دكتور خالد ممدوح

دراسات قانونية في عصر الذكاء الاصطناعي وتقنية الميتافيرس

الشكلية في عقود الإنترنت والتجارة الالكترونية<!--?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /-->

                                           دكتور / خالد ممدوح ابراهيم

 

- الشكلية الإلكترونية :

      الأصل هو حرية أطراف التعاقد في اختيار شكل التعبير عن إرادتهم . أي أن الأصل في العقود هو الرضائية ، لذلك فإن وجود إرادتين متطابقتين ، أي إيجاب معين وقبول مطابق له عن تراض صحيح يكفي لانعقاد العقود بصفة عامة ، وينطبق ذلك بطبيعة الحال على العقد الإلكتروني .  

     غير أن القانون قد يتطلب إفراغ التراضي في شكل محدد ، كأن يشترط أن يكون العقد مكتوب ، فقد تكون الكتابة مطلوبة ليس لإثبات العقد وإنما لإبرامه وانعقاده صحيحاً بحيث لا يكون للعقد وجود قانوني إلا إذا تم في الشكل الكتابي الذي اشترطه القانون وعندئذ يكون العقد شكلياً وتكون الكتابة عنصراً جوهرياً في العقد لا يقوم بدونها.

      وقد يتطلب القانون الشهر لضمان فعالية التصرف القانوني ولكي يرتب كل آثاره أو بعضها ، وعندئذ تكون الشكلية متطلبة للانعقاد ، مثال ذلك عقد الشركة وعقد المرتب مدي الحياة وعقد الزواج والوصية . كما قد يتطلب المشرع ، وبغرض حماية القصر ، ضرورة الحصول على إذن مسبق من المحكمة قبل قيام الولي بالتبرع من مال القاصر إلا لأداء واجب إنساني أو عائلي .    

        ومن ثم تنقسم صور الشكلية إلى شكلية مباشرة ، ويقصد بها الشكلية المتطلبة للانعقاد ، وهي تلك الأوضاع التي يتطلبها القانون لإبرام التصرف استثناء من قاعدة كفاية التراضي لإنشاء العقد ، وشكلية غير مباشرة ، وهي تلك التي لم يتطلبها القانون لانعقاد العقد وإنما تطلبها لغير ذلك كإثباته أو نفاذه وسريانه .

      ومن أهم مظاهر الشكلية : الرسمية المطلوبة لإبرام بعض العقود ، مثل عقد هبة العقار وعقد الرهن الرسمي ، والرسمية هنا ركن في العقد لا تقوم له قائمة بدونها ، وكذلك الحال في عقد الزواج فقد اشترط المشرع في وثيقة الزواج الرسمية اختصاص المأذون دون غيره بها وإشهادات الطلاق ، والرجعة ، والتصادق على ذلك بالنسبة للمسلمين من المصريين ، عندئذ يكون التراضي غير كاف لانعقاد العقد وترتيب آثاره.

      ومما سبق يتبين لنا أن كتابة العقد أو تسجيله في السجلات الرسمية تُعد ركناً شكلياً لا ينعقد العقد إلا باستيفائه ، وهو ما يثير التساؤل حول مدي إمكان استيفاء هذه الشكلية بنفس الطريقة التي يبرم بها العقد الإلكتروني ، أي استيفاؤها بدعائم ومحررات إلكترونية .

     في فرنسا ، وبعد صدور القانون رقم 230-2000 بشأن تطوير قانون الإثبات والمتعلق بالتوقيع الإلكتروني ، ذهب البعض إلى أن الشكلية التي يتطلبها القانون لانعقاد العقد أو التصرف سواء بالكتابة أو التوقيع لا يمكن أن يستغني عنها بالكتابة الإلكترونية أو التوقيع الإلكتروني ، وأن التعديل الفرنسي لنص المادة 1316/1 ممن القانون المدني تتحدث عن الكتابة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني كوسيلة للإثبات فحسب ، ولم يكن القصد منه التضحية بالشكلية في الأحوال التي يوجبها القانون لانعقاد التصرف أو العقد.

      بينما يذهب البعض الآخر إلى أن الكتابة في صورتها الحديثة ، أي الكتابة الإلكترونية ، لم تعد قاصرة على الكتابة كوسيلة أو أداة للإثبات écrit probationem ، بل يتسع نطاقها بحيث تشمل الكتابة كركن في التصرف أو شرط لصحته écrit advaliditatem ، وذلك بالنظر إلى عمومية نص المادة 1316 مدني فرنسي ، فالنص واضح فيما تضمنه من تعريف للكتابة ، ولذلك يجب إعطاءه معناه كاملاً دون تخصيص ، خاصة ، وأن التوجيه الأوربي رقم 31/2000 بشأن التجارة الإلكترونية حظر على الدول الأعضاء وضع أي عراقيل أو عقبات أمام الاعتراف بالعقود الإلكترونية وحثهم على العمل على تطوير تشريعاتها لإقرار المعاملات الإلكترونية ، ولا شك أن عدم منح الكتابة الإلكترونية قوة ترتيب كافة الآثار القانونية ، يكون مخالفاً لمقتضيات الجماعة الأوربية .

