أكثر من ألفي بائع يتهافتون كل صباح على 'بورصة تقليدية'

في ساحة كبرى، تتحول كل صباح باكر، إلى ما يشبة "بورصة"، تجدهم يتدافعون، ويتسابقون، ويلهثون حتى المساء، فى سباق محموم وراء لقمة عيش.

سوق كبيرة وسط ميناء الدار البيضاء، يختلط فيه الباعة بالجملة والتقسيط بالزوار والعابرين من الراغبين في تصيد فرصة الحصول على سمك من جودة عالية، وبأقل الأثمان
في جانب منه، توجد مجموعة من خياطي شباك المراكب بالجر وشباك السردين، يجلسون تحت لهيب الشمس صيفا وتحت رحمة الأمطار شتاء.

وسيلتهم الوحيدة لحماية رؤوسهم قبعاتهم الملونة إنهم حفاة وشبه عراة، يحملون هم تجميع الأسماك، وسد الفجوات التي يمكن أن تنفلت منها، كما يحملون الأمل في تحسين الساحة التي يعملون بها، صونا لكرامتهم وحفاظا على سلامتهم الصحية.

من خلال زيارة ميدانية للسوق، لاحظنا أنها قبلة مهمة للتسويق، وأغلب الباعة من الأحياء الشعبية القريبة من الميناء، وبعضهم من الضواحي، رزقهم اليومي يأتي من عائدات بيع السمك.


حدثنا سعيد، أحد البائعين بالتقسيط، أن مابين 150 و180 درهما، تمكنهم من شراء صندوق سردين، يعيدون بيعه بالتقسيط بمبلغ يتراوح ما بين 5 و7 دراهم للكيلوغرام الواحد، مشيرا إلى أنه يتاجر في بيع أنواع "الكابايلا" و"السمطة" و"العقرب" والسردين و"الصول" و"الميرنا"، مؤكدا على جودتها وملائمة ثمنها.


ويبلغ عدد البائعين بالتقسيط حسب ما أفادنا به أزويت صالح، الكاتب العام لبحارة الصيد الساحلي بالميناء، حوالي 2000 شخص، منهم من يعرض سلعته للبيع داخل الميناء ومنهم من يبيعها في أسواق الأحياء التي ينتمون إليها.


ويلاحظ أن هؤلاء يتسببون في تلويث جنبات ساحة البيع نتيجة إهمالهم لمخلفات السمك من قشور ودماء وأحشاء، إلا أن فرقة من عمال النظافة الخواص العاملين بالميناء يتكلفون بتنظيف الساحة ووضع النفايات بحاوية كبرى، غير بعيد عن المكان الذي يبيع فيه بعض الأشخاص وجبات ساخنة من السردين "الشواية" والقمرون الممزوج بالبيض.

ومن خلال الزيارة الميدانية، تبين أن الباعة بالتقسيط يستعملون المياه الملوثة التي تطفو فوقها المراكب، ملوثة بالمواد السامة والمتعفنة، يضعون فيها السمك المعروض للبيع لتظل محتفظة بملوحتها.


ويبلغ عدد البحارة النشطون في المراكب الراسية في ميناء الدار البيضاء حوالي 10 آلاف شخص، يعملون في ظروف مهنية صعبة، إذ يحكي البحار حكيم المحترف في الميدان منذ ما يزيد على عشرين سنة، عن معاناته اليومية في تكبده مشاق كبيرة بحثا عن الأسماك في ليالي حالكة وبرد قارس.

يجابه وزملاؤه الأموا ج، يخاطرون بحياتهم ولا تهدأ رجفتهم إلا حين عودتهم إلى اليابسة

وبين حكيم أنه رغم ذلك فالبحارة لا يتلقون ما يستحقونه من تشجيعات مادية ومعنوية، مشيرا إلى أنه منذ أسبوعين "يجاهد" للحصول على مستحقاته المالية.

