الجرائم المعلوماتية - دكتور / خالد ممدوح ابراهيم <!--?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /-->
مع بداية أنتشار شبكة الإنترنت لم يكن هناك قلق تجاه الجرائم التي يمكن أن تنتهك على الشبكة ، وذلك نظراً لمحدودية استخدامها حيث كانت قاصرة علي أغراض البحث العلمي فقط ، علاوة على كونها مقصورة على فئة معينة من المستخدمين وهم الباحثين والعلماء وطلبة الجامعات .
لكن مع بزوغ فجر الثورة المعلوماتية La revolution informatique ، وتوسع استخدام شبكة الإنترنت وبدء استخدامها في المعاملات التجارية ودخول جميع فئات المجتمع إلى قائمة المستخدمين بدأت تظهر جرائم على الشبكة ازدادت مع الوقت وتعددت صورها وأشكالها ، وهذه الجرائم تطلق عليها الدول "الجريمة الإلكترونية" ، أي تلك الأعمال التي تتم عن طريق الإنترنت ، وهي من أهم وأخطر التحديات التي تواجه المعاملات الإلكترونية .
مفهوم الجريمة المعلوماتية
تعتبر الجريمة المعلوماتية من الظواهر الحديثة وذلك لارتباطها بتكنولوجيا حديثة هي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والكمبيوتر ، وقد أحاطت بتعريف الجريمة المعلوماتية الكثير من الغموض حيث تعددت الجهود الرامية إلي وضع تعريف محدد جامع مانع لهما ، ولكن الفقه لم يتفق علي تعريف محدد ، بل أن البعض ذهب إلي ترجيح عدم وضع تعريف بحجة أن هذا النوع من الجرائم ما هو إلا جريمة تقليدية ترتكب بأسلوب إلكتروني .
فالجرائم المعلوماتية هي صنف جديد من الجرائم ، ذلك أنه مع ثورة المعلومات والاتصالات ظهر نوع جديد من المجرمين ، انتقل بالجريمة من صورها التقليدية إلى أخرى إلكترونية قد يصعب التعامل معها ، ففي بداية ظهور هذه الجرائم كانت هناك اشكالية تواجه المختصين في كيفية مكافحتها لأنها تتعلق بالبيانات والمعلومات ، أي الكيان المنطقي للحاسب الآلي .
فنتيجة التطور المستمر واللامتناهي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات حتي الآن حال ذلك دون وضع تعريف فقهي جامع وشامل لمفهوم الجريمة المعلوماتية أو الإلكترونية ، وما ورد من تعريفات في الفقه إنما اقتصر علي الناحية محل بحث الفقيه . ومما لا شك فيه أن عدم وضع تعريف للجريمة المعلوماتية يثير العديد من المشكلات العملية لعل أهمها ، صعوبة مواجهتها ، وتعذر إيجاد الحلول المناسبة لمكافحتها .
ونعرض فيما يلي لأهم أراء الفقه التي حاولت سد الفراغ التشريعي ووضع تعريف محدد للجريمة المعلوماتية علي النحو التالي .
أولاً : تعريف الجريمة المعلوماتية Information Crime
بذل الفقه جهوداً مضنية في محاولة لوضع تعريف محدد لماهية
الجريمة المعلوماتية فإنقسم الفقه بين اتجاهين الأول يضيق من مفهوم الجريمة المعلوماتية ، والأخر يوسع من مفهومها .
ومن التعريفات التي وضعها أنصار الاتجاه المضيق أن الجريمة المعلوماتية هي " كل فعل غير مشروع يكون العلم بتكنولوجيا الكمبيوتر بقدر كبير لازماً لارتكابه من ناحية وملاحقته من ناحية أخري " . كما عرفها هذا الأتجاه بأنها " هي التي تقع علي جهاز الكمبيوتر أو داخل نظامه فقط " . أو هي " نشاط غير مشروع موجه لنسخ أو تغيير أو حذف أو الوصول إلي المعلومات المخزنة داخل الكمبيوتر أو تلك التي يتم تحويلها عن طريقة " .
بينما عرف أصحاب الأتجاه الموسع الجريمة المعلوماتية بأنها " كل سلوك إجرامي يتم بمساعدة الكمبيوتر " . أو هي " كل جريمة تتم في محيط أجهزة الكمبيوتر " . أو هي " كل سلوك غير مشروع أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات أو بنقلها " .
وإذا كان مفاد هذه التعريفات أن الجريمة المعلوماتية هي كل نشاط إجرامي يؤدي فيه نظام الكمبيوتر دوراً لأتمامه علي أن يكون هذا الدور مؤثر في إرتكاب الجريمة ، ولا يختلف الأمر سواء أكان الكمبيوتر اداة لإتمام الفعل الإجرامي أم كان محلاً لها ، إلا أن البعض يذهب أنه عند وضع تعريف محدد للجريمة المعلوماتية يجب مراعاة عدة اعتبارات هامة وهي :
1- أن يكون هذا التعريف مقبول ومفهوم علي المستوي العالمي.
