في الإيمان بل في الإسلام والتوحيد ، ويتبين خطره فيما يلى :

أولاً : إعلم وفقني الله وإياك لمرضاته والبعدِ عن عضبه ومسخطاتِه ، أن الاستهزاءَ بالدين وبأهلِه ناقضٌ من نواقض الإيمان، وكفرٌ بالله وبرسوله وبدينه ، وهذا الحكم لم يحكم به البشر من قبل أنفسهم ، وليس هو مجال للاجتهاد، بل هو نصُّ كلام رب البشر المولى جل وعلا إذ يقول في محكم التنزيل :{ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فتأمل رعاك الله في قوله { لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } كيف صرح بهذا الحكم الواضح الذي لا لبس فيه فمن وقع في مثل ما وقعوا فيه فحكمه حكمهم، فما بالك فيمن وقع في أشدَّ من ذلك من أنواع الاستهزاء بالدين وشرائعِه وأحكامِه وحملتِه وهذا يبينه :

ثانياً : أن سبب نزول هذه الآية يبين أن الكلامَ الذي تفوه به بعضُ المنافقين هو في نظر كثير من الناس أمرٌ هين، ولا يتصور أحد أنه يصل إلى حدِّ الكفر والخروجِ من الملة ولكن هذا حكم رب العالمين الذي أنزله على رسوله الكريم ، وإليك سبب النزول وتدبره وقارن كلام من أنزلت الآيات بشأنه بكلام بعض السفهاء ومن لا خلاق لهم ممن وقعوا في مثل هذا الناقض في زماننا تجدُ البون الشاسع ،وأن سفهاءَ زماننا وقعوا في أشدَّ وأعظمَ مما وقع فيه المنافقون في زمن النبي  صلى الله عليه وسلم ، جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : "قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً : ما رأيت مثل قرأئنا هؤلاء ، أرغب بطونا ، و لا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء ، فقال رجل في المسجد : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فبلغ ذلك رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  ونزل القرآن ، قال عبدالله بن عمر : وأنا رأيته متعلقاً بحَقَب ناقة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وهو يقول : " يا رسول الله ،إنما كنا نخوض ونلعب " ورسول الله يقول : { أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }"أ.هـ
قال القاضي أبو بكر بن العربي : " لايخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً أوهزلاً ، وهو كيفما كان كفر؛ فإن الهزلَ بالكفر كفرٌ لا خلاف فيه بين الأمة "أ.هـ

فتنبه أخي المستمع الكريم إلى عظيم هذا الأمر ،إن هذا المنافق لم يزد عن أن طعن في بعض الصالحين، ولم يتعرض لشعائر الدين، فعده الله ورسوله من الطعن في الدين ،ومن الأسباب الموجبة للمروق من ملة المسلمين، أعاذنا الله وإياك من ذلك ، فما بالك فيمن يستهزأ بالصلاةِ مثلاً أو بالحجابِ أو ببعضِ الشعائر كقول النبي  صلى الله عليه وسلم  : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم ) وكقوله  صلى الله عليه وسلم  : (والذي نفسي بيده لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) وكقوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) يستهزأ بكل التدابير الواقية من الانحراف والوقوع في الفواحش حتى يكون المجتمع طاهراً نقياً بعيدا عن الفسق والمجون، فإن من أحب إشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين فهو من رؤوس المنافقين أعداء الدين يبينه:

ثالثاً: أن الاستهزاءَ بالدينِ وشرائعِه وشعائرِه وحملتِه من العلماءِ والصالحين هي من أخصِّ وأظهرِ صفات المنافقين كما قال ذلك الصحابي للمستهزء : (كذبت ولكنك منافق ) والله عزوجل بين لنا أن نتعرف عليهم بلحن قولهم ، وبين لنا أنهم يغيضهم الطهرُ والعفافُ والنقاءُ والصفاءُ ولا يطيب لهم العيش إلا في المستنقعات القذرة كما قال جل وعلا : { والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقون هم الفاسقون} ،وهذه الآيات جاءت عقب الآية التي ذُكرفيها حكمُ المستهزأ بالدين وبالله وآياته ورسوله لتدل على أنها أخصَّ صفاتهم .