وتحدث حكيم عن قلقه من بلوغ درجة متقدمة في السن، ومعايشة تجربة زملاء له بلغوا الدرجة ذاتها، وعادوا إلى بيوتهم خاوي الوفاض، وكأنهم لم يعملوا يوما في حياتهم منهم من باع ما يملك من أثاث لضمان القوت اليومي، ومنهم من أصبح متسولا ومنهم من أضحى عبئا على أفراد عائلته، لتراجع مداخيله وتلقيه تعويضا مخجلا مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، لا يفي لنفقات شخص واحد في الأسرة.


وذكر أن البحارة مهما خاطروا بحياتهم، فإنهم لا يتلقون تعويضات توازي هذه المخاطرة، متحدثا بحسرة عن عديد من زملائه الذين وافتهم المنية فاضطروا إلى جمع مصاريف الدفن وعزاء العائلة، وهو ما يعرف في وسطهم بـ "دورة الصينية"، ليسارعوا بموازاة جثمان زميل عاش مخاطرا ومات مسكينا يحملون على أكتافهم نعشه إلى إحدى المقابر، وهم يفكرون في مصيرهم الذي لن يختلف عن فقيدهم.


الكاتب العام لبحارة الصيد الساحلي في الميناء، قال إن البحارة يتحملون المصاريف المادية لإجراء التحاليل والفحوصات الطبية التي يتطلبها ملفهم الصحي، يفتقدون لمستوصف خاص لتلقي العلاجات الطبية والاسعافات اللازمة حين تعرضهم لحادث شغل، مشيرا إلى وجود وحدة صحية واحدة خارج الميناء، لا تتوفر على أدوية وإن كانت تتوفر على طبيب وممرض.

هذا ولا يعرف الميناء سيارات إسعاف تنقل المرضى أو الجرحى من العاملين في مجال الصيد البحري، إلى جانب غياب رجال المطافئ لإنقاذ المراكب من الحرائق التي تنشب فيها في بعض الأحيان.


ويعتبر حراس المراكب المعروفون باسم "مول الخراص"، من المساهمين الأساسيين بالتضامن في عملية الصيد البحري في الميناء، إلى جانب قائد المركب "الرايس" و نائبه "الخليفة" والميكانيكي والبحار وحارس المراكب الصغرى "مول الفلوكة"، يعيشون وضعا قانونيا غامضا ومشاكل مادية كبيرة، إذ تحدث أحدهم أنهم لا يتوفرون سوى على جواز مرور، وهي الوثيقة الوحيدة التي تربطهم بإدارة الميناء ومالكي مراكب الصيد


وضع هؤلاء لا يختلف كثيرا عن وضع عمال نقل السمك في الميناء، يعانون التهميش ويشتغلون في ظروف صعبة، ومن المرتقب ترحيلهم إلى سوق الجملة بالقرب من سوق الأربعاء في الدارالبيضاء، موازاة مع إبعاد شاحنات بيع السمك بالجملة في إطارتنظيم الميناء، لإرتباط هؤلاء بالنقالة.

ويشار إلى أن عدد النقالة يصل إلى ما يزيد عن 100 شخص وأفاد أزويت صالح، الكاتب العام لبحارة الصيد الساحلي فرع السردين والجر، أن الميناء ساءت حالته العامة مباشرة بعد رحيل لجنة السوق الأوروبي التي منحت الميناء جائزة عن حسن سير العمل، مبينا أن كل الأشياء الإيجابية التي حضرت لاستقبال اللجنة اختفت، وعاد الميناء إلى الفوضى التي كان عليها في السابق، مبينا ان الحالة التقنية للمراكب أهملت، وملابس البحارة والنقالة وخياطي الشباك اختفت عن الأنظار، وصناديق وضع السمك مرمية ذات اليمين وذات الشمال، ونفايات تنبعث روائحها من جنبات الميناء، ومياه تسيل هنا وهناك محدثة تعفنا في المكان.


ودعا المسؤول السلطات المعنية إلى التحرك لتحسين سير العمل في الميناء، وظروف العاملين فيه للمساهمة في الاقتصاد الوطني بشكل جدي، فاعل واستحضار حسن النية.

MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

920,604