2- أن يراعي في وضع التعريف التطور السريع والمتلاحق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
3- أن يحدد التعريف الدور الذي يقوم به جهاز الكمبيوتر في لإتمام النشاط الإجرامي .
ثالثاً : تنوع التعبيرات الدالة علي ظاهرة الجريمة المعلوماتية
ثمة أختلاف كبير بشأن المصطلحات المستخدمة للدلالة على الظاهرة الجرمية الناشئة في بيئة الكمبيوتر والإنترنت ، وهو أختلاف رافق مسيرة نشأة وتطور ظاهرة الاجرام المرتبط بتقنية المعلومات والاتصالات .
فابتداءا من مصطلح اساءة استخدام الكمبيوتر Computer Abuse ، مروراً بمصطلاح الأحتيال بواسطة الكمبيوتر Computer Fraud ، والجريمة المعلوماتية Information Crime وجرائم الكمبيوتر Computer Crime ، والجريمة المرتبطة بالكمبيوتر Cpmputer Related Crimes وجرائم التقنية العالية ، الى جرائم الهاكرز Hacking ، أو الاختراقات فجرائم الانترنت ، وأخيراً السيبر كرايم Cyber Crime .
ولأختيار المصطلح يتعين أن يتم الدمج بين البعدين التقني والقانوني ، فإذا عدنا للحقيقة الأولى المتصلة بنشأة وتطور تقنية المعلومات ، نجد أن تقنية المعلومات ، تشمل فرعين جرى بحكم التطور تقاربهما وأندماجهما ، الحوسبة والاتصال ، أما الحوسبة ، فتقوم على استخدام وسائل التقنية لادارة وتنظيم ومعالجة البيانات في اطار تنفيذ مهام محددة تتصل بعلمي الحساب والمنطق . اما الاتصال ، فهو قائم على وسائل تقنية لنقل المعلومات بجميع دلالاتها الدارجة .
وهناك تعبيرات شاعت مع بدايات ظاهرة الجريمة المعلوماتية ، وأتسع استخدامها حتى عند الفقهاء ، كالغش المعلوماتي ، والاحتيال المعلوماتي أو احتيال الحاسوب ، ونصب الحاسوب .
ومن بين الاصطلاحات التي شاعت في العديد من الدراسات وتعود الآن الى واجهة التقارير الاعلامية ، اصطلاح الجرائم الاقتصادية المرتبطة بالكمبيوتر Computer-Related Economic Crime ، وهو تعبير يتعلق بالجرائم التي تستهدف معلومات قطاعات الاعمال او تلك التي تستهدف السرية وسلامة المحتوى وتوفر المعلومات وبالتالي يخرج من نطاقها الجرائم التي تستهدف البيانات الشخصية او الحقوق المعنوية على المصنفات الرقمية وكذلك جرائم المحتوى الضار أو غير المشروع ، ولذلك لا يعبر عن كافة انماط جرائم الكمبيوتر والإنترنت .
أما عن اصطلاحي جرائم الكمبيوتر computer crimes والجرائم المرتبطة بالكمبيوتر Computer-related crimes ، فان التمييز بينهما لم يكن متيسرا في بداية الظاهرة ، أما في ظل تطور الظاهرة ومحاولة الفقهاء تحديد انماط جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، أصبح البعض يستخدم أصطلاح جرائم الكمبيوتر للدلالة على الأفعال التي يكون الكمبيوتر فيها هدفا للجريمة ، كالدخول غير المصرح به ، واتلاف البيانات المخزنة في النظم ونحو ذلك ، أما اصطلاح الجرائم المرتبطة بالكمبيوتر فهي تلك الجرائم التي يكون الكمبيوتر فيها وسيلة لارتكاب الجريمة كالاحتيال بواسطة الكمبيوتر والتزوير ونحوهما .
غير ان هذا الاستخدام ليس قاعدة ولا هو استخدام شائع ، لكن مع ذلك بقي هذين الاصطلاحين الاكثر دقة للدلالة على هذه الظاهرة ، بالرغم من أنهما ولدا قبل ولادة الشبكات على نطاق واسع وقبل الإنترنت تحديدا ، وحتى بعد الإنترنت بقي الكثير يستخدم نفس الاصطلاحين ليس لسبب إلا لكون الإنترنت بالنسبة للمفهوم الشامل لنظام المعلومات مكون من مكونات هذا النظام ، ولأن النظام من جديد أصبح يعبر عنه باصطلاح نظام الكمبيوتر أو النظام المعلوماتي .
