خصائص العقد الإلكتروني - دكتور/ خالد ممدوح
يطلق العقد في اللغة العربية على عدة معان ترجع في مجملها إلى معني الربط الذي هو نقيض الحل ، ومن بينها الربط والشد والتوثيق ، ولم يعرف المشرع المصري العقد قصداً إلى تجنب التعريفات الفقهية ، أما مجلة الأحكام العدلية فقد عرفته في المادة (103) بأنه " التزام المتعاقدين أمراً وتعهدهما به ، وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول".
من المقرر أن العقد ، بصفة عامة ، يتمثل في تلاقى أرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين ، وأن العقد شريعة المتعاقدين وهو ما يعرف في علم القانون في الدول الأنجلو أمريكية The Law of The Contract ، وأن العقد من حيث تكوينه إما أن يكون رضائياً أو شكلياً أو عينياً ، وهو من حيث الأثر إما أن يكون ملزماً للجانبين أو ملزماً لجانب واحد ، وإما أن يكون عقد معاوضة أو عقد تبرع ، وهو من حيث الطبيعة إما أن يكون عقداً فورياً أو عقداً مستمراً ، وإما أن يكون عقداً محدداً أو عقداً احتمالياً .
إن العقد الإلكتروني ، في الواقع ، لا يخرج في بنائه وتركيبة وأنواعه ومضمونه عن هذا السياق ، ومن ثم فهو يخضع في تنظيمه للأحكام الواردة في النظرية العامة للعقد ، وهو من العقود غير المسماة حيث لم يضع المشرع تنظيماً خاصاً له .
وينبغي أن نشير بداءة إلى أن بحث ماهية العقد الإلكتروني لن يكون من خلال التعرض للشروط العامة التي يتطلبها القانون في التعبير عن الإرادة العقدية ، وإنما من خلال التعرض لمدي خصوصية ذلك الوليد الجديد في الأسرة العقدية ، ومدي تأثير الطابع الإلكتروني عليه .
(أ) المقصود بالعقد الإلكتروني :
ولما كان العقد الإلكتروني من طائفة العقود عن بعد ، فقد عرفت المادة الثانية من التوجيه الأوربي الصادر في 20 مايو 1997 ، والمتعلق بحماية المستهلك في العقود المبرمة عن بعد ، المقصود بالتعاقد عن بعد Remote Contract بأنه" أي عقد متعلق بالسلع والخدمات يتم بين مورد ومستهلك من خلال الإطار التنظيمي الخاص بالبيع عن بعد أو تقديم الخدمات التي ينظمها المورد ، والذي يتم باستخدام واحدة أو أكثر من وسائل الاتصال الإلكترونية Remote Communication ، حتى إتمام التعاقد " .
ولما كان العقد الإلكتروني يتم بواسطة الاتصالات الإلكترونية عن بعد ، فقد عرفها هذا التوجيه بأنها " أية وسيلة تستخدم في التعاقد ما بين المورد والمستهلك بدون التواجد المادي والمتزامن لهما وذلك حتى إتمام التعاقد بين الأطراف ".
أما المشرع الكندي فقد عرف ، في القانون الخاص بولاية كيبك Quebec لحماية المستهلك بالقسم 20 منه ، التعاقد عن بعد بأنه " تعاقد بين تاجر ومستهلك بدون تواجد مادي بينهما سواء في حالة الإيجاب أو القبول حال كون الإيجاب غير موجه لمستهلك معين .
كما عرف جانب من الفقه الأمريكي العقد الإلكتروني بأنه " هو ذلك العقد الذي ينطوي على تبادل للرسائل بين البائع والمشترى والتي تكون قائمة على صيغ معدة سلفاً ومعالجة إلكترونياً ، وتنشئ التزامات تعاقدية " .
ويذهب بعض الفقه إلى تعريف العقد الإلكتروني بأنه " اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول علي شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية ، وبفضل التفاعل بين الموجب والقابل " ، وهذا التعريف – في رأينا – هو تعريف ناقص حيث أنه لم يبين النتيجة المترتبة على التقاء الإيجاب بالقبول ، وهى إحداث أثر قانوني وإنشاء التزامات تعاقدية .
ولما كان العقد الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت يتميز بأنه يتم ، في الغالب ، على المستوي الدولي ، فقد ذهب البعض إلى تعريف عقد التجارة الإلكتروني الدولي بأنه " هو العقد الذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في دول أخرى وذلك من خلال الوسائط التكنولوجية المتعددة ، ومنها شبكة المعلومات الدولية الإنترنت ، بهدف إتمام العقد " .