      أما المشرع المصري فقد واجه هذه المسألة  في قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنه 2004 ، بأن قرر مبدأ عام مفاده أن الكتابة المطلوبة باعتبارها ركناً في العقد تتحقق مع الكتابة الإلكترونية ، وذلك بنصه في المادة (15) من هذا القانون على الآتي " للكتابة الإلكترونية وللمحررات الإلكترونية ، في نطاق المعاملات المدنية التجارية والإدارية ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية التجارية ، متي استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقاً للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون ".

      (ب) التصرفات المستبعدة من الخضوع لقواعد العقود الإلكترونية :

      ولتفادي إجراءات الشكلية والرسمية في العقود فإن هناك من القوانين الوطنية المختلفة من استبعدت تطبيق القواعد الخاصة بالعقود الإلكترونية علي بعض التصرفات القانونية الهامة وفضلت إبرامها في الشكل التقليدي دون الشكل الإلكتروني ، باعتبار أن هذه الأمور ليست متعلقة بالنشاط التجاري وليس لها علاقة بالمعاملات التجارية الإلكترونية ، وإنما هي فقط مجرد تصرفات مدنية أو شخصية بحتة ، كالزواج والهبة والوصية ، أو لكونها تصرفات لها أهميتها وخطورتها ، مثال ذلك رهن السفينة ، وتسجيل العقار ، والحقوق العينية الواردة على العقار بصفة عامة ، وأحكام وقرارات المحاكم وأوراق ومستندات التقاضي .

      ونظراً لأهمية وخطورة مثل هذه التصرفات فقد رأي مشرعو بعض الدول عدم جواز استخدام قواعد البيانات أو التوثيق الإلكتروني بشأنها ، ومن هذه القوانين ، القانون الأمريكي، والكندي ، وقانون ايرلندا الشمالية ، والصين ، وإمارة دبي ، والأردن .

      فقد استبعد القانون الأمريكي الموحد للتجارة الإلكترونية بعض التصرفات والأعمال القانونية كمسائل قانون الأسرة مثل الزواج والطلاق والوصايا والتبني ، وأيضاً لا تنطبق أحكام هذا القانون على قرارات وأوامر المحاكم وأوراق ومستندات التقاضي .

      كما حدد القانون الفيدرالي الأمريكي بشأن التوقيع الإلكتروني لسنه 2000 الإستثناءات التي لا ينطبق عليها هذا القانون ، وهو إنشاء الوصية أو تنفيذها وقوانين الميراث والتشريعات الخاصة بالتبني ، والطلاق ، والحالة الاجتماعية ، وأوراق المحاكم واتفاقات الائتمان ، والأوراق الخاصة بالتامين الصحي ، وأوراق اليانصيب .

     وقد نص قانون ايرلندا للتجارة الإلكترونية بعدم تطبيق نص هذا القانون على الوصية أو ملحق الوصية ، وعقود الأمانة ، وحقوق الملكية العقارية أو تسجيلها .

       وقد نص قانون الصين للتجارة الإلكترونية علي أنه يستبعد من تطبيق هذا القانون إنشاء أو تنفيذ أو إلغاء الوصية ، وإنشاء عقد ائتمان أو تغييره أو إلغاؤه والتصرفات العقارية الخاصة بنقل الملكية ، أو تقرير رهن أو امتياز عليها ، والقرارات والأوامر الرسمية الصادرة من المحاكم ، والإعلانات القانونية ، والسندات المالية القابلة للتداول .

      وقد قرر قانون دبي للمعاملات والتجارة الإلكترونية على ، أنه يستثني من أحكام هذا القانون عدة أمور مثل ، المسائل والمعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية كعقود الزواج وإشهارات الطلاق والوصايا ، وكذلك سندات ملكية العقارات سواء كانت عقارات بطبيعتها أو عقارات بالتخصيص أو تسجيل أي حقوق تتعلق بهذه العقارات وهو ما يعني أنه لا يجوز مثلاً تسجيل حق ارتفاق ، أو رهن رسمي ، أو حيازي بطريقة إلكترونية ، وأيضاً السندات والأوراق المالية القابلة للتداول مثل الأسهم وأذون الخزانة ، أو أي مستند يتطلب القانون  تصديقه أمام موظف الدولة المختص مثال ذلك التوكيل العام والخاص .