ولهذا أصبح البعض أما أن يضيف تعبير الإنترنت إلى تعبير الكمبيوتر لمنع الإرباك لدى المتلقي فيستخدم مصطلح جرائم الكمبيوتر والإنترنت كي يدرك المتلقي ان كافة الجرائم التي تقع على المعلومات متضمنة في التعبير ، بمعنى أنها تشمل جرائم الكمبيوتر بصورها السابقة على ولادة شبكات المعلومات العملاقة التي تجسد الإنترنت اكثرها شعبية وشيوعا ، أو أن يستخدم اصطلاح " السيبر كرايم "Cyber crime كما حدث في النطاق الأوروبي عموماً وأنتشر خارجه ، حيث اعتبر هذا الاصطلاح شاملاً لجرائم الكمبيوتر وجرائم الشبكات ، باعتبار ان كلمة سايبر Cyber تستخدم لدى الغالبية بمعنى شبكة الإنترنت ذاتها أو العالم الافتراضي .
وقد ذهب البعض إلي استخدم اصطلاح جرائم المعلوماتية في وصف الظاهرة الاجرامية المستحدثة وتبعا لذلك أطلق تعبير جرائم المعلوماتية ، أو الاجرام المعلوماتي.
رابعاً : محل الجريمة المعلوماتية ومخاطرها
تعتبر الجرائم المعلوماتية من طائفة الجرائم المنصبة على المعلومات بمفهومها الواسع ، والتي تشمل البيانات والمعلومات والكيانات المنطقية كالبرامج التطبيقية وبرامج تشغيل ، وبمعني أخر فإن محل الجريمة المعلوماتية يتمثل في النظام المعلوماتي ومكوناته .
مفاد ذلك أن محل الجرائم المعلوماتية فهي المعلومات ، التي هي في الحقيقة موضوع الجريمة ومحل الاعتداء ، فهي أنماط السلوك الاجرامي التي تطال المعلومات المخزنة أو المعالجة في نظام الكمبيوتر والمتبادلة عبر شبكات الاتصال .
وبناء عليه فإن محل الجريمة المعلوماتية معطيات الكمبيوتر ، أي البيانات والمعلومات والبرامج بكل أنواعها ، سواء المدخلة أوالمعالجة أو المخزنة داخل الجهاز ، وتستهدف هذه الجرائم الحق في المعلومات ، ويمتد تعبير الحق في المعلومات ليشمل الحق في انسيابها وتدفقها والحق في المعلومات بذاتها ، أو بما تمثله من أموال أو أصول أو اسرار أو بيانات شخصية .
ويقصد بالمعلومات في مجال الجرائم المعلوماتية ، المعلومات بمفهومها الواسع كالبيانات ومعلومات البرامج التطبيقية وخاصة برامج التشغيل ، وتعتبر الجرائم الواقعة على المكوّنات المادية للحاسوب تدخل ضمن نطاق الجرائم التقليدية لأنها تستهدف المال لأن مكوّنات الحاسوب المادية تدخل ضمن حيّز الأموال المنقولة التي محلاً للإعتداء عليها بالجرائم الموصوفة بوقوعها على المال، وبجرائم الإتلاف والتخريب .
أما فيما يتعلق بمخاطر الجريمة المعلوماتية ، فإن الأضرار التي تصيب النظام المعلوماتي ، بصفة عامة ، وتؤدي إلي تدمير النظام بصفة كلية أو جزئية قد تكون طبيعية أو من فعل الأنسان ، ومن الأضرار الطبيعية الحريق والفيضان والكوارث الطبيعية ، أما الأضرار الناشئة عن فعل الأنسان ، وهي محل بحثنا ، حيث يكون النظام المعلوماتي مستهدفاً بغرض تدميره أو تعطيله أو جعله غير صالح للأستعمال مؤقتاً .
وتتمثل مخاطر المعلوماتية Risuqes des informetidue في نوعين من المخاطر ، أحدهما مخاطر عمدية والأخري غير عمدية . وتتمثل المخاطر العارضة أو الغير عمدية في ، الأضرار الناشئة عن العوامل الطبيعية مثل الحرية أو خلل كهربي وتؤدي إلي الأتلاف الجزئي أو الكلي للمعدات المعلوماتية والدعائم التي تختزن المعلومات ، أو تعطيل المعدات والكيانات المنطقية حتى لو كانت لفترة زمنية قصيرة وكذلك الأخطاء الخاصة بنقل واستعمال المعلومات وهو أمر وارد طالم أن الأنسان يتدخل في عملية معالجة المعلومات ، وأخطاء التشغيل ، وأخطاء التصميم والتنفيذ .
أما المخاطر المعلوماتية العمدية فهي تتعدد وتتنوع من سرقة إلي إتلاف المعدات المادية ، وغش واختلاس أموال وكيانات منطقية ومعلومات وغيرها ، ولا شك أن تلك المخاطر سوف تؤدي إلي حدوث كثير من الأضرار والتي ستؤثر بشكل سلبي علي الحكومة ومؤسسات الأعمال ومعاملات الأفراد وتؤدي إلي خلق جرائم جديدة وبصفة خاصة في مجالات التوقيع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية والبريد الإلكتروني وهو ما يبرر وجوب التدخل التشريعي بسن قانون خاص الجريمة المعلوماتية .
للتواصل مع المؤلف:
ساحة النقاش