رابعاً: أن الإنسان قد يكفر بكلمة وهو يلعب ويضحك و لا يشعر كما قال تعالى عقب هذه الآيات في سورة التوبة الفاضحة للمنافقين : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } فقد جاء في سبب نزولها عن عروة بن الزبير قال : " نزلت هذه الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء ، فقال الجلاس : إن كان ماجاء به محمد حقاً فنحن أشر من حُمُرنا هذه التي نحن عليها ، فقال مصعب : أما والله –ياعدوالله – لأخبرن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بما قلت فأتيت النبي  صلى الله عليه وسلم  وخفت أن ينزل فيَّ القرآن أو تصيبني قارعة أو أن أُخْلَط بخطيئة فقلت يارسول الله ، أقبلت أنا والجلاس من قباء فقال كذا وكذا ، ولولا مخافة أن أُخْلَط بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك ، قال : فدعا الجلاس فقال : ياجلاس ، أقلت الذي قاله مصعب ؟ فحلف (يعني أنه ماقال ) فأنزل الله : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} ..الآية"أ.هـ.، ومن الفوائد من هذه القصة : أن الإسلام يتشوف للستر على أهل المعاصي ولكن لعظيم هذا الجرم وخطره على الفرد والمجتمع فضح الله قائله وبين كذبه في الحلف بالله ، فهذا دليل على أن من الخير للمجتمع عدم الستر على أمثال هؤلاء المجرمين أعداء الدين.

خامساً: ما هو موقف المسلم حينما يجلس مثل هذه المجالس التي يستهزأ فيه بدين الله ويسخر فيها من شريعته ومن عباده الصالحين ؟ لقد بين الله لنا الموقف ولم يجعل فيها مجالاً للاجتهاد لخطورة هذه القضية فقال سبحانه : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : "أي إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يُكفر فيه بآيات الله ويُنتقص بها ، وأقررتموهم على ذلك ، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه ، فلهذا قال : { إنكم إذاً مثلهم } في المأثم ...(إلى أن قال): وقوله {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً } أي : كما اشتركوا في الكفر ، كذلك شارك الله بينهم في الخلود في نارجهنم أبداً ، وجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال ،وشراب الحميم والغسلين لا الزلال "أ.هـ، وقال القرطبي : "فدل بهذا على وجوبَ اجتنابِ أصحابِ المعاصي إذا ظهر منهم المنكر لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلَهم، والرضا بالكفر كفر"أ.هـ، وقال سبحانه :{ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } قال ابن كثير : " والمراد بهذا كلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ من آحاد الأمة ألَّا يجلسوا مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها "أ.هـ
وهناك موقف لابد منه من قبل ولاة أمر المسلمين من العلماء والأمراء وهو الأخذُ على أيدي هؤلاء السفهاء الذين يطعنون في دين الله وشرعِه وأحكامِه وينشرونه بين المسلمين فالله عزوجل أمر نبيه بأن يُغلظ لهؤلاء المنافقين ويجاهدهم حتى يَنْكفَّ شرُّهم وأذاهم عن المسلمين فقال جل وعلا : { ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } ومن مجاهدة المنافقين: تأديبُهم وتعزيرُهم وإقامةُ الحدود عليهم ومنعُهم من نشر باطلهم ، ويكون ذلك بإغلاظِ القولِ لهم لا بلين القول والله المستعان.

سادساً: أن ضرر السكوت على استهزاء المنافقين بالله وآياته ورسوله وشرائع دينه وبحملته عظيم وخطير على الفرد والمجتمع أما الفرد فقد بين الله ما أعد لمن شاركهم من النكال والعذاب في الآخرة ، وأما الضرر على المجتمع فمنها على سبيل الاختصار:
1- التهوين والتقليل من حرمة الدين والقرآن والسنة مما يجرأ الكفار وأعداء الدين على النيل من شريعة رب العالمين.
2- يُزَهِّد الناس في الالتزام بالدين حينما يتجرأ عليه كلُّ فاسق ومنافق ومارق من الدين فيكثر الفسادُ العريض المؤذنُ بالعقوبة الدنيوية قبل الأخروية .
3- فيه نشر للفرقة والتفكك في المجتمع لأن هناك فئة تغار على حرمات الله فيحصل الشجار وربما الاقتتال ودرءً لهذا كله لا بد أن يُسكت هؤلاء المستهزؤون وأن لا يستثيروا حفيظة أهل الغيرة من المسلمين جنب الله المسلمين الفتن والشرور .
4- أن انتشار هذا المنكر هو طريق للضعف وطمع الأعداء في الأمة فإن العزة والقوة تكون بالتمسك بالدين وحفظ شريعته فإن الله قد قال : { أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً} ، وعدم الاعتزاز بالدين والغيرة على حرمات رب العالمين دليل على أن فاعلَه والساكتَ عنه لم يرفع بهذا الدين رأساً ومن لم يرفع بهذا الدين رأساً أصبح تابعاً لكل كافر وطامع في بلاد المسلمين ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

د/ناصر بن يحيى الحنيني

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1865 مشاهدة
نشرت فى 22 يونيو 2015 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

944,376

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.