      كما نص القانون الأردني للمعاملات الإلكترونية على أنه لا تسري أحكام هذا القانون على العقود والمستندات والوثائق المتعلقة بإنشاء الوصية وتعديلها وإنشاء الوقف  والمعاملات المتعلقة بالعقارات وسندات ملكيتها وإنشاء الحقوق العينية عليها ، والوكالات والمعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية ، وعقود بعض الخدمات العامة مثل عقود المياه والكهرباء والدعاوى القضائية وإعلانات الدعاوى والمرافعات وقرارات المحاكم وكذلك الأوراق المالية كالسندات والأسهم التي يتم تداولها في البورصات المالية.

      أما التوجيه الأوربي الصادر في 8 يونيه 2000 فقد قرر أنه لا ينطبق هذا التوجيه على العقود المنشئة أو الناقلة لحقوق الملكية العقارية فيما عدا حقوق الإيجار والعقود التي تتطلب تدخلاً من المحاكم والسلطة العامة وعقود الكفالة والعقود التي يحكمها قانون الأسرة أو قانون الميراث مثل عقود الوصية والهبة والزواج وإشهار الطلاق والتبني .

      وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة المنعقدة بمدينه جدة في الفترة من 17-23 /8/1410 هجرياً الموافق 14-20 /3/1990 صحة إجراء العقود التي تبرم عن طريق الإنترنت ، وانتهي إلى جواز التعاقد الإلكتروني وأصدر بذلك القرار رقم 54/3/26 ، إلا أن هذا القرار قد نص على أن هناك عقود ثلاثة مستثناة من صحة التعاقد الإلكتروني ، ولا تنطبق عليها تلك القواعد ، ويجب إبرامها وفق الشكل التقليدي ، وهذه العقود هي عقد الزواج لاشتراط الشهادة ، وعقد الصرف لاشتراط التقايض ، وعقد السلم لاشتراط تعجيل رأس المال. 

      ويتضح من ذلك أن بعض مشرعي الدول أوردت بعض الاستثناءات التي لا تكفي معها المحررات والسجلات الإلكترونية لتحقيق واستيفاء الشكلية المطلوبة قانوناً .

      ونري أن تلك الاستثناءات لا مبرر لها إذ أن الشكلية الإلكترونية أمر أقرته غالبية التشريعات الحديثة بشأن العقود والمعاملات الإلكترونية ، ومن ثم فإن إبرام العقود الإلكترونية لا يقتصر على نوع معين من العقود ، بل يجوز إبرام كافة أنواع العقود إلكترونياً ولو كانت عقوداً شكلية ، لا سيما وقد ظهرت مهنة جديدة في مجال المعاملات الإلكترونية ، وهي مهنة الموثق الإلكترونيnotaire-électronique ، وهو عبارة عن وسيط محايد ومستقل وموثوق فيه ، وقد يكون هذا الوسيط شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً ، وتتركز الوظائف الأساسية للموثق الإلكتروني في إثبات مضمون المستندات والعقود الإلكترونية وتوثيقها .

      ويلاحظ أن التوجيه الأوربي رقم 93 لسنه 1999 قد قرر ذلك ووضع مسمي أعم لهذه الوظيفة هو مقدم خدمة التوثيق provider Certification service ، الذي يقوم باعتماد التوقيع الإلكتروني وارتباطه بالمستندات التي يرد عليها .

      ويلاحظ على هذه المهنة أنها تتشابه لدرجة كبيرة في بعض وظائفها مع مهنة الموثق المعروفة في فرنسا والشهر العقاري في مصر ، على اعتبار أن كلا منهما يعد شاهداً محايداً ومستقلاً عن العقد المبرم بين الأطراف ، إلا أنهما يختلفان في أن الموثق الإلكتروني لا يعد موظفاًً عاماً ، في حين أن الموثق العادي هو موظف عام طبقاً لقانون السلطة العامة .

      ولذلك نري تعديل القوانين واللوائح ذات الصلة بالشهر والتوثيق ، وذلك بتطوير مصلحة الشهر العقاري والتوثيق - باعتبارها جهة حكومية تتسم بالحيدة والنزاهة - بما يتفق ووظيفة الموثق الإلكتروني ، لتصبح هي الجهة المؤتمنة على حفظ وتسجيل الوثائق والمحررات والسجلات الإلكترونية .

للتواصل مع المؤلف الدكتور خالد ممدوح

البريد الالكتروني: [email protected]

المصدر: د. خالد ممدوح ابراهيم ، ابرام العقد الالكتروني، در الفكر الجامعي، 2007.
  • Currently 71/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
24 تصويتات / 2687 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

101,671