ومما سبق يمكن أن نعرف العقد الإلكتروني بأنه " العقد الذي يتلاقي فيه الإيجاب بالقبول عبر شبكة اتصالات دولية باستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات ، وبقصد إنشاء التزامات تعاقدية ". فالعقد الإلكتروني إذن ، هو التقاء إيجاب صادر من الموجب بشأن عرض مطروح بطريقة إلكترونية ، سمعية أو مرئية أو كليهما على شبكة للاتصالات والمعلومات ، بقبول مطابق له صادر من الطرف القابل بذات الطرق بهدف تحقيق عملية أو صفقة معينة يرغب الطرفان في إنجازها .
(ب) خصائص العقد الإلكتروني :
يتضح مما سبق أن العقد الإلكتروني يتميز بعدة سمات تميزه عن العقود التقليدية وتتمثل فيما يلي :
1- يتم إبرام العقد الإلكتروني بدون التواجد المادي لأطرافه ، فالسمة الأساسية للتعاقد الإلكتروني أنه يتم بين عاقدين لا يجمعهما مجلس عقد حقيقي حيث يتم التعاقد عن بعد بوسائل اتصال تكنولوجية ، ولذلك فهو ينتمي إلى طائفة العقود عن بعد ، حيث يتم تبادل الإيجاب والقبول الإلكتروني عبر الإنترنت فيجمعهم بذلك مجلس عقد حكمي افتراضي ، ولذلك فهو عقد فوري متعاصر ، وقد يكون العقد الإلكتروني غير متعاصر أي أن الإيجاب غير معاصر للقبول ، وهذا التعاصر هو نتيجة صفة التفاعلية فيما بين أطراف العقد .
ويشترك العقد الإلكتروني في صفة الإبرام عن بعد مع بعض العقود مثل التعاقد بالمينتل Minitel ، أو بالتليفزيون ، أو بالتليفون ، أو بالمراسلة كإرسال كتالوج ، ولكنه يتميز عن تلك العقود بتلاقي الأطراف بصورة مسموعة مرئية عبر الإنترنت ، ويسمح بالتفاعل بينهم .
2- يتم استخدام الوسائط الإلكترونية في إبرام التعاقد ، ويعد ذلك من أهم مظاهر الخصوصية في العقد الإلكتروني ، بل إنها أساس هذا العقد حيث يتم إبرامه عبر شبكة اتصالات إلكترونية ، فالعقد الإلكتروني لا يختلف من حيث الموضوع أو الأطراف عن سائر العقود التقليدية ولكنه يختلف فقط من حيث طريقة إبرامه وكونه يتم باستخدام وسائط إلكترونية
وتلك الوسائط هي التي دفعت إلى اختفاء الكتابة التقليدية التي تقوم على الدعائم الورقية لتحل محلها الكتابة الإلكترونية التي تقوم على دعائم إلكترونية .
وتجدر الإشارة إلى أن اصطلاح شبكة الاتصالات الإلكترونية يأخذ مفهوماً واسعاً في مجال التعاقد الإلكتروني ، فهو ينطبق على كل نوع من أنواع الاتصالات التي يتم التعبير فيها عن الإيجاب بطريق الصورة أو الصوت أو الإشارة الدالة على محتواها ، وينطبق ذلك على الاتصالات التي تجري بالوسائل السلكية ، كما يشمل أجهزة الاتصالات التي تعمل بالموجات الهيرتزية une communication hertzienne ، كما ينطبق كذلك على عروض الإيجاب التي تنقل عبر الأقمار الصناعية .
3- يتصف العقد الإلكتروني غالباً بالطابع التجاري والاستهلاكي ، لذلك يطلق عليه عقد التجارة الإلكترونية ، وقد جاءت تلك الصفة من السمة الغالبة لذلك العقد حيث أن عقود البيع الإلكترونية تستحوذ على الجانب الأعظم من مجمل العقود ، ويترتب على ذلك أن العقد الإلكتروني يتسم بطابع الاستهلاك لأنه غالباً ما يتم بين تاجر أو مهني ومستهلك ، ومن ثم فإنه يعتبر ، في الغالب ، من قبيل عقود الاستهلاك .
ولذلك يخضع العقد الإلكتروني ، عادة ، للقواعد الخاصة بحماية المستهلك ، على نحو ما جاء بالتوجيه الأوربي بِشأن حماية المستهلك رقم 7/97 وكذا قانون الاستهلاك الفرنسي ، والتي تفرض على التاجر المهني ، باعتباره الطرف القوي في التعاقد ، العديد من الواجبات والالتزامات القانونية تجاه المستهلك ، باعتباره الطرف الضعيف في العقد ، ومن أهم هذه الالتزامات ، الالتزام العام بالإعلام ، ويستفاد ذلك من نص المادة 113/3 من قانون الاستهلاك الذي أوجب على كل شخص محترف أن يُحيط المستهلك علماً بكافة البيانات والمعلومات المتعلقة بسعر البيع وبكافة الشروط المحددة أو المعفية من المسئولية . فأول ما يهم المستهلك معرفته ، في التعاقد الإلكتروني ، لكونه يتم عن بعد ولا تكون السلعة تحت يده كما في التعاقد التقليدي ، هو البيانات والمعلومات التي تتصل بالخصائص الأساسية والسمات الجوهرية للمنتج الذي يسعى إلى الحصول عليه .
4- العقد الإلكتروني يتسم غالباً بالطابع دولي ، ذلك لأن الطابع العالمي لشبكة الإنترنت وما يرتبه من جعل معظم دول العالم في حالة اتصال دائم على الخط On line ، يُسهل العقد بين طرف في دولة والطرف الآخر في دولة أخرى . ويثير الطابع الدولي للعقد الإلكتروني العديد من المسائل ، كمسألة بيان مدي أهلية المتعاقد للتعاقد وكيفية التحقق من شخصية المتعاقد الأخر ومعرفة حقيقة المركز المالي له ، وتحديد المحكمة المختصة وكذلك القانون الواجب التطبيق على منازعات إبرام العقد الإلكتروني.
5- من حيث الوفاء ، فقد حلت وسائل الدفع الإلكترونية Electronic Payment System ، في التعاقد الإلكتروني محل النقود العادية ، ذلك أنه مع تطور التكنولوجيا وازدياد التعامل بأسلوب التجارة الإلكترونية ظهرت تلك الوسائل كأسلوب مبتكر لسداد المدفوعات في مثل هذه المعاملات .
وتتضمن وسائل الدفع الإلكترونية المستخدمة في التجارة الإلكترونية عدة وسائل منها البطاقات البنكية ، والأوراق التجارية الإلكترونية، والنقود الإلكترونية Electronic Money ، والتي تتمثل في نوعين هما ، النقود الرقمية Digital Money ، والمحفظة الإلكترونية Electronic Wallet ، بالإضافة إلى الوسائط الإلكترونية الجديدة التي ظهرت حديثاً مثل الذهب الإلكتروني E-gold ، والشيك الإلكتروني Electronic Check ، وتتم عملية تحويل الأموال إلكترونياً Electronic Fund Transfer (EFT) بين أطراف العقد الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بواسطة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوكSWIFT ، أو عن طريق شبكة الاتصال بين البنوك والتي تسمي مشروع بوليرو Bolero Project .
ونتيجة ظهور طرق الدفع الإلكترونية ، ظهرت مجموعة من الخدمات البنكية الإلكترونية ، مثل خدمات التوكيل الإلكتروني Factoring ، وخدمة الصراف الآلي ATM Automated Teller Machine ، وخدمة نقاط البيع Point of Sale ، والتي يرمز لها بالرمزPOS ، وخدمة الحصول على الأعمال البنكية من المنزل أو المكتب Home&office
Banking ، والتي يمكن الحصول عليها عن طريق الهاتف الذكي المزود بشاشة Smart Phone ، وخدمات المقاصة الإلكترونية Automated Clearing House .
6- من حيث الإثبات ، فالدعامة الورقية هي التي تجسد الوجود المادي للعقد التقليدي ، ولا تعد الكتابة دليلاً كاملاً للإثبات ، إلا إذا كانت موقعة بالتوقيع اليدوي ، أما العقد الإلكتروني فيتم إثباته عبر المستند الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني ، فالمستند الإلكتروني يتبلور فيه حقوق طرفي التعاقد ، فهو المرجع للوقوف على ما أتفق عليه الطرفان وتحديد التزاماتهما القانونية ، والتوقيع الإلكتروني هو الذي يضفي حجية على هذا المستند .
7- تنفيذ العقد الإلكتروني ، يتميز العقد الإلكتروني عن العقد التقليدي بأنه يمكن أن يبرم وينفذ عبر الإنترنت دون حاجة إلى الوجود المادي الخارجي ، إذ بفضل شبكة الإنترنت أصبح هناك إمكانية تسليم بعض المنتجات إلكترونياً أي التسليم المعنوي للمنتجات ، مثل برامج الحاسب ، التسجيلات الموسيقية ، الكتب ، إلى جانب بعض الخدمات مثل الاستشارات الطبية ، حيث العميل يقوم بنسخ البرنامج Software من على شبكة الإنترنت عن طريق الإنزال Download .
8 – العقد الإلكتروني عقد مقترن بحق العدول right to repent ، إذ أنه من المقرر، وفقاً للقواعد العامة وبموجب القوة الملزمة للعقد ، أن أيا من طرفي التعاقد لا يستطيع أن يرجع عنه ، فمتي تم التقاء الإيجاب بالقبول أبرم العقد ، ولكن نظراً لأن المستهلك في العقد الإلكتروني ليس لديه الإمكانية الفعلية لمعاينة السلعة والإلمام بخصائص الخدمة قبل إبرام العقد ، لأن التعاقد يتم عن بعد ، فإنه يجب أن يتمتع بحق العدول .
للتواصل مع المؤلف- دكتور خالد ممدوح
البريد الإلكتروني: [email protected]
ساحة النقاش